جوناثان غليزر... أن تكون يهودياً في هوليوود

جوناثان غليزر... أن تكون يهودياً في هوليوود

11 ابريل 2024
المخرج جوناثان غليزر (رودن إكنروث/ Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- المخرج البريطاني جوناثان غليزر يثير جدلاً بانتقاده الشديد للاحتلال الإسرائيلي أثناء تسلمه جائزة الأوسكار، مما يعرضه لاتهامات بمعاداة السامية ويكشف عن التعصب الديني في هوليوود.
- الحادثة تبرز الضغوط التي يواجهها منتقدو إسرائيل في صناعة الترفيه، حيث يتم استخدام تقنيات الـGaslighting وبلاغة المؤامرة لتقويض مصداقيتهم وتصويرهم كمؤامراتيين.
- دعم 150 فناناً لغليزر يشير إلى وجود معارضة داخلية للسردية الإسرائيلية، مما يسلط الضوء على التحديات الكبيرة للأصوات الناقدة ويثير تساؤلات حول الحرية الفكرية والتعبير في صناعة الترفيه.

فتح المخرج البريطاني، جوناثان غليزر أبواب الجحيم على مصاريعها أثناء تلقيه جائزة أوسكار لأفضل فيلم أجنبي، إذ ألقى صاحب The Zone of Interest، حينها، كلمة ملخصها توجيه اللوم إلى الاحتلال الإسرائيلي على مصادرة الهولوكوست، وارتكاب جرائم بحق الشعب الفلسطيني. غليزر، اليهودي، وصاحب فيلم عن الهولوكوست، اتُّهم فوراً بمعاداة الساميّة، ووُقّعت عريضة في هوليوود تدين ما قاله، مشيرةً إلى أنه يُدين "اليهود" ظلماً، وغيرها من الاتهامات التي تكشف أن التعصب الديني يتفوق على الحس الإنساني، وتكشف أيضاً أن هوليوود مستعدة لـ"طرد" و"إلغاء" كل من يتوجه بالانتقاد إلى إسرائيل، حتى لو كان يهوديّاً.
الحالة المثيرة للاهتمام المتمثلة بغليزر توقعنا في حيرة، لأن بلاغة نظرية المؤامرة تبدو واضحة عند الحديث عن حلف صهيو-أميركي في هوليوود. ومن ثم نكتشف، هنا أثر ماكينة الدعاية الصهيونية التي حولت أي منتقد، حتى لو كان من صلب الصناعة، إلى مؤامراتي وكاذب، وغيرها من الصفات السلبية التي ينعت بها من "لا يؤخذ كلامهم على محمل الجدّ".
الهجمة التي يتعرض لها جوناثان غليزر تتجاوزه نحو كل من طلب وقف إطلاق النار. الطلب المقترن بإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، والقائم على موقف إنساني بحت، لا حسابات سياسيّة فيه، يشمل طرفين من "الأبرياء"، لكن لا، هناك خوف يهودي دفين ومصادرة لحق يهود كل العالم، إذ عليهم إيضاً تأييد إسرائيل و"عمليتها العسكرية" (ارتكابها لإبادة جماعية)، وهذا بالضبط الإشكالية، كونه يضع الانتماء الديني فوق الوطني.
الإشكالية السابقة يشير إليها الكوميديان جون ستيورات، موضحاً أن يهوديته لا تعني أنه إسرائيلي، بل أميركي أولاً، وهي المفارقة الوطنية التي تجر بها إسرائيل اليهود إلى صفها بناء على نبوءات دينيّة، لا محرقة أوروبيّة. وهنا يبدو موقف غليزر فاضحاً للعمى الأيديولوجي الصهيوني، المستعد لطرد يهودي آخر ومحاربته بسبب موقف إنساني.
وقّع 150 فناناً رسالة تضامن مع جوناثان غليزر تشير بوضوح إلى رفض مصادرة الهولوكوست، و"أمن اليهود على حساب حرية الفلسطينيين". الكلمات هنا شديدة الدقة، فمصادرة الهولوكست لا تعني احتكار المأساة على إسرائيل فحسب، بل تهديد الهولوكوست نفسه وسرديته، القائمة على شهادات الناجين، ومقارنة هذه الشهادات بتلك شديدة الغموض وغير الدقيقة لما حدث في 7 أكتوبر، ومقارنته بالهولوكوست، ما يفتت تماسك سردية الهولوكوست الأوروبيّة، بل يحرّك نسقاً يرتبط أيضاً بالمؤامرة وبلاغتها حول إنكار الهولوكوست.

سينما ودراما
التحديثات الحية

ما تقوم به إسرائيل ببساطة، هو دفع أي معارض لها نحو بلاغة المؤامرة، الأمر الذي اتسع نحو اتهام ناجين وأحفاد ناجين من الهولوكوست نفسها بمعاداة الساميّة. وهذا بالضبط ما يمكن تسميته بـGlobal gaslighting، إذ تحاول إسرائيل أن تقنع "الجميع" أنهم على خطأ وهي الوحيدة على صواب، ما يحرك معاداة الساميّة واليمين المتطرف، ليس لأسباب أيديولوجية فقط، بل نفسية؛ إذ كيف يمكن لأحدهم ألا يستشيط غضباً حين يُدفع إلى إنكار مقتل أكثر من 33 ألف فلسطيني في قطاع غزة، يرى جثثهم كل يوم، وتصديق ناطق باسم الجيش الإسرائيلي؟


بلاغة المؤامرة والـGaslighting كلها تقنيات تضاف إلى البروباغاندا، لكنها ذات تأثير عكسي، كونها تهدد كل الفئات، ليس المتظاهرين في الشارع أو الفنانين  فقط، بل كل من يمتلك قدرة على إطلاق الأحكام كإنسان يرى مقتلة أخيه الإنسان، إذ ظهرت مصطلحات جديدة تكشف عن سياسة إسرائيل، كإبادة المنازل وإبادة المدارس، في محاولة ربما لشرح كل جزء من الجريمة، لكن الأهم، هو اغتيال الشخصية الذي يستهدف جوناثان غليزر وغيره، ومحاولة نزع الشرعيّة عنهم، وتهديد هويتهم يهوداً، وليس أميركيين، كون الولايات المتحدة ما زالت الداعم الأول لإسرائيل. 
اغتيال الشخصية والإرغام على تأييد إسرائيل يترك الفرد أمام خيارين؛ إما التشكيك في قواه العقلية كما في الـGaslighting، أو التسليم الأعمى بالسردية الإسرائيلية، وكلا الخيارين يصادران حق الفرد في التعبير... من دون أن ينجو من الاتهام بأنه مؤمن بنظرية المؤامرة، سواء كانت ضد اليهود أو ضد كل من يمتلك حساً بالإنسانية، كحالة غليزر.
التحولات التي تشهدها هوليوود وإعادة ترتيب الصفوف والانتماءات تهدد صناعة الترفيه نفسها، ليس على المستوى المادي، كون "السوق الإسرائيلية" شديدة الضآلة بالمقارنة مع الأميركية أو العالمية، بل على المستوى العاطفي، إذ كيف مثلاً يمكن أن نضحك الآن على نكات جيري ساينفلد، من دون أن تظهر أمامنا صورته وهو يحمل سلاحاً في أحد مخيمات تدريب الجيش الإسرائيلي؟

المساهمون