ستالمان... مبرمج غضب من طابعة فغيّر العالم

ستالمان... مبرمج غضب من طابعة فغيّر العالم

04 أكتوبر 2023
ريتشارد إم ستالمان مبرمج غيّر العالم (فرانسوا غيلو/Getty)
+ الخط -

تحتفل مؤسسة البرمجيات الحرة، اليوم الأربعاء 4 أكتوبر/تشرين الأول، بالذكرى الـ38 لتأسيسها عام 1985 على يد المبرمج الثوري الأميركي، ريتشارد إم ستالمان. ومن دون ستالمان، الذي أشرف على ما يسمى برخصة GPL، لم تكن لتظهر برمجيات حرة أو برمجيات مفتوحة المصدر.

ويكاد يكون من المستحيل أن نتخيل الحياة الحديثة من دون أعمال ستالمان، فتقريباً كل استخدامات جهاز الكمبيوتر اليوم، من الإنترنت إلى الخدمات السحابية مروراً بالألعاب، تدين لرخصة GNU التي دعمتها مؤسسة البرمجيات الحرة. 

تكنولوجيا العالم بدأت بخطأ طابعة

قد لا يعلم الجميع أن كل التكنولوجيا التي نستخدمها اليوم تقريباً هي موجودة بسبب خطأ في استخدام طابعة. وفي أوائل الثمانينيات، واجه مبرمج في مختبر الذكاء الاصطناعي بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، يُدعى ريتشارد إم. ستالمان، مشكلة مع طابعة. كان يريد تعديل برنامجها لإخطار المستخدمين باختناقاتها المتكررة. لكنه لم يتمكن من الوصول إلى الكود المصدري لإجراء هذه التغييرات. لهذا قرّر أن كود البرنامج يجب أن يكون "حراً".

كذلك كان ستالمان منزعجاً لأنه، في العام 1982، اشترى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا جهاز كمبيوتر مزوداً بنظام مشاركة الوقت غير المجاني بدلاً من نظام مشاركة الوقت غير المتوافق المجاني.

وأراد ستالمان أن تكون للمستخدمين الحرية في استخدام البرامج وتعديلها وتوزيعها. بحلول عام 1983، تبلورت هذه الرؤية إلى مهمة: إنشاء نظام تشغيل مجاني يشبه "يونكس"، التابع لشركة الاتصالات AT&T الأميركية. 

وهكذا وُلدت كلمة GNU، وهي اختصار لـGNU's Not Unix (GNU ليس "يونكس")، يشرح موقع زي دي نت التقني. 

تكنولوجيا
التحديثات الحية

GNU... عدو الاحتكار الذي لم يكتمل يوماً

كتب ستالمان في ذلك الوقت: "بدءاً من عيد الشكر هذا، سأكتب نظاماً برمجياً كاملاً متوافقاً مع (يونكس) يسمى GNU، وسأمنحه مجاناً لكل من يمكنه استخدامه"، والتمس مساهمات بالوقت والمال والبرامج والمعدّات.

لكن حلمه بكتابة نظام تشغيل لم يتحقق أبداً. مشروع نواة نظام التشغيل لا يزال غير مكتمل. ولكن، بإلهام من فكرته بأن البرمجيات الاحتكارية معادية للمجتمع، وغير أخلاقية، وخاطئة، بدأ هو وآخرون في بناء عائلة برمجيات GNU، ومنها ستنبثق برامج أخرى.

لحظة ولادة البرامج مفتوحة المصدر

لم يكن ستالمان صادقاً في بعض الأحيان بشأن عمله. ادعى أنه مخترع محرر EMACS، لكن يعود الفضل في EMACS إلى ديفيد إيه مون وغاي إل ستيل جونيور. أعاد ستالمان كتابة الكود المخالف بعد دعوى قضائية، لكن هذه الأزمة جعلته يحقّق أعظم إنجازاته: رخصة GNU العامة GPL.

أدرك ستالمان أنه بموجب القواعد غير الرسمية لمجتمع EMACS، المعروف أيضاً باسم EMACS Commune، لم يتمكن من التحكم حتى في نسخته الخاصة من EMACS.

