رسامو الكاريكاتير في العراق... الخطر في كل مكان

رسامو الكاريكاتير في العراق... الخطر في كل مكان

06 يونيو 2022
يواجه الرسامون تهديدات مختلفة (صباح أرار/فرانس برس)
+ الخط -

يعتبر الكاريكاتير واحداً من أشهر الأساليب المعتمدة حول العالم لتوجيه رسائل سياسية واجتماعية بطريقة غير مباشرة. لكنّ التاريخ مليء بالأحداث العنيفة والجرائم التي طاولت هؤلاء بسبب رسوماتهم. في العراق لا يختلف الوضع كثيراً، إذ يغرق الرسامون في دوامة لا متناهية من المشكلات، وتفاقمت الأزمة بالتزامن مع تعمّق الخلافات السياسية وتدهور الوضع الأمني في البلاد خلال العقدين الأخيرين.
بدأ فن الكاريكاتير في العراق مع جريدة حبزبوز الفكاهية عام 1931، وهو العام الذي بدأت فيه الصحافة الهزلية في البلاد.

يشرح الرسام خضير الحميري (67 عاماً) لـ"العربي الجديد" أنّ رسم الكاريكاتير في العراق والمنطقة العربية عموماً "محفوف بالمحاذير والمطبات، وكلما كان الرسم انتقادياً متعمقاً بالمِحَن التي يعيشها المواطن سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، كانت المحاذير أشد والمطبات أكثر وعورة، خصوصاً إذا كانت منصة الرسام للنشر الورقي أو الإلكتروني رسمية أو حزبية، لأنّه في هذه الحالة سيكون مجبراً على التناغم مع الموقف الحزبي أو الرسمي، مما يعرض رأيه واستقلاليته للخطر، ولكلّ قاعدة استثناءات محدودة". ويتابع: "يمر رسام الكاريكاتير العراقي حالياً وسط عاصفة من التجاذبات السياسية نتجت عن تعقيدات الوضع السياسي الشاذ، ما يتطلب من الرسام المستقل التدقيق في ما يرسم لكي يتجنب مهاوي الانحياز والإغراء ويخرج بفكرته الكاريكاتيرية خالصة من أدران الأهواء الطارئة".
ويسلّط الرسام العراقي الضوء على شحّ المنصات المناسبة لنشر الرسوم خارج الاصطفافات الحزبية، و"لذلك نشاهد توجه أغلب الرسامين إلى منصات التواصل للتعبير عن مواقفهم، مغادرين لأول مرة البيت الحقيقي الذي نشأ وترعرع فيه فن الكاريكاتير على مر التاريخ وهو الصحافة الورقية".

شحّ المنصات المناسبة لنشر الرسوم خارج الاصطفافات الحزبية

ويشير الحميري إلى أنّ "الصحف الورقية باتت المحدودة وتعتمد على عدد أقل من رسوم الكاريكاتير التي عادة ما تتم تنقيتها من المضامين الخطرة، أو تميل إلى استعارة ما تنشره نقلاً عن مواقع التواصل مجاناً، من دون أن تضطر لتشغيل رسام خاص بالصحيفة كما هو متعارف عليه، ولهذا التوجه بعض النتائج الملموسة سلباً وإيجاباً. فمن الأوجه الإيجابية للنشر في هذه المواقع أنّ الرسام يجد نفسه يرسم بحرية ومن دون رقيب، ويتلقى ردود فعل الجمهور المخاطب بشكل مباشر، ومن الأوجه السلبية أنّه اكتفى بالتشجيع المعنوي مفتقداً للدعم المادي الذي تفتقر إليه أغلب هذه المواقع".
ونتيجة لهذا الوضع المتشابك والمعقد عرف العراق هجراً جماعياً لهذا الفن حيث توقف عشرات الرسامين المعروفين عن النشر، بينما توجه عدد من الرسامين الشباب إلى قطاعات أخرى تضمن لهم العيش بعيداً عن منغصات الرسم الكاريكاتيري الانتقادي.

في هذا الإطار يقول الصحافي مهند النعيمي إنّ رسوم الكاريكاتير تُشكل حالة قلق لدى الجهات أو الهيئات التي تستهدفها، "كونها تقدّم فكرة بسيطة لكنها عميقة في خطوطها وملامحها وتعبيراتها، ربما يأتي هذا التأثير متوافقاً مع طبيعة الصحافة الساخرة. في العراق كانت هناك خطوط حمراء قبل 2003 يعرفها جيداً رسام الكاريكاتير ويحاول ألا يتجاوزها، لكن يخرج أحياناً عن سيطرة حارس البوابة، ويقع تحت طائلة المساءلة أو يفلت منها؛ لكن بعد الاحتلال الأميركي للعراق، أصبحت مدارات الخطوط الحمر أوسع، ولربما يقتل رسام الكاريكاتير نتيجة تفسيرات خاطئة لمدلولات ما رسمه، أو وقع شبه غير مقصود لشخصية محاطة بهالة لا يمكن المساس بها". ويضيف: "الأغرب من ذلك أن الرسام قد يتورط بهجمات تشنها جيوش إلكترونية عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي يقع فريسة لحملة شعواء، فيحاول أن يدافع عن فكرته ويدفع عنها هواجس المهاجمين، غير أن ظرفية المرحلة قد لا تسعفه لإظهار وجهة نظره فيسقط قتيلاً قبل أن يدلي بإفادته، وتسجل القضية ضد مجهول، فيما تستمر حملة التوبيخ التي تخرجه من الملة، وتضعه في خانة الخيانة والتآمر".
أما الصحافي علي العبيدي فيرى أنّ رسامي الكاريكاتير يواجهون مخاطر مماثلة لما يواجهه الكُتّاب أو أكثر، مضيفاً أنّ "إقدام أي رسام على انتقاد حزب أو حالة ما، سيوقعه في مشكلة كبيرة. قبل سنوات جرى تهديد رسام كاريكاتير وهرب إلى أربيل مع أسرته لرسمه لوحة معبرة عن نفوذ وسطوة بعض رجال الدين في المجتمع العراقي". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ الرسمة الواحدة تبقى أكثر تأثيراً من المقال، وهي أسرع في التداول على مختلف المنصات وعادة ما تكون معبرة وموجزة لحالة ما، لذلك "فإنّ هذا اللون من الصحافة، لا يقل خطراً، في وسط غير آمن للصحافيين مثل العراق".

المساهمون