كيف غطّى الصحافيون معارك "قسد" و"داعش"؟

كيف غطّى الصحافيون معارك "قسد" و"داعش"؟

05 فبراير 2022
اتخذت "قسد" من بياناتها أداةً للحرب ضد "داعش" (فرانس برس)
+ الخط -

أعلنت القيادة العامة لـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، الإثنين الماضي، مرة جديدة، السيطرة بشكل كامل على ما تبقّى من أبنية يتحصّن فيها مقاتلو تنظيم "داعش" الإرهابي داخل سجن الصناعة في حي غويران في مدينة الحسكة، أقصى شمال شرقي سورية. لكن بالتزامن مع ذلك، أشارت إلى استمرار عملية التمشيط في نقاط محددة في الحسكة ومناطق أخرى في أرياف دير الزور والرقة. كما مدّدت الإدارة الذاتية لشمال شرقي سورية، العاملة في مناطق "قسد"، العمل بحظر التجوال، لكنّها خفّضت ساعاته لتصبح من السادسة مساءً إلى السادسة صباحاً في مناطق انتشارها شمال شرقي سورية، ما يوحي بأن الأعمال العسكرية ما زالت مستمرة في المنطقة، وأن العملية التي تشنّها ضد عناصر "داعش" الفارّين لم تنته بعد.

سبق إعلان السيطرة الأخير عدة إعلانات مشابهة، وهذا إن دلّ فيدل على حجم الهجوم الكبير الذي أثّر على جميع مؤسسات "قسد" التي قتل منها 117 شخصاً، منهم 77 من حرّاس السجن والعاملين فيه، إثر العمليات التي استمرت أكثر من 10 أيام، بحسب بيان رسمي.

يقول الصحافي أحمد البرّو العامل في مناطق سيطرة "قسد"، لـ"العربي الجديد"، إنه في أول يومين من المعركة التي شنّتها القوات ضد "داعش" كان هناك تخبط كبير في التصريحات، وخاصة بين قيادة "قسد" والمكتب الإعلامي التابع لها، فأُعلنت السيطرة على السجن مرات عدة، ولم تشر الإعلانات آنذاك إلى وجود فارّين من عناصر التنظيم أو قتلى أو متحصنين داخل الأبنية، وهذا ترافق مع بث دعاية قوية من التنظيم إضافة إلى تسجيلات مصورة ومبايعة حراس وعاملين له.

ويضيف أن هذه الهجمة زادت التخبط، وحاول القائمون على الإعلام في "قسد" تصحيح المسار لكنّهم لم يتعاملوا مع الناس بشفافية تامّة، وقد يكون ذلك لعدم بثّ الخوف بين السكان أو قد تكون هذه الدعايات موجهة لعناصر التنظيم الفارين، وربّما أرادت أيضاً مواجهة دعاية التنظيم التي أراد بها الظهور أمام أنصاره بمظهر القوي وأنه يواجه "قسد" وقوات التحالف الدولي.

ووفقاً للبرّو، فإن وسائل الإعلام العاملة في المنطقة التزمت بالبيانات الصادرة عن "قسد"، وهذا أسهم بضبط المعركة عسكرياً وعدم تسريب أي معلومة لا ترغب "قسد" في انتشارها كي لا يظن التنظيم أنّه حقّق نصراً غير موجود، بسبب هجومه الانتحاري على منطقة يتمركز فيها عشرات آلاف العناصر من "قوات سورية الديمقراطية" ومن قوات التحالف الدولي المزوّدين بأحدث الأسلحة إضافة إلى الطائرات وكاميرات المراقبة، وسط بيئة كارهة في الأساس للتنظيم.

أما المصور عادل محمود العامل أيضاً في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية، فيقول لـ"العربي الجديد" إن "قسد" "لم تسمح في البداية لبعض مراسلي الإعلام بالوصول إلى مكان الحدث، وهذا ربمّا ما أسهم بنقل رواية واحدة للأحداث، وأصبحت وسائل إعلامها الرسمية هي مصدر الخبر. استطاعت هذه الوسائل تلبية طلبات وكالات الإعلام والمراسلين، "لكن يؤخذ عليها أنها كانت تسمح لمراسلين بالوصول دون غيرهم".

ويلفت إلى أنهّا استطاعت من خلال هذه الوسائل وهؤلاء المراسلين إيصال رسالتها من خلال عدة بيانات تندرج ضمن الحرب الإعلامية التي تمارسها ضد التنظيم، ولمواجهة هجومه العنيف الذي شلّ المنطقة بشكل كامل فعلياً خلال هذه الأيام العشرة الأخيرة، وأدى إلى حدوث حالة من الخوف بين السكان.

ويقول مدير مؤسسة "نودم" العاملة في مناطق الإدارة الذاتية، الصحافي مسعود حامد، لـ"العربي الجديد" إن المعلومات التي كانت تنشرها "قسد" تنقسم إلى قسمين، الأول موجّه ومقصود والآخر غير مقصود، فكانت تهدف بالتحديد للتاثير على معنويات مقاتلي "داعش" وخلايا التنظيم في المنطقة، ولرفع معنويات مقاتليها الذين كانوا يخوضون معارك شرسة ضمن منطقة جغرافية صغيرة ويواجهون المفخّخات والأحزمة الناسفة.

ويرى حامد أن هناك جزءاً كبيراً من الأخبار كانت تنشر من قبل مراسلين غير موجودين على الأرض أو بعيدين عن المعركة، وحينها كانت تضطر "قسد" للرد عليها ببيانات أخرى لتصحيح بعض المعلومات التي كانت تؤثر مباشرة على السكان هناك، وكان الهدف منها مواجهة حالة البلبلة الحاصلة، يضاف إلى ذلك أن "قسد" أرادت من نشر بعض الإيضاحات وضع حدّ للشائعات التي كانت تتداول على منصات التواصل الاجتماعي في المنطقة التي كانت تنتشر كالهشيم في النار.

ويؤكّد مصدر مقرّب من "قسد" لـ"العربي الجديد" أن الإعلان الذي صدر مساء الإثنين هو الأخير لأن عملية السيطرة تمّت فعلياً، لكن ما زال هناك نحو 222 عنصراً من التنظيم غير معلومي المصير، يعتقد أنّهم من بين القتلى الـ374 الذين تم الإعلان عن مقتلهم خلال المواجهات.

ويشير المصدر الذي فضّل عدم ذكر اسمه إلى أن ضرورة المعركة كانت تقتضي بث أخبار، الغاية منها وصولها إلى أسماع عناصر التنظيم وخلاياه في المنطقة، وبما أن "قسد" جهة عسكرية فكانت تتخذ من هذه البيانات والإعلانات كأداة للحرب على تنظيم "داعش".

المساهمون