"فريق خورخي"... وكالة تضليل إسرائيلية لترويج الأخبار المزيفة

"فريق خورخي"... وكالة تضليل إسرائيلية لترويج الأخبار المزيفة عبر العالم

1260BCD6-2D38-492A-AE27-67D63C5FC081
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
20 فبراير 2023
+ الخط -

تعود بداية القضية إلى يناير/كانون الثاني الماضي، عندما أوقفت قناة BFM الإخبارية الفرنسية أحد صحافييها، الذين اعتادوا تقديم نشرات الأخبار ليلاً في وقت متأخر، هو الصحافي من أصل مغربي رشيد مباركي، الذي يعمل فيها منذ تأسيسها عام 2005. وتسرب أن سبب وقفه عن العمل هو إجراء تحقيق حول بث خبر أو أكثر، يتعارض مع الخط التحريري للقناة.

وتحدثت وسائل إعلام فرنسية أن مباركي استخدم في أحد الأخبار مصطلح "الصحراء المغربية"، بدلاً عن "الصحراء الغربية"، وذلك في موضوع حول منتدى اقتصادي انعقد بين المغرب وإسبانيا، وجرى تنظيمه في شهر يونيو/حزيران الماضي. حيث يشير مباركي، وفقاً لمقتطف ما يزال متداولاً على منصات التواصل الاجتماعي، إلى أن هذا المنتدى "تحقق بفضل دفء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين منذ اعتراف إسبانيا بالصحراء المغربية".

وأفادت وسائل إعلام فرنسية بأن مباركي أقر باحتمال حصول خطأ صحافي، ونفى أن يكون قد تجاوز الخط التحريري للقناة، ولكن مدير القناة الصحافي مارك أوليفييه فوجيل، أوضح للموظفين أنه كان عليه اتخاذ قرار وقف مباركي عن العمل، وإجراء تحقيق داخلي، بعدما تم تنبيهه إلى وجود معلومات متحيزة محتملة يتم بثها على الهواء.

التحقيق الداخلي للقناة الفرنسية سعى لمعرفة ما إذا كان مباركي قد تصرف بمفرده، وتحديد الأسباب التي سمحت بظهور بعض الأخبار على الهواء خارج جميع القواعد الداخلية المعتادة، وما إذا كانت الصور التي تم بثها على الهواء "جاءت من الخارج".

لم تكن القناة هي التي اكتشفت بث خبر أو أكثر يتعارض مع خطها التحريري، بل هناك جهة تبرعت للفت نظرها، وتزويدها بمعلومات خطيرة حول عملية اختراق من الخارج، من قبل شركة ترويج أخبار إسرائيلية، تعمل على نشر أخبار مضللة، وقد أنتجت في يناير الماضي نحو 40 ألف ملف مضلل على مستوى العالم.

الشخص الذي لفت نظر مدير القناة هو الصحافي الفرنسي فريديريك ميتزو، الذي كان يعمل حينها في وحدة التحقيق في "راديو فرانس"، كجزء من تحقيق واسع يسمى  Story  Killersبتنسيق من منظمة إعلامية فرنسية هي  Forbidden Stories، بهدف فضح صناعة التضليل.

وقد أبلغ ميتزو، فوجيل أن القناة بثت أخبارا قدمتها وكالة تضليل إسرائيلية، يديرها أفراد سابقون في الجيش والمخابرات الإسرائيلية. ويبدو أن الحديث جرى عن خبرين محددين، ذلك الخاص بالصحراء، والثاني يتعلق بظهور مباركي، وهو يتحدث مع الصور الداعمة، عن الصعوبات التي واجهتها صناعة اليخوت في موناكو الفرنسية، بعد فرض عقوبات على "الأوليغارشيين" الروس.

واللافت هو أنه بمجرد بث هذا الخبر، تم قص هذا الجزء منه وتوزيعه على نطاق واسع على تويتر، بواسطة منصة الترويج الخاصة بالقناة. وبالتالي، فإن الغرض من هذا التدخل، هو تشويه سمعة العقوبات المفروضة على روسيا، داخل فرنسا، الدولة التي تعد أساسية في التحالف الدولي الذي يقود سياسة العقوبات ضد روسيا.

هناك صحف فرنسية وغير فرنسية تحدثت عن تعاون مباركي مع الوكالة الإسرائيلية، بعدما أذاع العديد من الأخبار المضللة التي شملت بلدانا أخرى مثل قطر، السودان، الكاميرون، وألقت المسؤولية في التسريبات الخطيرة على ظهره، ولكن هذه المسألة في نظر بعض المراقبين، ليست على قدر أهمية اختراق الوكالة للقناة التلفزيونية.

اخترق الصحافيون هيكلًا متخصصًا في التأثير والتلاعب الانتخابي والتضليل ونشر الأخبار المزيفة

ومن المعروف أن BFM TV يملكها رجل الأعمال اليهودي المغربي باتريك دراهي (درعي)، الذي بزغ نجمه في قطاع الاتصالات والإعلام الورقي والمرئي في فرنسا من خلال امتلاكه لهذه لقناة، ومجلة "ليكسبريس" الأسبوعية وغيرها، كما أنه عرض شراء شركة الاتصالات "بويغ تلكوم" بمبلغ يفوق 10 مليارات يورو، مع العلم أنه سبق له وأن استحوذ على نظيرتها SFR.

