جيم جيفريز واللعب مع "الكبار"

جيم جيفريز واللعب مع "الكبار"

24 فبراير 2023
يلقي ملاحظات بديهية لكن بأسلوب خاص يكسبها كوميديتها (Getty)
+ الخط -
اشتعلت شهرة الكوميديان الأسترالي جيم جيفريز، عام 2014، بسبب النكتة التي تحدث فيها عن السلاح في الولايات المتحدة الأميركية. قال حينها إن الدستور حين كُتب عام 1788 لم تكن هناك أسلحة أوتوماتيكيّة، بل بنادق قديمة لا تقتل 20 شخصاً في أقل من دقيقة. تتابعت بعدها نجاحاته، فقدّم برنامجاً حوارياً ساخراً على "كوميدي سنترال" بين عامي 2017 و2019، وعدداً من العروض الخاصة على منصة نتفليكس، حافظ فيها على أسلوبه الفجّ والمباشر ونكاته البذيئة.
وبدأت "نتفليكس" أخيراً ببث عرض جديد لجيفريز يحمل عنوان High & Dry، ويفتتحه بنكتة عن جائحة كوفيد-19 والكمامات. ولا يعود إلى الموضوع بعدها، في تجاوز للموضوعة التقليدية الخاصة بنكات الوباء التي استنزفت كثيراً من الكوميديين. لكن اللافت أن جيفريز في هذا العرض يتجه أكثر نحو الكوميديا التأملية، إذ يخبرنا مثلاً عن حيوانات الكوالا في أستراليا وكسلها المتعمد وتجاهلها لحرائق الغابات هناك في سبيل استرخائها.
كوميديا التأمل أو المراقبة التي اشتهر بها الأميركي جيري ساينفلد تحتاج إلى حذق قد لا يمتلكه جيفريز، لكنه يعوض عنه بلهجته التي يبرزها والمفارقات التي يلتقطها. ملاحظاته قد تبدو بديهية وأحياناً مبتذلة، لكن أسلوبه في المبالغة هو ما يكسبها كوميديتها.
يحيل جيفريز إلى المشكلات والانتقادات التي تطاول كثيراً من الكوميديين حين يتناولون النكات الخاصة بالأطياف الجندرية التي لا يتردد بالتطرق إليها، في نوع من التضامن معهم ضد حملات الصوابية السياسية التي طاولت مثلاً الأميركي ديفيد شابيل والبريطاني ريكي جيرفيز. هذا "التضامن عبر الكوميديا" يعكس الصراع والجدل في عالم الترفيه في الولايات المتحدة. والأهم أنه محاولة من جيفريز للانضمام إلى "الكبار" والاصطفاف إلى جانبهم.
إشكالية الاستحقاق الهوياتي ومنع فئة من الناس توجيه نكات إلى فئة أخرى محط نكتة جيفريز عن "الصلع"، إذ يناقش كيف لا يهتم أحد بالرجال المصابين بالصلع، بل تطلق النكات أمامهم، وأحياناً يتعرضون إلى السخرية العلنية، في حين أنه حين تخسر امرأة شعرها تمنع حتى الإشارة إلى الأمر. وهنا نفهم الإحالة إلى جادا بينكيت سميث، زوجة ويل سميث التي يكيل لها جيفريز الشتائم، من دون أن يوجه اللوم لها. في النهاية، سميث هو من صفع كريس روك أثناء حفل أوسكار، وليست جادا.
يشير جيفريز إلى زوجته، وكيف أنه لن يلقي النكات التي تمس حياته الشخصية، لنكتشف لاحقاً أنه يقصد حياتها، وليس حياته، ليبدأ سلسلة من النكات البذيئة التي تستعيد أسلوبه التقليدي في الحديث عن العلاقات والمفارقات الحميميّة، ليعود بعدها ويخبرنا كيف يستمع إلى الناس ويتلصص إلى أحاديثهم في بعض الأحيان التي تبدو أقرب إلى النكات التي لا تصدق، مُركّزاً على كوميديا مراقبة الحياة اليوميّة وآلية إنتاج النكات عبرها.
لا يتردد جيفريز في الحديث عن الناشطة السويديّة غريتا تونبرغ التي بلغت من العمر حالياً 19 عاماً، ما يعني إلقاء النكات حولها لم يعد ممنوعاً، وفقاً له. هنا يمكن قراءة موقف الكوميديا نفسه من أنماط الناشطين المختلفة، سواء كنا نتحدث عن المدافعين عن الهويات الجندرية، أو القضايا البيئية، أو غيرهم. أولئك أصحاب التعالي الأخلاقي الذي يفترض أنهم منيعون ضد الانتقاد، والذين وقف بمواجهتهم الكوميديون والأكاديميون، لاستفزاز حساسيتهم المفرطة، لتتحول خشبة الأداء الكوميدي من منصة محميّة بحرية التعبير الفني، إلى مساحة للتقنين وحملات الإلغاء التي ما زالت مستمرة إلى الآن.

المساهمون