برنامج "خاكي": قوة اللون الناعمة

برنامج "خاكي": قوة اللون الناعمة

06 نوفمبر 2020
تعود إلى فترة ما قبل الصورة وتحاول تفكيك المعاناة في ذلك الوقت (يوتيوب)
+ الخط -

بأنغام نشيد طلائع البعث الذي كان يردده الأطفال في سورية يومياً مكرهين في مدارسهم، قبل أن يتشكل لديهم أي وعي بمحتواه، وبالصور والفيديوهات التي توثق حياة طلاب المدارس في سورية في عهد حافظ الأسد، نسجت الإعلامية السورية الشابة، آلاء عامر، خليطها الخاص من الذكريات الجمعية الذاكرة لتفتتح بها برنامجها "خاكي" الذي بدأت بعرض الحلقات الأولى منه قبل أيام عبر قناة "الشمس" على "يوتيوب"، ليكون هذا النسيج المألوف مدخلاً لتحليلاتها الخاصة وغير المألوفة عن الأزياء في عهد الأسد.

التقت "العربي الجديد" مقدمة البرنامج، آلاء عامر، لمناقشة فكرة عمله. تقول: "الفكرة الأساسية من البرنامح هي الحديث عن القوى الناعمة التي تستخدمها الأنطمة الشمولية والديكتاتورية من أجل تغيير المجتمعات والسيطرة عليها، واخترت من هذه القوى الأزياء نموذجاً للحديث عنها".

وعن سبب تسمية البرنامج باسم "خاكي"، تخبرنا عامر: "أنا وفئة كبيرة من أبناء جيلي تأثرنا بشكل كبير بالمرحلة المدرسية الإعدادية والثانوية، وفي ذاكرتي كانت تلك المرحلة مطبوعة باللون "الخاكي" (أي الأخضر الغامق الذي يتم استخدامه عادةً في البدلات العسكرية)؛ إذ كان يطغى على تلك المرحلة العمرية من حياتي بسبب فرض النظام السوري زياً مدرسياً موحداً لجميع الطلاب، هو بدلة الفتوة".

تضيف: "خلال تلك الفترة، كان يُمارس على الطلاب جميع أشكال القمع من قبل مدرب الفتوة في حصص التربية العسكرية الإجبارية التي فرضها نظام الأسد على الأطفال في تلك المرحلة العمرية لتشمل العسكرة جميع فئات المجتمع؛ العسكرة التي كانت ثيمتها بالنسبة لي هي اللون الخاكي".

يتناول البرنامج في الحلقات المعروضة منه حتى الآن الأزياء في سورية ودلالاتها السياسية في حقبة الأسد. وعن الحدود التي ستصل إليها الفكرة، وإذا ما كان هناك إمكانية للتوسع للحديث عن الأزياء وبعدها السياسي في أماكن وأزمنة أخرى، تقول عامر: "لقد تناولت الأزياء في حقبة الأسد الأب في الحلقات الماضية، وفي الحلقات القادمة سأتحدث عن الأزياء في عهد بشار الأسد بشكل موسع، ومعها سينتهي الموسم الأول من البرنامج. أما الموسم الثاني، فإلى اليوم لا يزال أمر تصويره معلقاً بسبب أمور لها علاقة بالتمويل، ولكن المؤكد أن الموسم الثاني سنتحدث فيه عن إحدى القوى الناعمة التي استخدمها نظام الأسد، ولن يكون في مجال الأزياء كما هو الحال في الموسم الأول".

اليوم تحتوي وسائل التواصل الاجتماعي العديد من البرامج والمواقع السورية التي تحاول تقديم محتوى يتعارض مع مضمون برنامج "خاكي"، حيث تسعى تلك البرامج إلى تقديم محتوى يُظهر الحياة ما قبل الثورة السورية بطريقة جميلة وعاطفية، أما آلاء عامر فقد عادت إلى تلك الحقبة بطريقة مختلفة لتظهر الوجه المختلف والقاسي من تلك الحقبة.

في هذا السياق، تقول عامر: "الجميع يحن إلى الماضي ويرتبط به بطريقة رومانسية، ففي حياتنا اليومية نستذكر أناسا من الماضي والأيام الجميلة معه، ونوهم أنفسنا بأن ذلك الماضي كان الفترة الفضلى، رغم أن الحقيقة قد تكون عكس ذلك. هذا هو الحال بالنسبة للذاكرة الجمعية المرتبطة بالماضي لدى السوريين، فعلى الرغم من كل القمع الذي كنا نعيشه قبل الثورة السورية، إلا أن تلك الفترة لم يكن فيها قتل وتشريد وتهجير ومجازر كما هو الحال اليوم، وهذا سبب نزعة الحنين إلى تلك الأيام، وبالأخص لدى المغتربين خارج سورية الذين لا يستطيعون العودة إليها لأسباب سياسية".

الأرشيف
التحديثات الحية

هؤلاء سيبقون يستذكرون الماضي بحنين لعدم وجود بديل آخر، وبالأخص إن كانت العودة بالنسبة لهم مستحيلة، وأنا واحدة من هؤلاء الأشخاص. لكن بالطبع هناك أهمية للعودة بالذاكرة بطريقة واقعية، لندرك ما كان يجري بنا، وكيف كان يتم تسييسنا وأدلجتنا منذ صغرنا. وهو أمر مهم أيضاً بالنسبة للسوريين في الداخل ليكون لديهم الوعي بما يجري معهم اليوم على أرض الواقع".

اعتمدت عامر في برنامجها على صور وفيديوهات مدرسية تعود لحقبة الأسد الأب، مصورة من قبل أشخاص قاموا بالتطوع وإرسال تلك المواد إلى البرنامج، بالإضافة إلى شعارات حزب البعث وأيقوناتها، واستخدمتها كوثائق لتدعم الذاكرة الجمعية في تلك الحقبة.

تحدثنا عامر عن أهمية تلك الوثائق فتقول: "تأثرت جداً بما أرسل لي من صور وفيديوهات، فمشاركة صور طفولتك مع أشخاص غرباء يتطلب الكثير من الثقة، وسعدت بوثوق عدد كبير من الأشخاص المجهولين بالبرنامج وفكرته وإرسالهم تلك الصور والفيديوهات. وأما عن شعارات حزب البعث فهي جزء لا يتجزأ من اللاوعي الجمعي لدى السوريين".

وتختم عامر حديثها: "أتمنى من متابعي البرنامج أن يستمروا بمتابعته حتى نهايته، وبالأخص الحلقة الأخيرة منه، لأنها تحتوي على كم هائل من المعلومات المرتبطة بفلسفة الجسد، وكيفية استخدام الجسد من قبل الأنطمة، ولدي قناعة بان المتابعين بعد البرنامج سيكون لديهم وعي بما يتعلق بالأزياء التي تفرض علينا عن طريق السلطات القانونية أو الاجتماعية".

المساهمون