شهادة فانغ فانغ... يوميات كورونا كما لا تريدها الصين

09 اغسطس 2022
اعتُبرت الكتابة عن تقصير السلطات جرماً (غوانغ نيو/Getty)
+ الخط -

في رسالة من مدينة ووهان الصينية، نشرت صحيفة لوموند ديبلوماتيك الشهرية الفرنسية، على صفحتها الأولى لعدد شهر أغسطس/آب من العام 2022، مقالاً للكاتبة والروائية الصينية فانغ فانغ (اسمها الأصلي وانغ فنغ) بعنوان "ما غيرته الجائحة هم الناس". رسالة من تحت الماء، بينما تُمارس السلطات في الصين عليها قمعاً يبدأ من الإعلام ولا ينتهي عند حدود المراقبة والحدّ من حركتها في البلاد. 
هذه الجائحة التي فتحت أبواب الموت وتركت البشرية في حالة من التشتّت والضياع غير المسبوقين، حوّلت بدورها حياة هذه الكاتبة جحيماً. تقول الصحيفة في تقديمها نصَّ فانغ إن الكاتبة التي "كانت محطّ احتفاء، صارت اليوم شخصاً غير مرغوب فيه في بلده الأمّ". 
مقال فانغ جاء شهادةً واستعادةً لفترة الحجر في مدينة ووهان الصينية، حيث قطنت ولا تزال. تلك المدينة التي أطفأت أضواءها وكانت الأولى في إغلاقها الأبواب على القاطنين فيها، صارت سبباً في تحوّل كبير وصارم في حياة فانغ. من فيروس كورونا والحجر، إلى رواد الإنترنت، وصولاً إلى السلطات الصينية، خليطٌ من أشياء وأحداث جعلوا منها هدفاً بعد كتابتها ونشرها خلال فترة الحجر عن هذه المرحلة. عبر الإنترنت، اتُّهمت بالخيانة وهُددت بالقتل بسبب "خدمتها الغرب". بينما منعت عنها السلطات الصينية أي مساحة للتعبير أو للردّ على الشائعات وتوضيح ما حصل. حجبٌ تام لاسمها في الصين منذ ترجمة تدويناتها، إلى درجة صار اسمها ممنوعاً من التداول في الإعلام، كما تصف هي في مقالها الأخير المُترجم من اللغة الصينية إلى الفرنسية. كيف حصل كل هذا؟ ولماذا؟ في المقال، تسرد فانغ تفاصيل هذا التحول في حياتها بعد جائحة كورونا، ومعها تمرّ على حيوات الكثيرين في المدينة. تستعيد ما حصل منذ بداية الحجر إلى ما بعد كورونا. كما تحكي عن أهمية الكتابة ودورها في استعادة التفاصيل بعد حين، كيفيّة عبور الوقت وانسيابه وقدرته الهائلة على محو كلّ ما قد يُصادفه في الطريق. كما تأخذ مساحةً كبيرة للكلام عن القمع والحريات المفقودة تباعاً، على الرغم من القمع الذي يحكم حياتها على حدّ قولها. 

