عادل إمام سورياً: قوة تأثيرٍ تتراجع لاحقاً

عادل إمام سورياً: قوة تأثيرٍ تتراجع لاحقاً

27 مارس 2024
عادل إمام: سلام يا صاحبي (محمد عمر/EPA)
+ الخط -
اظهر الملخص
- عادل إمام، الذي بدأ مسيرته بأدوار ثانوية، أصبح نجم الكوميديا الأول في العالم العربي بعد نجاح مسرحية "مدرسة المشاغبين" و"شاهد ماشفش حاجة"، مؤسساً بذلك عرشه في عالم الكوميديا.
- في السينما، قدم عادل إمام أفلاماً تناولت قضايا اجتماعية مهمة مثل "احنا بتوع الأتوبيس"، لكنه لم يحظ بنفس الاستقبال الحار ككوميديان، مما جعله يُصنف كنجم عام.
- رغم التحولات الثقافية والاجتماعية، بقي عادل إمام علامة فاخرة في الثقافة الشعبية العربية، مع تراجع القهقهة مع الزمن، لكنه يظل رمزاً للكوميديا والفن الراقي.

لم يكن عادل إمام اسماً مغموراً عند السوريين قبل عام 1975 (المسرحية أنتجت عام 1971). فالممثل الشاب كان معروفاً في الأدوار الثانية، وربما الثالثة، مسرحياً وسينمائياً، منذ أواخر ستينيات القرن المنصرم، واستمرّ حضوره على الشاشتين، الكبيرة والصغيرة، إلى ما بعد فورة التلفزة الفضائية، بناء على النجاح الصارخ في مسرحية "مدرسة المشاغبين"، التي شوهدت عبر التلفزيون، والتي تقاسم الأداء الكوميدي فيها مع سعيد صالح ويونس شلبي، فصعق الجمهور بالإمكانيات المفتوحة للكوميديا على المسرح تحديداً، رغم حضوره السابق في مسرحيات عبد المنعم مدبولي وفؤاد المهندس وغيرهما، منذ بداية ستينيات القرن نفسه، وكان التلفزيون الوسيط الوحيد لإعلان ظهوره على المسرح أمام الجمهور السوري.

في السينما (بمعنى المُشاهدة في الصالة)، بين الستينيات وأواخر السبعينيات، كان له حضور محبَّب وطريف في دور "السنّيد"، في معظم أفلام تلك المرحلة. هذا جعل حضوره في بطولة "مدرسة المشاغبين" (1975)، لجلال الشرقاوي، مُحبّباً، كقصة نجاح باهرة يعشقها الجمهور. فالشاب الموهوب، الذي كان يرصّع الأفلام والمسرحيات بحضوره الكوميدي الخفيف، أصبح الآن علامة الكوميديا الجديدة وبطلها، التي تلامس واقع الطبقة الوسطى وهمومها، تلك الطبقة الآيلة إلى الانحدار.

لكنْ، قبل التعريج على السينما والأفلام التي من بطولته المطلقة، نتوقّف عند مسرحيته التالية، "شاهد ماشفش حاجة" (1976) لهاني مطاوع، التي تُعتبر من أكمل المسرحيات العربية، من الناحية الدرامية في نوعها، إذْ قام ببطولتها وحيداً كـ"كوميديان"، ونجح في إطلاق خبرته وموهبته في عمل فني واحد، يركّز على شخصية واحدة ومآلاتها، في خضمّ العيش في الدنيا. في هذه المسرحية، تجاوز إمام ما فعله في "مدرسة المشاغبين"، من حيث قابليّته لتقديم كوميديا شعبية راقية، خارج مطبّات الإسفاف التي وقعت فيها المسرحية السابقة عليها، حسب رأي النقّاد المحليين، والتي لم يُلقِ لها الجمهور بالاً أمام كمية الإضحاك التي طرحها، فأصبحت، إلى يومنا هذا، من فولكلوريات الفرجة. فالمسرحيتان لا تزالان تعرضان على الشاشات التلفزيونية، ويستقبلها المشاهدون السوريون بالبسمة، وربما القهقهة، نفسها، نظراً إلى مكانتها المسبقة في الثقافة الشعبية. كما أنّ جُملاً وحوارات كثيرة، يُمكن تسميتها بـ"قفشات"، مرتجلة ومنصوص عليها، لا تزال تتكرّر على ألسنة السوريين كمحطّات كلام، أو كأمثال شعبية يُستعان بها لإكمال حوار أو حديث (وهذا يتشارك مع زياد الرحباني).

