عن حرمانية الفن وسؤال الضرورة والحتمية

عن حرمانية الفن وسؤال الضرورة والحتمية

10 يونيو 2022
تحوّل المجتمع إلى الثيوقراطية غير المعلنة (فاضل داوود/Getty)
+ الخط -

بدأ هذا السؤال في الظهور، وأخذ يتردد على استحياء في أواخر سبعينيات القرن الماضي بين أوساط النخبة والأوساط الشعبية على حد سواء. 

كان هذا نتاج الفكر الديني المتشدّد الكاره لكلّ ثقافة الحياة، والذي يعلي من ثقافة الموت حتّى تتمكّن هذه الأخيرة من السيطرة تماماً على العقل الجمعي. وبالتالي لجعل حياة الناس بمعطياتها المختلفة، سياسياً واجتماعياً وعلمياً وثقافياً، على أرضية غيبية، ويُردّ كلّ شيء إلى مردّ غيبي.

حتّى عندما نكون أمام مادة علميّة خالصة، تُخضع ويُلوى عنقها للمنطق الغيبي الديني، ونتيجة لهذا، تحول المجتمع إلى الثيوقراطية غير المعلنة، تراجعت قيم الجمال أمام تسيّد المفاهيم الرجعية، وصار المجتمع يعيش انقساماً على ذاته وعقله، فهو ظاهرياً يظلّ محتفظاً ببعض مظاهر الحداثة، ولكنّه بالعمق حتّى ولو كان متدينّاً وسطيّاً انتقائياً لا يسلم من التشدد والتزمّت، وأحياناً التخلف، وبالطبع لا نقصد شمل الجميع. 

بتنا نطالع ونتابع كارثية نتائج ذلك، فيصدر، على سبيل المثال، قرارٌ بإلغاء مادة التشريح العملي، وهي المادة التي يستعين بها طلبة كلية الفنون الجميلة بموديل عار، ويحرم طالب الفنون الجميلة من التدريب على نسب الجسد الصحيحة.

موقف
التحديثات الحية

حتّى الفن بحقوله المختلفة بات يغلب عليه الجانب الغيبي، ويُقحَم المنطق الأخلاقي لتمييز الفن الهابط من الراقي، وتستعمل تسمية الفن النظيف والسينما النظيفة وما شابه، وتهاجم بشدّة القبلات الفنية في السينما، وكذلك العري كقيمة جمالية إنسانية بحد ذاتها، ونسمع أصوات بعض الذين يسمّون فنانين وهم يقولون إنّهم ضدّ العري، والمايوه، والمشاهد الحميمية في الفن. وتنتشر موضة الحجاب، ويصبح معادلاً موضوعيّاً للحشمة والأخلاق الحميدة، فتعتزل كثير من الفنانات بحجّة أنّ الفن حرام، وأنّه يجب أن يكون رسالة، وأنّهن يفتقدن الفن الراقي النظيف، بل وتقول بعضهن إنّهن نادمات على تاريخهن الفني، لكن من دون التنازل عن ثرواتهن التي تحقّقت من هذا التاريخ الفنّي السيئ على حدّ قولهن. 

وهكذا يغرق المجتمع في تناقضات حادة ويعاني من فصام شديد، فهم يحتقرون الجسد العاري، ولكنّهم يأتون براقصة شرقية لإحياء أفراحهم.  

هم يعاقبون ويشدّدون على أدقّ السلوكيات بين الولد والبنت، ولكنّهم يسمحون بانتشار القبح في الفن والإعلام في أسوأ صوره وأشكاله، فنجد بعض الضيوف يسبّون ويلعنون من يختلف معهم بأقذع الشتائم في غياب كامل للمواثيق المهنية والإعلامية. 

يضاف إلى ذلك الكثير من التناقضات التي مزّقت الوعي، وحطّمت كلّ المكتسبات الحداثية التي حُقّقت رغم محدوديتها. 

صرنا نعيش في زمن ولى، ونسأل بمنتهى الجدية الممزوجة بالخوف والدهشة والاستغراب:

هل سيظل سؤال الضرورة والحتمية حول حرمانية الفنون بكل أشكالها مطروحاً... وإلى متى؟

المساهمون