وقرّر ستالمان وزملاؤه أنه يمكن للمستخدمين تغيير كود GNU EMACS طالما أنهم نشروا تعديلاتهم، كما أن أعمالهم "المشتقة" سيكون لها نفس ترخيص GNU EMACS. هذه كانت الخطوات الأولى نحو رخصة GPL.

كانت الفكرة الجذرية المتمثلة في أن الناس أحرار في تغيير التعليمات البرمجية، طالما أنهم شاركوها كـ"برمجيات حرة" هي أساس المصادر المفتوحة.

لكن كأثر جانبي غير متوقع لدعوى احتكار ضد شركة IBM في العام 1969، توقفت أجهزة الكمبيوتر الكبيرة والصغيرة عن تجميع البرامج المجانية، وشرعت في بيع أنظمة التشغيل والبرامج الخاصة.

وبحلول أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، أصبحت البرمجيات الاحتكارية هي الوضع الطبيعي الجديد.

"الحريات الأربع" ومعركة الملكية الفكرية

بمساعدة أفكار محاميَي الملكية الفكرية مارك فيشر وجيري كوهن، ومطور البرمجيات الحرة جون جيلمور، أنشأ ستالمان الإصدار الأول من GPL، المصنوع من مزيج من إشعار حقوق الطبع والنشر ورخصة GNU العامة. 

استندت الرخصة إلى حرياتٍ أربع أساسية لجميع البرمجيات الحرة والتراخيص مفتوحة المصدر: 

  1. حرية تشغيل البرنامج كما يحلو لك ولأي غرض.
  2. حرية دراسة كيفية عمل البرنامج وتغييره حتى يقوم بالحوسبة كما يحلو لك. يعد الوصول إلى الكود المصدري شرطاً مسبقاً لذلك.
  3. حرية إعادة توزيع النسخ حتى تتمكن من مساعدة الآخرين.
  4. حرية توزيع نسخ من نسختك المعدلة على الآخرين.

ولادة مؤسسة البرمجيات الحرة

أنشأ ستالمان مؤسسة البرمجيات الحرة عام 1985، وهي مؤسسة غير ربحية تأسّست عام 1985 من أجل الترويج للبرمجيات مفتوحة المصدر، ويقع مقرها الرئيسي في بوسطن الأميركية. 

وكان التركيز الأولي للمؤسسة على دعم مشروع GNU. فمنذ منتصف التسعينيات، استخدمت المؤسسة مواردها لدعم تطوير البرمجيات الحرة وتطوير رخصة GNU العامة، تشرح موسوعة بريتانيكا.  

تكنولوجيا
التحديثات الحية

وكان الحدث الهام التالي هو تطوير مترجم GNU C عام 1987. والمترجم هو برنامج حاسوبي يحول التعليمات المكتوبة إلى أوامر يفهمها الحاسوب وينفذها.

ولم يكن مترجم GNU مجانياً فحسب، بل تفوق أيضاً على مترجمات معاصرة، مما أكسبه اعتماداً سريعاً وساهم في زخم المشروع.

من "يونكس" إلى "لينوكس"

سوف تتطور رخصة GPL على مر السنين وتزداد أهميتها. ربما إصدار GPLv2 هو الأكثر أهمية لأنه ترخيص "لينوكس"، نظام التشغيل مفتوح المصدر الشهير. وفي بداية عام 1991 تقريباً، بدأ لينوس تورفالدس، وهو طالب فنلندي في علوم الكمبيوتر، برنامجه مفتوح المصدر لتطوير نواة شبيهة بنظام "يونكس"، أطلق عليه في النهاية اسم "لينوكس".

وانطلق Linux 1.0 عام 1994، إلى جانب أدوات مساعدة من مشروع GNU كان لدى تورفالدس حق الوصول إليها، فوُلد نظام تشغيل جديد، يُعرف باسم GNU/Linux أو "لينوكس" فقط. 

وحتى لو لم ينجح ستالمان في بناء نظامه الخاص، فقد ساهم في بناء "لينوكس"، والمطورون يعترفون بأن GNU وستالمان قد غيّرا العالم، وآثار غضبته من الطابعة نراها في تكنولوجيانا كل يوم. 

المساهمون