جينات العنف اللبناني بين والدتين

جينات العنف اللبناني بين والدتين

04 ابريل 2014
+ الخط -
ليس العنف في لبنان جرماً يرتكبه المسلّحون فقط. ولا أمراء الحرب بالبدلات الرسمية في مجلس النواب أو الوزراء. ولا قادة المحاور. بل هو الهواية الوحيدة المشتركة بين اللبنانيين كلّهم.
في اليومين الفائتين عنف واحد بين والدتين كان صارخاً في التصريح عن "مصدر" العنف وجذوره العائلية في لبنان.
العرض الأوّل كان في بيروت لأحمد، وهو مراهق في الـ15 من عمره هاجم والدته، دنيا، على طاولة برنامج عالأكيد" الذي يقدّمه الزميل زافين قيومجيان. ركلها على وجهها، بقدم غاضبة هي كلّ ما استطاع إيصاله إليها، بعدما اتّهمها بأنّها "مش منيحة". هي التي تطلّقت رفضاً لعنف والده معها، ومنعها الوالد، بعنف، من رؤية أولادها. استنجدت بزافين. وهناك، في الاستديو، هاجمها ابنها بعنف أيضاً.
 
... ربما لو لم يكن محاطاً بضيوف البرنامج والعاملين فيه لقتلها. الابن الذي تستجدي مصالحته. ولا نرى الأب. هو "اليد" الخفية التي ضربت الاثنين، وتركتهما يقتتلان أمام الكاميرات.
من صيدا جنوب لبنان جاءنا خبر آخر عن والدة نسيت طفلها الرضيع، ناصر سعد، في السيّارة لخمس ساعات، فمات اختناقاً. نسيته؟ كيف تنسى والدة طفلها في السيّارة؟ وما هي كمّية الضغوط النفسية والمالية والاجتماعية التي تجثم فوق رأسها وقلبها كي تنسى طفلها؟
الخبر لم يأتِ على ذكر الوالد. فقط أمّ "قتلت" طفلها عن طريق الخطأ. أليس هذا عنفاً أيضاً؟ أن تنسى أمّ طفلها في السيارة؟ كاتب هذه السطور والد ويعرف ماذا يعني أن ينسى أحد الوالدين طفله لساعات. في الأمر عنف واضح، مقصوداً كان أم غير مقصود.
وبين الوالدتين، المعنِّفَة والمعنَّفَة، كان هناك المياومون في مؤسسة كهرباء لبنان، الذين أقرّ مجلس النواب قانون تثبيتهم، وقبلها كانوا قد أقفلوا طرق وسط بيروت وعطّلوا حيوات عشرات آلاف اللبنانيين كي يطالبوا بحقوقهم. وهذا عنف ضدّ المحتجزين في سيّاراتهم.
حتّى المطالبون بحقوقهم يضغطون على السلطة بخنق إخوتهم في سيّاراتهم. وبركل أوقاتهم على طاولات الطريق المفتوحة. تماماً كما فعلت الوالدة الثانية، وكما فعل المراهق بأمّه.
العنف في لبنان ليس سلاحاً. ليس رصاصاً ولا قذائف. وليس مذهبياً بالدّرجة الأولى. العنف هنا عموميّ. يبدأ في العائلة، وأحياناً ينتهي فيها وينهيها.
هو مشهد واحد بعروض مختلفة يبيّن كيف تجري صناعة المهارات العنفية في المنازل وفي المشاهد اليومية، من العاطفية إلى الحقوقية. ويؤكّد أنّ العنف ليس فيروساً يلتقطه الشبّان والرجال اللبنانيون مثل "الإيدز"، من عابري سبيل أو بنقل دم ملوّث. بل هو في الجينات الوراثية، ينتقل ويتربّى "أحسن تربية".
 
 
 

المساهمون