سينما ودراما
التحديثات الحية

في هذا ما يدلّ على قوة التأثير في الجوّ الثقافي العام للناس، إذْ أصبحت هذه الجُمل والحوارات جزءاً من اللغة العامية، كـ"متعوِّدة دايماً" و"اللحم الأبيض المتوسط"، وغيرهما.

في السينما، مع تحوّل عروضها إلى التلفزيون، لم يلقَ عادل إمام الاستقبال الحارّ نفسه كـ"كوميديان" فائق الإضحاك. فأدوار السينما مختلفة تماماً من حيث الانتقاء، إذْ اختار إمام البطل (الواد الحبّيب) ليكون بديلاً عن أباصيري الـ"مدرسة"، ولكن ليس سرحان عبد البصير في "الشاهد الذي لم ير شيئاً". فهو دَمَج بينهما، محاولاً إظهار مقدرة الـ"فهلوة" والذكاء الفطري عند المواطن العادي. ورغم عدد غير قليل من هذه الأفلام، فيه محتوى مهم، كـ"احنا بتوع الأتوبيس" (1979) لحسين كمال، و"الحريف" (1983) لمحمد خان، و"مسجّل خطر" (1991) لسمير سيف، و"عمارة يعقوبيان" (2007) لمروان حامد، وغيرها. إلا أنّ الافتقاد إلى كمية الإضحاك المتوقّعة جعله، بين الجمهور السوري، ممثلاً نجماً عاماً، كزملائه الفنانين النجوم، أمثال حسين فهمي ومحمود عبد العزيز. هذا قلّل الاحتفاء به، رغم تكريسه واستمرار حضوره الشعبي في أفلامٍ، كـ"الإرهاب والكباب" (1992) و"طيور الظلام" (1995)، والفيلمين لشريف عرفه، و"الأفوكاتو" (1983) لرأفت الميهي، و"بخيت وعديلة" (1995) لنادر جلال، وغيرها.

هذا لا يُمكن تسميته بانخفاض الشعبية، بل تأثير المتغيّرات الاجتماعية على تلقّي الفن عموماً. فحَصر المُشاهدة السينمائية بالبثّ التلفزيوني والفيديو يحوّلها (المُشاهدة) إلى سلعة منزلية غير ضرورية، وكذلك الهجمات الانتقادية ذات المنشأ الاجتماعي ("السينما النظيفة" مثلاً) على الفن والفنان، التي أدّت إلى انحسار شعبية الفنّ لا عادل إمام وحده. فمُشاهدة الفن منزلياً تُفقده الانفعال والمشاركة العامّين، كما تُفقده النقد، أي العملية الأساسية لسبر قيمة العمل الفني، وتأثير استهلاكه.

في الفجوة بين مسرح عادل إمام وأفلامه، حضر الفنان في مسلسلات سنوية، بحسب الموسم الرمضاني لنشاط الدراما التلفزيونية، لاقت متابعة واسعة من الجمهور السوري، من دون أنْ تترك أثراً نقدياً أو شعبياً، على غرار مسرحياته، باستثناء "المدرسة" و"الشاهد"، رغم نِسب المُشاهدة العالية لهذه المسلسلات. ازدحام الشاشات التلفزيونية الرمضانية أتخم المُشاهد بالمسلسلات، حتى بات يصعب التفريق بينها. والانتقال بين مسلسل وآخر لم يعد يعني شيئاً كثيراً. مرة أخرى، نرى إمام يدخل في التصنيفات العمومية، رغم تميّز اسمه ونجوميته. إلا أنّ وقائع الدراما التلفزيونية وأولوياتها لا تخضع، دائماً، للمقاييس المسبقة، خاصة مع تجربة المُشاهدة المجانية، وتراكض المحطات للاستحواذ على المُشاهد، وحقنه بالإعلانات.

منذ مسلسل "أحلام الفتى الطائر" (1978) لمحمد فاضل، لم يجر تداول مسلسلات عادل إمام على مستويات خصوصية من النجاح والإبهار الشعبيّين. إنّها، فقط، مسلسلات مسلّية لا غير، لا صدى لها في الحوارات الاجتماعية، أو تقليد في أعمال أخرى. لعلّ في ذلك فصلاً تفضيلياً بين صاحب "مدرسة المشاغبين" و"شاهد ما شفش حاجة" عند المتابعين، إذْ لم يعد ذلك المُشاغب الظريف، بل ربما السنّيد في دور البطل.

مع هذا، بقي عادل إمام علامة فاخرة للفن المصري عند الجمهور السوري. كأنّه علامة جودة تجذب إليها المُشاهدين، بغضّ النظر عن قيمة العمل الفني ومستواه. لكنّ إمكانية القهقهة تلاشت، ولم يعد يُقهقه أحد.

المساهمون