تسريب الوثائق عبر "ديسكورد": كيف ولماذا؟

تسريب الوثائق عبر "ديسكورد": كيف ولماذا؟

14 ابريل 2023
قليلاً ما يكشف مستخدمو "ديسكورد" عن أسمائهم الحقيقية (دافيد بونالدو/Getty)
+ الخط -

يتابع العالم اليوم التسريب الأكبر للمعلومات الأميركية السرية عن الحرب في أوكرانيا، منذ بدء الغزو الروسي قبل 14 شهراً. بعض الوثائق المسربة عمرها 6 أسابيع فقط، لكن تداعياتها ضخمة. ويمثل المشتبه به جاك تيشيرا (21 عاماً) أمام القضاء اليوم الجمعة غداة توقيفه، وهو موظف صغير في الحرس الوطني الجوي.

كانت صحيفة واشنطن بوست قد ذكرت، الأربعاء، أن التسريب من فعل شاب يعمل في قاعدة عسكرية. شارك الشاب معلوماته على مجموعة خاصة عبر الإنترنت على شبكة التواصل الاجتماعي ديسكورد. وباسم مستعار هو "أو جاي"، نشر المشتبه به لأشهر وثائق صادرة عن القاعدة العسكرية حيث يعمل. وطلب من الأعضاء الآخرين في مجموعة "ديسكورد" عدم نشر الوثائق وتوسيعها، مؤكداً أنه لا يريد أن يكون مبلّغاً عن المخالفات، كما ذكرت "واشنطن بوست". لكنه انتقد الدولة مندداً بـ"استغلال السلطة"، وكذلك الشرطة والاستخبارات.

في الأول من مارس/آذار الماضي نشرت أولى لقطات الشاشة من هذه الوثائق، وذلك على منصة المراسلة الفورية ديسكورد ذات الشعبية بين ممارسي ألعاب الكمبيوتر. قبل اعتقال جاك تيشيرا الخميس، كشفت "واشنطن بوست"، الأربعاء، أن الشخص الذي سرب الوثائق التي أدت إلى فتح تحقيق يتعلق بالأمن القومي هو شاب صاحب كاريزما في العشرينيات من عمره مولع بالأسلحة النارية، وكان يعمل في قاعدة عسكرية، وذلك نقلاً عن زملائه في مجموعة دردشة على "ديسكورد". هذا الشاب نشر المعلومات السرية داخل مجموعة على "ديسكورد" تضم نحو عشرين رجلاً وفتى بعضهم من روسيا وأوكرانيا، يجمعهم "حبهم للأسلحة والعتاد العسكري والله".

هذا التسريب لا يشبه التسريبات التي أربكت واشنطن خلال السنوات الأخيرة. فالمسرب هذه المرة لم يستعن بفريق من المراسلين لإيصال رسالته، كما فعل إدوارد سنودن حين شارك وثائق سرية للغاية استولى عليها من وكالة الأمن القومي، أو كما فعل موقع ويكيليكس عندما سعى لنشر آلاف الوثائق السرية التي تلقاها من اختصاصي استخباراتي ساخط في الجيش الأميركي في العراق. كما أنه لا يبدو صنيعة خصم أجنبي، مثل اختراق رسائل البريد الإلكتروني الخاصة باللجنة الوطنية الديمقراطية عام 2016، إذ جمعها عملاء روس، ونشروها على شبكة الإنترنت في محاولة- كما خلص المسؤولون الأميركيون- للمساعدة في فوز الجمهوري دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية.

يبدو أن التسريب هذه المرة يتوقف على شخص واحد يتمتع بامتياز الوصول إلى وثائق سرية للغاية، ودائرة داخلية صغيرة من المؤيدين المستعدين لتشريح الوثائق ومشاركتها، وخدمة الدردشة الجماعية ديسكورد التي تضم مستخدمين متحمسين لكنها غير مرئية، إلى حد ما، لبقية الإنترنت.

ويسلط التسريب الضوء على التحدي الذي تواجهه حكومة الولايات المتحدة في حماية الوثائق التي تشاركها مع ما يقرب من 3 ملايين شخص يملكون تصريحات أمنية على مستوى البلاد. يمكن لأي منهم استخدام خدمة مثل ديسكورد بشكل مجهول، ومشاركة الوثائق السرية.

وفي حين حُذر أفراد الجيش الأميركي من تحميل تطبيق تيك توك على هواتفهم، وناقش الكونغرس علانية حظره في البلاد، فإن "ديسكورد" بقيت في منأى عن هذا الحديث، رغم توسعها لتضم حالياً نحو 19 مليون غرفة دردشة يطلق عليها اسم خوادم، و150 مليون مستخدم نشط شهرياً في أنحاء العالم كافة.

تلقي الحادثة الأخيرة أيضاً الضوء على تطور وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يزداد إقبال المستخدمين على المساحات الخاصة التي لا تخضع لإجراءات إشراف مشددة على المحتوى، لا على المنتديات العامة، حيث يمكن لأي شخص، بما في ذلك أجهزة إنفاذ القانون والاستخبارات العسكرية، الاطلاع على منشوراتهم.