وتكتسي عملية الاختراق أهمية خاصة بالنظر إلى الجهة التي تقف وراء عملية التضليل الإخباري، وإلى مالك القناة، وما تمثله من خط تحريري.

ومهما يكن، ورغم الضجة الكبيرة في فرنسا، فإن نقطة الانطلاق في هذه القضية هي إسرائيل. وهناك، عمل فريق التحقيق الذي كشف المسألة لمدة ستة أشهر. وهو مكون من فريديريك ميتزو، جور مجيدو الصحافي الاستقصائي في صحيفة The Marker الإسرائيلية، وعمر بنيعقوب الصحافي الاستقصائي في صحيفة هآرتس الإسرائيلية. 

اخترق الصحافيون هيكلًا متخصصًا في التأثير والتلاعب الانتخابي والتضليل ونشر الأخبار المزيفة على المستوى العالمي، وهو عبارة عن وكالة خاصة، ليس لها وجود قانوني من الناحية النظرية، غير أن مكاتبها تقع في مستوطنة موديعين، الواقعة على الطريق بين القدس وتل أبيب.

لا تحمل المكاتب أي لافتة أو اسم يدلان عليها، ما يعني أنها سرية، ومع ذلك فإن هذه المكاتب مفتوحة وتستقبل زبائنها، وتقوم بعقد صفقات على مستوى عالمي، ويحمل فريق العمل فيها اسم "فريق خورخي"، وهو لقب يطلق على مديره الرئيسي. ويقدم الموظفون أنفسهم على أنهم ضباط سابقون في الجيش الإسرائيلي أو أجهزة المخابرات، وخبراء في المعلومات المالية، والشؤون العسكرية، والحرب النفسية، أو وسائل التواصل الاجتماعي.

تظاهر الصحافيون بأنهم مستشارون يعملون نيابة عن دولة أفريقية مضطربة، ويريدون المساعدة لتأجيل الانتخابات. وتمت اللقاءات عبر الفيديو، وبصورة شخصية في مقر فريق خورخي، بمكان غير معلوم في المركز الصناعي في مستوطنة موديعين.

وشاركت في التحقيق نخبة من صحافيين مرموقين مثل ستيفاني كيرشغاسنر رئيسة قسم التحقيقات في صحيفة ذا غارديان، وزميلها جيسون بيرك، ضمن مجموعة من حوالي مائة صحافي، يعملون في 30 من وسائل الإعلام الدولية، ومنهم من ساهم في كشف فضائح سابقة مثل الصحافية البريطانية البارزة كارول كادوولدر، التي شاركت عام 2018 في كشفِ فضيحة شركة "كامبريدج أناليتيكا"، وفضائح أخرى تتعلق بـ"بريكست" ودور روسيا وعلاقة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بالمسألة.

قبل وصول فريق التحقيق الاستقصائي إلى "فريق خورخي" الذي يعمل منذ عشرين عاماً، كان من المستحيل إجراء مقابلة صحافية مع أحد أعضائه، بالنظر إلى حساسية عمل الوكالة من جهة، والحذر من الصحافة بصورة عامة.

وقال أحد أعضاء الفريق الاستقصائي، "من أجل فهم ما يفعلونه حقًا، لم يكن لدينا خيار سوى تقديم أنفسنا كمستشارين مستقلين، بتكليف من عميل أفريقي أراد التأثير على الاقتراع الانتخابي في بلده، وبذلك نجح الفريق في التعرف على الفريق والأنشطة المتنوعة والمتعددة، التي يقوم بها عبر العالم.

تمكن الفريق الصحافي الاستقصائي من تحديد من كان يختبئ وراء اسم "خورخي الغامض" والعقل المدبر وراء العمليات. وهو يحمل عدة أسماء حركية "مايكل" ​​أو "جويس غامبل" أو "كورال خايمي"، ولديه عدة عناوين بريد إلكتروني وأرقام هواتف في دول مختلفة.

فضيحة خورخي هي الثانية على هذا المستوى التي تقف وراءها إسرائيل، وهدفها التضليل وزعزعة الاستقرار، بعد تلك التي أثارتها نشاطات الشركة الإسرائيلية NSO

 

اسمه الحقيقي طال حنان، وهو رئيس شركتين تعملان في مجال الأمن والاستخبارات هما  Sol Energy وInternational Denoman وهذه مسجلة على موقعها بأنها تابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية لدعم الصادرات الدفاعية. ويظهر أن حنان أدار بعض حملات التضليل من خلالها، ويوصف على موقعها بأنه متخصص في المتفجرات، خدم في القوات الخاصة للجيش الإسرائيلي، وضابط ارتباط سابق في الجيش الإسرائيلي بقيادة القوات. ووفقًا لسيرته الذاتية، فقد "قاد أيضًا عمليات لحماية المديرين التنفيذيين المعرضين لمخاطر عالية في المكسيك وكولومبيا وفنزويلا، وأجرى برامج تدريبية لمكافحة الإرهاب لصالح حكومة الولايات المتحدة". ويحمل شهادة في العلاقات الدولية من الجامعة العبرية في القدس، ويتم تقديمه على أنه "متحدث مرغوب فيه للغاية، قدم عروضاً إلى الكونغرس الأميركي والعديد من الحكومات الأجنبية والشركات الدولية". وأجرى حوارات في العديد من وسائل الإعلام والصحف الكبرى مثل واشنطن بوست في عام 2006.

