عزت العلايلي: سيرة الفنّ والاعتقال وإخفاقات السنوات الأخيرة

عزت العلايلي: سيرة الفنّ والاعتقال وإخفاقات السنوات الأخيرة

06 فبراير 2021
خلال تصوير مسلسل "قصر العشاق" عام 2017 (العربي الجديد)
+ الخط -

بداية عزّت العلايلي السينمائية كانت في عام 1962 من خلال فيلم "رسالة من امرأة مجهولة" بطولة فريد الأطرش ولبنى عبد العزيز وإخراج صلاح أبو سيف. ومثّل بعد ذلك بعض الأدوار الصغيرة، مثل دور الطالب الجامعي في فيلم "بين القصرين"، سنة 1962، أحد أفلام ثلاثية نجيب محفوظ التي أخرجها حسن الإمام. كما قام بدور في فيلم "الجاسوس" سنة 1964 بطولة فريد شوقي. وقدم أولى بطولاته في فيلم "سيد البلطي" للمخرج الكبير الراحل توفيق صالح سنة 1967، ثم قدم شخصية "الدرويش الضرير" في رائعة الكاتب يحيى حقي "قنديل أم هاشم" التي أخرجها للسينما المخرج كمال عطية.

لكن الانطلاقة الفنية الحقيقية للفنان الكبير الراحل عزت العلايلي كانت من خلال رحلة عمله مع المخرج الراحل يوسف شاهين التي بدأت بفيلم "الأرض" سنة 1970، حيث قدم شخصية "عبد الهادي"؛ ذلك الفلاح الشاب الذي يأبى الذل ومستعد للتضحية بحياته من أجل الدفاع عن صديقه محمد أبو سويلم وشرفه المتمثل في الأرض التي يمتلكها والتي تريد الحكومة سلبها منه لإنشاء طريق جديدة تصل إلى قصر الباشا.

وعن علاقته بيوسف شاهين يقول عزت العلايلي في أحد حواراته الصحافية: "عندما يذكر اسم يوسف شاهين يمر أمام عيني شريط طويل من الذكريات.. أحتار من أي نقطة أبدأ، هل من الفيلم الأول الذي جمعنا، أم من علاقة الصداقة بيننا، أم كواليس تصوير الأفلام التي جمعتنا وكيف كانت تتحول إلى منتديات ونقاشات فكرية وسياسية حيث كنا نعيش غنى حقيقياً على المستوى الفكري خصوصاً، وأننا كنا نصورها بعد هزيمة يونيو/ حزيران، وكانت مصر تغلي بالأحداث السياسية". ويضيف: "أتذكر في تلك الأوقات أننا جميعاً كنا محبطين جداً، ومصر تعيش تبعات النكسة، إلا أننا لم نكن نتوقف عن التفكير ونبحث عن منفذ أو مخرج، وهو ما جعل كواليس التصوير تتحول إلى نواة ليلية سياسية، تلك النقاشات نتج عنها نهاية الفيلم والتي أكدت ضرورة التمسك بالأرض والمبادئ مثلما كنا نفكر، وحسبما أراد يوسف والشرقاوي أن يعبرا عن هذه المعاني".

مثّل عزت العلايلي مع يوسف شاهين بعد "الأرض" فيلم "الاختيار" سنة 1971، واستمرت علاقتهما طويلاً في أفلام أخرى منها "الناس والنيل"، و"إسكندرية ليه" وغيرهما. عمل العلايلي مع مخرجين آخرين كبار، منهم المخرج الكبير الراحل صلاح أبوسيف، إذْ قام ببطولة فيلمه "السقا مات" سنة 1977 مع الفنان الراحل فريد شوقي والذي ألفه يوسف السباعي وكتب السيناريو والحوار له محسن زايد، وأنتجه يوسف شاهين، الذي كان يريد أن يخرجه لكن صديقه العلايلي أقنعه بأن أبو سيف أفضل منه في تلك النوعية، فأنتجه من خلال شركته "أفلام مصر العالمية".

ومع المخرج الكبير خيري بشارة قدم عزت العلايلي شخصية "بخيت"؛ أحد أهم أدوار تاريخه الفني من خلال فيلم "الطوق والأسورة" سنة 1986، عن رواية يحيى الطاهر عبد الله، وسيناريو خيري بشارة، التي صورت بؤس الحياة في أقصى صعيد مصر، من خلال شخصية "حزينة" (جسدتها فردوس عبد الحميد) التي تنتظر مع زوجها المشلول (عزت العلايلي) عودة ابنها من غربته في السودان، وتعاني هي وابنتها وحفيدتها (قدمتهما شريهان) من بعدها من ظلم المجتمع وتمييزه ضد اﻹناث، سواء مع فهيمة التي تتزوج من رجل عاجز جنسياً وتذهب بها حزينة إلى المعبد وتحمل، أو فرحانة الابنة التي تحمل سفاحاً ويغضب عليها خالها.

ومع المخرج نيازي مصطفى قدم العلايلي فيلم "التوت والنبوت"، وترتكز أحداث الفيلم على الجزء الأخير من رواية "الحرافيش" للأديب نجيب محفوظ. ففي منطقة القاهرة القديمة وفي عصر الفتوات والحرافيش، يفرض الفتوة حسونة السبع (حمدي غيث) إتاوات كبيرة على أهل الحي ويبالغ في اضطهادهم وإذلالهم. كما يضطهد حسونة أسرة عاشور الناجي (عزت العلايلي) التي تتقلب أحوالها بين الغنى ثم الفقر الشديد. ويجبره حسونة على تطليق زوجته (تيسير فهمي) ومغادرة الحي، ثم يحاول إجبار والدها والمأذون على تزويجها له قبل انتهاء فترة العدة. يقف عاشور في مواجهة الظلم ومعه أهل الحي المطحونين.

