فتحي غبن... نهاية رحلة البحث عن نَفَس

فتحي غبن... نهاية رحلة البحث عن نَفَس

26 فبراير 2024
فتحي غبن (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -

بعد أيام على استغاثته التي أطلقتها ابنته عبر مواقع التواصل الاجتماعي، رحل الفنان التشكيلي الفلسطيني فتحي غبن في مقر نزوحه في رفح جنوب قطاع غزة، صباح أمس.
وكان غبن قال في الفيديو الذي عممته العائلة: "أنا بطالب بنفس.. بدّي أتنفس.. مخنوق بدي أتنفس يا عالم". لكن، وكما أشار عديد من التعليقات التي نعته عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لم يستطع أحد تلبية استغاثته.
ابنته، وفي الفيديو نفسه، كانت أشارت إلى أن والدها يعاني من أزمة حادة في الرئتين. "وبعد النزوح من حيث نعيش في شمال القطاع إلى الجنوب، ساء وضعه بسبب استنشاقه لغازات الفوسفور والدخان جرّاء القصف الإسرائيلي، وتضاعفت حالته الصحية سوءاً، بعد أن علم أن منزلنا تعرض للقصف، بما فيه من أعماله الفنية ولوحاته التي رسمها على مدار عقود".
بدورها، قالت وزارة الثقافة الفلسطينية إن غبن الذي كان يعاني من مشاكل حادة في الصدر والرئتين كان بحاجة للسفر إلى الخارج لاستكمال علاجه بسبب نقص الأدوية والأكسجين في غزة، إلا أن سلطات الاحتلال لم تسمح له بمغادرة القطاع.

فتحي غبن... ومئات المرضى

كان غبن في الأيام الأخيرة يتلقى العلاج في مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح، بانتظار الخروج لمصر لتلقي العلاج هناك رغم استكمال كل الإجراءات والتقارير المطلوبة التي تتم في هذه الحالة. إلا أنه، ورغم مرور أسبوعين على ذلك، فإن سلطات الاحتلال لم تسمح بمغادرته، حسب بيان وزارة الثقافة الفلسطينية، مشيرة إلى أن مئات المرضى يعانون من عدم تلقي العلاج اللازم بسبب منع قوات الاحتلال إدخال الدواء والمعدات الطبية للقطاع الذي يتعرض لحرب إبادة جماعية منذ أكثر من 142 يوماً. 
وأشارت الوزارة إلى إن رحيل غبن يشكل خسارة للفن الفلسطيني الذي شهد على يده تحولات وانتقالات هامة تجاه تجسيد الحياة الفلسطينية واللجوء الفلسطيني والمخيم، وتقاليد الحياة في البلاد التي نذر حياته لتخليدها في فنه. 
وقال وزير الثقافة الفلسطيني عاطف أبو سيف إن غبن عاش حياة المخيم بكل تفاصيلها، ورسمها بدقة متناهية، وخلّد حياة القرية الفلسطينية التي أرادت النكبة أن تمحوها، مستذكراً قريته هربيا التي ولد فيها فرسم الحقل والبيدر والعرس والحصاد والميلاد، ورسم البيوت والوجوه والطرقات، مشيراً إلى أن فلسطين كانت على الدوام حاضرة بكل تفاصيلها في أعماله التي جسد فيها حياة القرية الفلسطينية والمخيم واللجوء، ونقلها إلى العالم عبر ريشته البارعة.

التشكيلي الذي عاش سنته الأولى بعد أن تنفس الحياة في خيمة على رمال شمال غزة في مخيم جباليا للاجئين، قُدّر له أن يرحل بسبب منع الاحتلال لسفره إلى مصر، لذا عاش حياته في خيمة ومات في خيمة؛ فالخيمة، ومع أنها لا يجب أن تكون قدر الفلسطيني، لكنها تعني أن الاحتلال يمارس إجرامه، ولكنه إلى زوال كما خيام اللجوء والنزوح.
ونعى الفنان التشكيلي الفلسطيني سليمان منصور، غبن، وقال: "مع أن فتحي غبن تعلم الفن بالممارسة، إلا أنه بات في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي من أهم فناني قطاع غزة، هو الذي لطالما عبر في لوحاته عن الحنين لفلسطين ما قبل النكبة، وتمحور رسوماته حول الهوية والتحرر من الاحتلال".
يشير منصور لـ"العربي الجديد" إلى أن غبن اعتقل وحكم عليه بالسجن في زنازين الاحتلال لستة أشهر في عام 1984، لكونه رسم علم فلسطين. كما أنه فقد ابنه وحفيده وجلّ أعماله إن لم يكن كلها في القصف الذي طاول منزله في مخيم جباليا، لافتاً إلى أن وزارتي الثقافة والصحة الفلسطينيتين نجحتا في الحصول على التنسيقات اللازمة لاستكمال علاجه، وأن الحكومة القطرية تبرعت بعلاجه على نفقتها فور خروجه من القطاع، لكن الاحتلال حال دون ذلك، حتى جاء الخبر المؤلم برحيله.

سيرة بدأت في هربيا

فتحي غبن من مواليد عام 1947 في قرية هربيا المهجرة، التي حلّت مكانها مستعمرة ومعسكر "زيكيم"، فيما بات يعرف بمستوطنات غلاف غزة. بدأ حياته في مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين شمال قطاع غزة، هو الذي احترف الفن منذ عام 1965، وعمل مدرساً في مدرسة النصر النموذجية الإسلامية في غزة، قبل أن يصبح مستشاراً في وزارة الثقافة بعد اتفاقيات أوسلو وقيام السلطة الفلسطينية.
جدير بالذكر أن غبن حصل على وسام هيروشيما، ووسام اتّحاد الجمعيات العالمي في طوكيو، وحاز لقب "فنان فلسطين" لعام 1993، كما حصل على وسام سيف كنعان من إدارة التوجيه الوطني والسياسي الفلسطيني، وعلى وسام الثقافة والعلوم والفنون من الرئيس الفلسطيني محمود عباس عام 2015. كما أمر ببناء منزل له، تسلمه بالفعل، قبل سنوات، في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة. وكرّمه ممثل الاتحاد الأوروبي بعد حصوله على جائزة بيت الصحافة التقديرية الفلسطينية لعام 2023، في حين كان عضو لجنة جوائز دولة فلسطين للآداب والفنون والعلوم الإنسانية لعام 2020.
وأقام غبن عشرة معارض شخصية، كان أحدها بحضوره في متحف محمود درويش بمدينة رام الله، وهو أحد مؤسسي جمعية التشكيليين في قطاع غزة، ورابطة التشكيليين الفلسطينيين في الضفة والقطاع.

المساهمون