فنانون مصريون تائهون في مدارَين سياسيين

12 نوفمبر 2023
في القاهرة (خالد دسوقي / فرانس برس)
+ الخط -

توالت أخبار إلغاء المهرجانات السينمائية والأنشطة الفنية المختلفة منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة. هكذا، خرجت بعض الأصوات من بين الفنانين العرب، تنادي على استحياء بضرورة استئناف النشاط الفني واستغلاله لدعم قطاع غزة.
ومع بدء بعض الجهات والفنانين في التمهيد للعودة إلى مواصلة أعمالهم الفنية، اعتذر الممثل الكوميدي المصري محمد سلام، عن المشاركة في عروض مسرحيات "موسم الرياض"، ما عمق حالة الانقسام داخل الأوساط الفنية.
في هذا السياق، يُشار إلى أن الفنانين لم يعارضوا قرارات إلغاء أو تأجيل المهرجانات السينمائية، لأنها صادرة عن جهات رسمية، وفي جوهرها هي سياسية وليست فنية. لكن، تساءل بعض الفنانين والنقاد حول الطريقة التي تنظر بها الجهات الرسمية إلى التظاهرات الفنية، مشيرين إلى أن هذه الجهات تعتبرها مجرّد فعاليات هامشية، وترفا فائضا عن الحاجة.
بدوره، أثار موقف الممثل المصري محمد سلّام، بامتناعه عن المشاركة في موسم الرياض، تساؤلات عديدة في الوسط الفني، أبرزها يتمثّل في أن المشاركين في الموسم، لا يلتفتون إلى ما يحدث في قطاع غزة، خصوصاً مع موقف السعودية السياسي مما يحصل هناك.
هكذا، اشتعل الانقسام بين معسكر الرياض ومعسكر محمد سلام، بعد رد الفعل المعاكس من هيئة الترفيه، إذ تمثل ذلك في زيارة رئيس الهيئة، تركي آل شيخ، لفريق عمل المسرحية التي اعتذر عنها سلام، مستعرضاً دعمه لهم. بعدها، ظهر الممثل بيومي فؤاد، وهاجم محمد سلام في نهاية عروض المسرحية، مقلّلاً من قيمته الفنية، مشيراً إلى أن زملاءه جاؤوا إلى الرياض من أجل تمثيل مصر، وليس من أجل إضحاك الجمهور أو المال. وعلى إثر هذه الكلمة لبيومي فؤاد، تعرّض الأخير إلى سيل من الانتقادات، سواءً من بعض زملائه، كالمخرجة كاملة أبو ذكري، والجمهور أيضاً.
مثّل موقف محمد سلام حالة صدام بين القاهرة والرياض فنياً، بعد فترة من الحساسية بين العاصمتين، بسبب تصاعد اعتماد الوسط الفني في مصر على الإنتاج السعودي، سواء في الحفلات الغنائية أو في العروض السينمائية في المملكة، التي أنعشت الإنتاج السينمائي في مصر، أو في الإنتاج الدرامي من خلال منصة "شاهد" التي تتعرّض إلى حملة مقاطعة بسبب تطبيعها مع شركات إسرائيلية.
لعلّ ما فعله بيومي فؤاد، من هجوم على محمد سلام ومجاملته المفرطة للسعوديين، دليل على حالة الاستقطاب الكبيرة في الوسط الفني العربي حالياً. إما أن تكون مع المملكة أو ضدها، إذ لا توجد مساحة للمناورة أو اتخاذ مواقف مستقلة أخرى، خصوصاً أن يكون الفنان من المحظيين في الانفتاح السعودي، يعني أن يتبنى نفس المواقف السياسية التي تسري على المواطن السعودي أيضاً. لذلك، يحاول بقية الفنانين عدم خسارة فرصهم في السعودية، ملتزمين الصمت تجاه القضايا السياسية أو الإنسانية، خصوصاً تلك التي تتوافق وموقف السعودية.

أوضحت هذه الحالة أيضاً مدى احتياج الفنانين إلى الاستقلالية الإنتاجية، ومدى خضوعهم لسيطرة رأس المال السياسي والفني. هناك أجيال جديدة من الفنانين، لا تعرف معنى المواقف المستقلة، أو تكوين وجهات النظر الخاصة، سواء في المهنة التي يعملون بها، أو في المجالات والقضايا الأخرى، وتحولوا إلى موظفي قطاعات حكومية، سواء في مصر، بخضوع الحركة الفنية بالكامل للشركة المتحدة، المملوكة للدولة، أو في غيرها.
ولعلّ الموقف الوحيد الذي نستشعر فيه استقلالية، هو ذلك الذي صدّره فنانو هيب هوب عرب؛ إذ نجحوا في اتخاذ مواقف شبه جماعية ومتسقة مع ثقافتهم، مثل إنتاج أغنية "راجعين" التي ضمت 25 فناناً عربياً. وعلى المستوى الفردي، استطاع بعضهم اتخاذ مواقف نبيلة، مثل ظهور مغنى الراب ويجز على شاشة "الجزيرة" للحديث عن القضية الفلسطينية، ودعم حركة المقاطعة ونقد الخطاب الإعلامي الغربي، مع استمرار حفلاته في أميركا واستغلالها لدعم القضية.

المساهمون