سماح مصطفى... الفلكلور الفلسطيني بـ"البناء الحي"

سماح مصطفى... الفلكلور الفلسطيني بـ"البناء الحي"

31 مايو 2023
سماح مصطفى خلال حفلها في رام الله (العربي الجديد)
+ الخط -

لم تكن سماح مصطفى الفنانة الأولى التي تستعيد في غنائها التراث الفلسطيني بتنويعاته وثرائه، لكن الأكيد أنها قدّمت جديداً على مستوى النبش، والتطوير لجهة الأسلوب والأداء والتقديم، وهو ما انعكس جليّاً في عرضها الغنائي الأخير في قاعة مؤسسة عبد المحسن القطان في مدينة رام الله. قدّمت مصطفى عرضاً بطريقة "البناء الحي" (Live Looping)، قد يكون الأول من نوعه في فلسطين. ويقوم العرض على بناء الأغنية صوتاً فوق صوت حتى تخرج مكتملة، بحيث يتابع الجمهور المتلقي عملية ولادتها، وقبل ذلك مراحل تكوينها، ما جعل من العرض تجربة خاصة ليس فقط لمقدمته، بل لكل فرد من الحضور.
واشتمل العرض على أغنيات من ألبومها الأول "بلّور" (2021) إلى جانب بعض الأعمال الفلكلورية المُجّددة والمُعادٌ توزيعها، بالإضافة إلى لوحات موسيقية خالية من الكلام معتمدة على الصوت كأداة تعبيرية، بالاتكاء على "اللوبر" وهو آلة موسيقية رقمية تستخدم في التسجيلات الصوتية لآلات موسيقية، أو مقاطع صوتية مسجلة، أو يتم بناؤها خلال العرض، إضافة إلى اللابتوب، وآلات إيقاعية إلكترونية، وبطبيعة الحال مايكروفون لتقديم الأصوات الحيّة.
وبعدما قدّمت مقطوعة "حُلم"، ذهبت سماح إلى "تابو"، وهي مقطوعة موسيقية اعتمدت كما سابقتها الصوت لا الغناء، في محاولة هذه المرّة لاقتحام عوالم مسكوت عنها مُجتمعياً، بوعي الفنانة والمُعالجة الموسيقية المتملكة لأدواتها تماماً.
وبهذا الأسلوب الخاص كانت أغنية "بنت العرب"، وهي عن كلمات فتحية الخطيب، من وحي التراث الموسيقي الفلسطيني، خاصة في قريتها كفركنا والمناطق المحيطة بها في الجليل المحتل منذ عام 1948، ويقول مطلعها: "وإحنا بنات العرب احنا من الوطن طلّينا ما نِلبس إلّا الحرير فخر لأهلينا"، وهي تعبّر كما أشارت صاحبتها عن النساء في فلسطين والمنطقة، تفكيراً وإحساساً، وهو ما انعكس غناءً وأداءً وموسيقى إضافة إلى الكلمات.
ومن أغنيات ألبوم "بلّور" التي تقدمها للمرّة الأولى في رام الله، بسبب تداعيات فيروس كورونا عند إصداره، حضرت أغنية "من جوّا صوت"، التي وصفتها صاحبتها بالعزيزة عليها. ومن التراث الموسيقي الفلسطيني مصطفى أغنيات من قبيل: "ليّا وليّا"، وهي من الأغنيات التي تحمل الكثير من النوستالجيا خصوصاً للمهجرّين من ديارهم في الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة. كما أدّت أغنية "لا تطلعي"، وهي من الأغنيات التي ترافقها في كل حفلاتها، وهي أغنية راجت بصوت أكثر من مغنية قبلها.
ومن التراث "الكنّاوي" نسبة لقريتها، أبدعت في أدائها لأغنية "قزّيت لك محرمة"، وكانت تسمعها وهي صغيرة في أعراس القرية، وحين كبرت علمت أنها تعني "أرسلت لك منديلاً"، وهي أغنية على لسان شاب لمحبوبته.

وكشفت سماح مصطفى لـ"العربي الجديد" أنها، وقبل إطلاق هذا النمط من الغناء الذي يزاوج بين التراث الموسيقي والغنائي الفلسطيني وبين نمط موسيقي حديث بل وإلكتروني رقمي، استمزجت آراء أسرتها والمحيطين بها بعروض منزلية، مستذكرة أنها آثارت انقساماً ذات مرّة حين قدّمت "الروزانا" بطريقة مغايرة للتي اعتاد الناس على سماعها، لكن مع الوقت بدأ الجمهور يتقبل هذا النمط، خاصة أنها تحافظ على روح الأغنية الأصلية، وتعمل على تجديدها على مستوى التوزيع الموسيقي، واللحن، مع تغيير متفاوت في الكلمات. وأشارت الفنانة الفلسطينية إلى أن ما تقدمه كفيل بأن يمد جسوراً بين الأغنية الفلكلورية الفلسطينية وجيل الشباب، مشيرة إلى أن التراث الموسيقي في فلسطين والمنطقة ذو قيمة عالية ولا يجب أن يندثر، بل لا بد أن يكون له الحيّز الذي يستحق في فلسطين والمنطقة العربية، بل والعالم، ولربما هذا يتأتى عبر بوابة التجديد في الموسيقى والكلمات وطريقة الأداء أيضاً.

المساهمون