في اليوم الثالث من بداية الإغلاق، بدأت فعليّاً الكتابة والنشر عبر الإنترنت

في شهر يناير/كانون الثاني من عام 2020، وجدت الكاتبة نفسها في قلب العاصفة، أي داخل حجر صحيّ مع ملايين من سكان مدينة ووهان الصينية، المدينة التي بدأ منها تفشّي وباء كورونا. خيّم الموت وامتلأت المستشفيات واستولى الخوف على الناس، كما وصفت فانغ بدايات هذه اللحظة الاستثنائية من تاريخ مدينتها. هذا التحوّل الطارئ والمخيف في حياة الناس، دفع مجلة صينية إلى الطلب من فانغ التدوين عن "يوميات الحجر". في اليوم الثالث من بداية الإغلاق، بدأت فعليّاً الكتابة والنشر عبر الإنترنت، عبر موقع "ويبو". لم تتوقّع أن يمتدّ الحجر طويلاً ولا أن يجتاح الوباء العالم، لهذا كتبت نصوصاً قصيرة لم تُكلّف نفسها "عناء العمل على بنيتها أو الاعتناء بأسلوب كتابتها". كانت بالنسبة لها "مادّة أولى"، ستعود إليها حتماً في وقت لاحق. في 8 إبريل/نيسان من عام 2020، رفعت السلطات الصينية الحجر عن المدينة، وفي اليوم نفسه صدرت ترجمة يوميات فانغ خلال فترة الحجر إلى اللغتين الإنكليزية (دار هاربر كولينز) والألمانية (دار هوفمان أوند كامب). نزل الخبر كالصاعقة في الصين، وتحديداً عبر الإنترنت. كان الأمر صادماً ومثيراً للريبة بالنسبة لكثيرين. لماذا جرت الترجمة بهذه السرعة؟ اذاً لا يُمكن أن يكون فعل الكتابة قد تمّ إلا "بتحريض من الولايات المتحدة". ولكن ماذا تضمّنت هذه الكتابات؟ 
تمرّ فانغ في مقالها سريعاً على مضمون تدويناتها، التي لاقت هذا الكمّ من ردود الفعل الغاضبة في الصين. تقول إنها كتبت عن الحياة اليومية لسكان مدينة ووهان خلال الحجر، وانتقدت السلطات الصينية لإخفائها الحقيقة وتأخّرها في التعامل مع الجائحة. نقدها للمسؤولين الصينيين وللسلطات الصينية "كان نابعاً من تعاطفي مع أولئك الذين قتلهم الفيروس، وأيضاً لدعوة المسؤولين إلى تحمّل مسؤولياتهم". ولكن المشكلة برأيها بدأت مع ترجمة هذه التدوينات، لأنّها "جعلت الواقع جليّاً خارج حدود الصين". تحكي الكاتبة عن قمع السلطات الصينية لها، عبر منعها إلى اليوم من نشر أيّ من أعمالها في الصين، كما تمنعها من المشاركة في أي مناسبة أدبية أو أية مناسبات أخرى ذات منفعة عامة. ولا ينحصر الأمر بحجب اسمها أو ظهورها في الاعلام الصيني، بل بات ممنوعاً على الباحثين الجامعيين إجراء أي عمل أكاديمي حول أعمال الكاتبة المنشورة في الصين، والحائزة على جوائز أدبية. 

تُضيف فانغ أن حتى محاولات الإعلام البديل تقديم مساحة لها للتعبير عن نفسها باءت بالفشل، اذ سرعان ما يُحجب المقال أو موقع المنصة الإعلامية كاملاً. كما تشير إلى تلقيها اتصالات من مسؤولين رسميين رفيعي المستوى، لتذكيرها بأنه ممنوع عليها إجراء أي لقاء مع وسائل إعلامية أجنبية. تصف فانغ هذا القمع المُمارس عليها من قبل السلطات بـ"عنف الدولة البارد". 
ربما يفتح هذا المقال الباب للبحث والتمحيص في الأثر المتروك على الإنترنت خلال الجائحة. ما الذي دوّناه؟ وأية تفاصيل سنستعيد بعد سنوات؟ ما أهمية أو حساسية هذه الكتابات؟ وما هو مقدار نقلها الحظةَ الاستثنائيةَ تلك؟ ولكنه أيضاً، يفتح الباب لمواجهة مباشرة مع السلطات الصينية، تجرّأت عليها الكاتبة على الرغم من التحذيرات المتكرّرة لها من خوضها. تعبث فانغ مع القمع، بجرأة ووضوح، تماماً كما نيّتها الأصل خلال كتابة يوميات الحجر من مدينة ووهان الصينية. 

المساهمون