فنون القتال والترويج المختلطة

25 مايو 2024
أصبح بعض البرامج الحوارية يصمم إعلاناته بالطريقة نفسها (براندون ماغنونس/Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- فنون القتال المختلطة (MMA) تطورت من رياضة محفوفة بالمخاطر إلى واحدة من أشهر الرياضات عالميًا، بدعم من UFC الذي تغلب على العقبات القانونية وروّج لها بقوة.
- جو روغان يعتبر MMA وأساليب القتال المتنوعة كإعادة تعريف للرجولة، مع التركيز على أندرو تيت كنموذج للرجولة السامية، وصلت الشهرة إلى حد الترويج لمواجهة بين زوكربيرغ وماسك.
- تأثير MMA تعدى الرياضة إلى هوليوود وصناعة الأفلام، مع أفلام مثل The Fall Guy، وأصبح المقاتلون الأكثر شهرة هم الأكثر تأثيرًا وليس بالضرورة الأكثر نجاحًا في الحلبة.

لم يعد بالإمكان تصفح الإنترنت أو وسائل التواصل الاجتماعي، من دون أن يظهر أمامنا على الأقل مقطعان أو ثلاثة مقاطع لمقاتلي MMA (فنون القتال المختلطة)، الرياضة التي تحولت إلى واحدة من أشهر الرياضات في العالم، أو على الأقل في الولايات المتحدة الأميركيّة. انتشار هذه الرياضة مطلع التسعينيات يعود إلى UFC؛ الشركة المسؤولة عن الترويج، التي تمكّنت من تجاوز المساءلات القانونيّة حول هذه "الرياضة"، لما تحويه من خطر وعنف شديدين، وتحويلها إلى رياضة شعبيّة (علماً أنها ليست أولمبية)، بل وصل الأمر إلى تحويل ما تحويه من "فلسفة"، حسب تعبير بعضهم، إلى موقف من العالم تسلّل إلى أشكال الترفيه الأخرى.

لا نحاول هنا الخوض في تاريخ فنون القتال المختلطة، بل تحويل النموذج الذي تقدمه إلى أسلوب للترويج يتزعمه البودكاستر الأميركي جو روغان، الذي يقدم "فلسفة" لهذه الرياضة، وأساليب القتال المتنوعة، بوصفها إعادة نظر في نظام الرجولة، ذاك الذي أخذ شكله الأقصى مع أندرو تيت، "عرّاب الرجال السامين"، والمقاتل السابق الذي يظهر عاري الصدر، مستعداً لضرب كل من يواجهه. هذا النموذج من الترويج للاشتباك، أخذ شكله الأقصى في المواجهة التي كانت منتظرة بين الرئيس التنفيذي لشركة ميتا مارك زوكربيرغ ومالك منصة إكس إيلون ماسك.

بصورة أخرى، خرجت المنافسة من قواعد السوق إلى قواعد الحلبة، القائمة حرفياً على الضرب حد الإغماء. هذا الشكل تسلل إلى اللقاءات التلفزيونية بصورتها الشعبوية، كحالة ملصق الترويج الذي نُشر استعداداً للقاء بيرس مورغان مع باسم يوسف للمرة الثانية.

فكرة المواجهة داخل "حلبة" هي الطاغية، وهذا ما نتلمسه في ردات الأفعال والريلز التي يصنعها المتابعون، إذ تحوي إحالات إلى "الضربة القاضية"، أو "الركلة المنخفضة"، أو "اللكمة الخاطفة"، وكأننا في عالم من رجال ينتظرون اللحظة المناسبة للانقضاض على الخصم. اللافت أن الشكل الجديد لهذه الرياضة خرج من الهامش، وتحول إلى Mainstream، ولم يكن شكلاً نقدياً كحالة النماذج التي نراها في فيلم "نادي القتال"، ومحاولات الخروج من "النظام الاستهلاكي"، بل أصبحت صناعة عالميّة، تدر الملايين.

المواجهة لم تعد فقط قائمة على استعراض المهارة، بل على عدد دقائق الاشتباك وإمكانية حشر الإعلانات ضمنها. لا يمكن إنكار شهرة هذه الرياضة، إلى حد دخول نماذجها إلى هوليوود؛ ليلعب رايان غوسلينغ بطولة فيلم مقاتل سابق يحاول العودة إلى الحلبة في فيلم The Fall Guy، وسبقته سلسلة طويلة من الأفلام التي تصنف كـB، أي إنتاجات ليست بالضخمة، لكن دخول غوسلينغ نفسه ينقل مستوى الإنتاج إلى مرحلة أخرى، إذ حصد الفيلم 28 مليون دولار في الأسبوع الأول لعرضه (الأكثر انخفاضاً في هوليوود منذ عام 1995)، ربما السبب هو الحرب على قطاع غزة. لكن انخفاضاً كهذا يتركنا أمام سؤال شعبية هذه الرياضة وطبيعة الحكايات حولها، سواء فيما يخص استخدام العنف المفرط، أو الفضائح التي تحيط بالمدير التنفيذي لشركة UFC، دانا وايت، الذي عنونت مجلة أتلانتيك مقالة عن الاتهامات المحيطة به لضربه زوجته بـ"الفضيحة الرياضية التي لا يتحدث عنها أحد".

اللافت أيضاً أن المقاتلين الأكثر شهرة في هذه الرياضة هم ليسوا المنتصرين طوال الوقت، بل أولئك الذين يتمتعون بنمط حياة غني وأشبه بالمؤثرين (النموذج الذي تبنّاه أندرو تيت) ككونر ماكريغور (22 فوزاً و6 خسارات)، لكن ما يُروّج له هو سلوكه خارج الحلبة، وطيشه، وعصبيته، ونمط حياته. 

نحن أمام شكل جديد من المؤثرين، يتبناه أولئك الأقل قدرة على القتال، الذين وَجدوا في فنون القتال المختلطة أسلوباً للتعبير عما يسمّونه "الرجولة المقموعة"، تلك التي تحرمهم من أن يكونوا رجالاً، يأخذون الحق باليد، ويثبتون وجهة النظر باللكم.

المساهمون