صحيح أن "ديسكورد"، ومقرها في سان فرانسيسكو، أكدت تعاونها مع سلطات إنفاذ القانون، وأفادت بأن أعضاء فريق السلامة لديها يمكنهم حظر المستخدمين وإغلاق غرف الدردشة وحتى تنبيه السلطات عند رصد محتوى ينتهك قواعدها. لكن المنصات مثل "ديسكورد" تميل إلى البحث عن صور تتضمن عنفاً أو مشاهد جنسية فقط، وتعتمد على المشرفين على خادم ما، بالإضافة إلى المستخدمين، في الإبلاغ عن المحتوى الذي يمثل تهديداً. هكذا، يمكن للوثائق الأساسية، مثل تلك التي نشرت لأول مرة على "ديسكورد"، أن تتسرب بسهولة، خاصة إذا لم يكن أي شخص مشارك في الدردشة مهتماً بالتبليغ عنها.

غرف الدردشة في "ديسكورد" أكثر فعالية وخصوصية من منصات التواصل الاجتماعي السائدة، ويعتمد الكثير منها نظاماً قائماً على الدعوات، للتحكم في من يمكنه المشاركة. قلة من الأشخاص يستخدمون أسمائهم الحقيقية على "ديسكورد". وفي حين أن بعض الخوادم على "ديسكورد" تضم أعداداً ضخمة من المتابعين، مثل خادمها الأكبر Midjourney الذي يتابعه أكثر من 15 مليون شخص، فإن العديد من الخوادم الأخرى مخصصة لمجموعات أصغر بكثير، تجمعهم اهتمامات محددة ومشتركة.

وفي هذا السياق، شرح منشئ المحتوى الرقمي، علي شحادة-فرحات لـ"العربي الجديد"، أن المسربين يحتاجون أولاً إلى منصة، أياً كانت، لكن التوجه إلى "ديسكورد" قد يكون مرده إلى محدودية التفاصيل الشخصية التي تتطلبها لتسمح لشخص ما بإنشاء حساب، ما يساعده في الحفاظ على هويته مجهولة. كما أن "ديسكورد" ليست مجهولة تماماً، فهي تضم نحو 150 مليون مستخدم، ما يجعلها خياراً معقولاً لنشر وثائق مسربة. وأضاف: "قد يكون اختيار المسرّب وقع على ديسكورد، لأنه أراد أن يترك الوثائق عليها لفترة، قبل أن يعثر عليها شخص آخر وينشرها، وهذا ما حصل في التسريب الأخير".

نشرت الوثائق السرية أولاً على مجموعة "ثاغ شيكر سنترال" Thug Shaker Central التي تضم نحو 20 عضواً فقط. هذه المجموعة نشأت من خادم مختلف على "ديسكورد" مخصص لـ"أوكسيد" Oxide، وهو حساب على "يوتيوب" يضم 173 ألف مشترك. قال صاحب حساب "أوكسيد"، الذي رفض الكشف عن هويته، لـ"واشنطن بوست"، إنه بعدما تخلص من بعض أسوأ المتصيدين في خادمه، انتقل بعضهم إلى الخادم الفرعي الأصغر Thug Shaker Central حيث نشرت الوثائق المسربة لأول مرة. أضاف "أوكسيد" أنه لم يشارك أي وثائق في "ديسكورد"، وأنه لا يعرف من سربها. ومسح الخادم بالكامل في الأيام الأخيرة، بعد أن ربط تقرير من موقع التحقيقات الاستقصائية "بيلينغكات" Bellingcat خادمه بالمسربين.

إريك تولر، من "بيلينغكات"، كان قد أفاد بأنه ليس من الممكن الآن الكشف عن المصدر الأصلي للتسريبات، لكنه رصد ظهورها على "ديسكورد" في أوائل مارس. وفي الرابع من مارس، بعد جدال حول الحرب في أوكرانيا على خادم "ديسكورد" يتردد عليه لاعبو لعبة الكمبيوتر "ماينكرافت" Minecraft، كتب أحد المستخدمين: "هنا، بعض الوثائق المسربة"، قبل أن ينشر 10 من تلك الوثائق.

هذا شكل غير معتاد من أشكال التسريب، لكنه ليس فريداً من نوعه. عام 2019، قبل الانتخابات العامة في بريطانيا، ظهرت وثائق متعلقة بالعلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وبريطانيا على موقعي ريديت و4 تشان، ومواقع أخرى. وزعم موقع ريديت أن الوثائق غير المنقحة نشأت في روسيا. وفي حالة أخرى العام الماضي، نشر لاعبو لعبة "وور ثاندر" War Thunder عبر الإنترنت وثائق عسكرية حساسة بشكل متكرر، في محاولة على ما يبدو لكسب الجدال فيما بينهم.

لكن التسريب الأخير أكثر حساسية. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان-بيير، إن الولايات المتحدة تدرس "تداعيات" التسريب على "الأمن القومي". وأضافت أن البنتاغون قرّر أيضاً فرض مزيد من القيود على الوصول إلى هذا النوع من المعلومات الحساسة. وشددت على أن الحكومة الأميركية تريد من شبكات التواصل الاجتماعي "تجنب تسهيل" توزيع مثل هذه المواد السرية، مؤكدة أنها "تتحمل مسؤولية حيال مستخدميها وحيال الدولة".

المساهمون