ومع المخرج الكبير خيري بشارة قدم عزت العلايلي شخصية "بخيت" أحد أهم أدوار تاريخه الفني من خلال فيلم "الطوق والأسورة" سنة 1986

عرف عزت العلايلي كممثل له اهتمامات سياسية، وتعرض للاعتقال بعد محاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر، وذلك بسبب نشاطه السياسي المعروف آنذاك، والذي جعل مسؤولي الأمن يشكون فيه، ولكنه أكد أن فترة سجنه أسهمت في تشكيل وعيه، وذلك بسبب حبسه مع عبد الرحمن الخميسي وحسن فؤاد. ظل العلايلي فناناً ملتزماً، لكنه في السنوات الأخيرة من حياته فضّل أن يجامل السلطة، لا سيما مع انقلاب 2013 بقيادة الفريق عبد الفتاح السيسي. وقال في أحد حواراته الصحافية متحدثاً عن ثورة 25 يناير/ كانون الثاني: "إذا كان لها من إيجابية، فهي أن الأحداث التي تلتها قادت إلى تولي مسؤولية مصر قائد وطني مخلص اسمه عبد الفتاح السيسي". وفي الحوار نفسه قال العلايلي متحدثاً عن انقلاب 30 يونيو/ حزيران وجماعة الإخوان المسلمين: "أرجو ألا يكون لهم مستقبل، فالخلاص منهم كان أهم إنجازاتها، ويجني المصريون الآن ثمار ما حدث في 30 يونيو، وسيجنون المزيد في المستقبل، ولكن نحتاج لبعض من الصبر".

قدم عزت العلايلي أفلاماً وطنية مهمة بعد ذلك، أبرزها "الطريق إلى إيلات"، إخراج إنعام محمد علي، والذي يحكي قصة بطولة رجال الضفادع البشرية في القوات البحرية المصرية الذين نفذوا عملية تفجير في ميناء إيلات بعد النكسة، وفيلم "بئر الخيانة" مع المخرج علي عبد الخالق.

تعرض للاعتقال بعد محاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر، وذلك بسبب نشاطه السياسي المعروف آنذاك، والذي جعل مسؤولي الأمن يشكون فيه

اختيرت عشرة أفلام شارك في بطولتها العلايلي ضمن قائمة أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية، وهي: (الأرض، والاختيار، والسقا مات، وزائر الفجر، والطوق والأسورة، وإسكندرية ليه، وأهل القمة، وعلى من نطلق الرصاص، وقنديل أم هاشم، وبين القصرين).

وخاض العلايلي عدة تجارب في الكتابة في بداياته الفنية ومنها مسلسل "اعرف عدوك" الذي يقول عنه: "كتبت 22 حلقة أحذر فيها من العدو الصهيوني، وعلاقتي بالكتابة لم تتوقف، إذ تدخلت في كثير من أعمالي، وكان المخرجون يرحبون بذلك، كما أخرجت أفلاماً وثائقية بالتلفزيون، وشاركت مع الفنان رشوان توفيق والمخرج أحمد توفيق في تأسيس مبنى ماسبيرو، حيث كنا ننام على البلاط في الاستوديوهات ونقيم في المبنى الذي كان تحت الإنشاء، وأسسنا مسرح التلفزيون وكنا نعرض المسرحيات العالمية مجاناً للجمهور، ثم تصور وتعرض تلفزيونياً، وشهدت إقبالاً كبيراً في أوائل الستينيات من القرن الماضي، وأدى النجاح لتحويل ميزانيتها لرئاسة الجمهورية بتعليمات شخصية من الرئيس جمال عبد الناصر، وكانت هذه الفرق نافذة لاكتشاف الكثير من الممثلين، إذ خرج منها عادل إمام وسعيد صالح وصلاح السعدني".

أما ذروة إبداع عزت العلايلي الفنية، بحسب ما اتفق كثير من النقاد، فكانت من خلال فيلم "المواطن مصري" الذي أخرجه صلاح أبو سيف، وقام ببطولته العلايلي بمشاركة مع الفنان الكبير الراحل عمر الشريف، والمأخوذ عن رواية "الحرب في بر مصر" للكاتب يوسف القعيد. ويرصد الفيلم قصة عمدة يُدعى عبد الرازق الشرشابي (عمر الشريف) حين يُطلب ابنه الأصغر توفيق (خالد النبوي) للتجنيد، فترفض زوجته (صفية العمري) ذهاب ابنها، فيقترح عليه أحد الأشخاص إرسال من ينتحل صفة ابنه للتجنيد بدلاً منه. وبالفعل بعد ترهيب وترغيب يقنع أباً فقيراً يُدعى عبد الموجود (عزت العلايلي) بإرسال ابنه مصري (عبد الله محمود) للتجنيد، على الرغم من أنه وحيد أمه وأبيه مقابل أن يعطيه خمسة أفدنة، وبالفعل يذهب مصري للجيش باسم ابن العمدة، لتقوم بعدها حرب 1973. واشترك مصري في مؤخرة الجيش الثالث وقرر إنهاء هذه اللعبة بعد العودة منتصرين، ولكن دانة مدفع أصابته، فصرخ قبل موته بالحقيقة لزميله حسن (أشرف عبد الباقي)، فلما ذهبوا إلى قريته لتسليم جثته، تنازع الأبوان على الشهيد، لكن عبد الموجود، وفي مشهد بديع ومؤلم قدمه العلايلي باقتدار، اضطر لإنكار أن الجثة تخص ابنه مصري.

 

المساهمون