يقول فريق خورخي إنه يعتمد على شخصيات معروفة مثل الإسرائيلي إيلان مزراحي، نائب مدير الموساد السابق ومستشار الأمن القومي السابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت، وروجر نورييغا، الدبلوماسي السابق في إدارتي جورج بوش الابن ورونالد ريغان.

وحضر اللقاءات أربعة من زملاء حنان، أحدهم شقيقه زوهر حنان الذي وصف بأنه الرئيس التنفيذي للفريق. وفي محاولته لتقديم عمل المجموعة قال "نحن منخرطون في انتخابات في أفريقيا، ولدينا مكاتب في اليونان والإمارات ونتبع الفرص وأكملنا العمل في 33 حملة انتخابية على مستوى عال نجح منها 27 حملة".

وقد أكد لهم، مدعماً ذلك بعرض أمامهم، أنه يستطيع أن يحدث بشكل آلي حسابات مزورة على الإنترنت، وكتابة محتوى على شبكات التواصل الاجتماعي، أو قرصنة بريد إلكتروني، أو حسابات على تطبيق تليغرام.

وعودة إلى الصحافي رشيد مباركي، يفيد التحقيق بأن الوكالة هي التي أنتجت الخبر الخاص بتجارة اليخوت في موناكو، وكي يرفع المسؤولية عنه يعترف مباركي بأن الشخص الذي زوده بالنصوص والصور ليتم بثها هو جان بيير دثيون، والذي يعرفه التحقيق بأنه ليس غريباً على عالم الإعلام. كان رائد أعمال مغترباً في سورية من 2007 إلى 2014، قدم تقريرًا عن الحياة اليومية في دمشق حيث عمل أيضًا كميسر للعديد من المراسلين الأجانب الذين تم إرسالهم إلى هناك، قبل أن يصبح، وفقًا لخبير جيد في هذا القطاع، "جرافة" للتضليل الإعلامي.

هناك مهمات أخرى تقوم بها الوكالة هي زرع الفتنة داخل العشائر، التي تتحكم في مقاليد السلطة. ويقول خورخي "علينا أن نكون أذكياء للغاية للتسبب في اشتباكات بين الجنرالات وعائلاتهم. بين كل زعيم قبلي". ومن هنا تأتي الحاجة إلى الاستفادة من المساعدة، ناهيك عن التواطؤ، من موظفي شركات الهاتف المحلية للتنصت الذي تبلغ كلفته أحيانا 50000 يورو. كما تقوم بإشاعة عدم الاستقرار على ألا يؤدي إلى موجات هجرة إلى أوروبا ورفع أسعار الطاقة في الولايات المتحدة، ومن هنا يظهر، كما أوضح أحد أفراد المجموعة أنهم "يمتنعون عن التدخل في ثلاثة مجالات فقط: السياسة القومية الأميركية وروسيا وإسرائيل".

فضيحة خورخي هي الثانية على هذا المستوى التي تقف وراءها إسرائيل، وهدفها التضليل وزعزعة الاستقرار، بعد تلك التي أثارتها نشاطات الشركة الإسرائيلية NSO، التي باعت لدول عدة برمجية "بيغاسوس"، كي تستخدمه في التنصت في الداخل والخارج.

ذات صلة

الصورة

منوعات

برمجية التجسس الإسرائيلية بيغاسوس استخدمت في الأردن، لاختراق الهواتف المحمولة لما لا يقل عن 30 شخصاً، بينهم صحافيون ومحامون وناشطون في مجال حقوق الإنسان.
الصورة
أميركا/ السايبر (Getty)

سياسة

في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أعلنت إدارة الرئيس جو بايدن وقف التعامل مع شركة "NSO" الإسرائيلية، الحاضنة لبرمجية "بيغاسوس" التجسسية سيئة السمعة. خمسةَ أيّام فقط بعد هذا الإعلان، أُبرم عقد سرّي بين شركة أميركية و"أن أس أو".
الصورة

منوعات

رفع صحافيون في صحيفة إل فارو السلفادورية دعوى قضائية ضد شركة إن إس أو الإسرائيلية، أمام محكمة فيدرالية أميركية، الأربعاء، وقالوا إن برمجيتها بيغاسوس استخدمت في التجسس عليهم.
الصورة

منوعات

حذر ضحايا برمجية التجسس بيغاسوس التي تطورها شركة إن إس أو الإسرائيلية، ومجموعة من الخبراء الأمنيين، من أن لجنة تحقيق برلمانية أوروبية تخاطر بالخروج عن مسارها بسبب "حملة تضليل" مزعومة.

المساهمون