بايدن - بوتين: حرب باردة بدرجة 37 مئوية

بايدن - بوتين: حرب باردة بدرجة 37 مئوية

25 فبراير 2023
تصدر تقارير تشكك بصحة بوتين العقلية (أرتور ويداك/ Getty)
+ الخط -

زار الرئيس الأميركي جو بايدن كييف سراً. يُقال إنه تسلل ليلاً في شوارعها للقاء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. جاءت الزيارة قبل يوم واحد من إلقاء نظيرهما الروسي، فلاديمير بوتين، خطاباً يؤكد فيه أن روسيا لن تهزم على أرض المعركة، تلك التي وطأها بايدن، وكان على بعد قذيفة دبابة من الجيش الروسي. وكأننا أمام مواجهة أشد من الحرب الباردة بين أكبر قوتين عسكريتين في العالم، وأكبر ماكينتي دعاية تكيلان الاتهامات لبعضهما بعضاً.

اللافت للنظر في هذه الحرب الإعلاميّة بأشكالها المتعددة، هو التقارير والإشاعات التي تمس فلاديمير بوتين (70 عاماً) و جو بايدن (80 عاماً). نشير إلى العمر هنا بدقة، كونه محط الكثير من التكهنات والانتقادات والتقارير الإخبارية، إذ اتُهم الكثيرون بالتمييز العمري ضد بايدن، وأنه غير قادر على ممارسة دوره كرئيس. جاءت الاتهامات من داخل الولايات المتحدة الأميركية من معارضيه، ومن خارجها. الأمر نفسه مع بوتين الذي يشككُ بصحته الجسدية.

هذا التركيز على "صحة" جسد الرئيس، يحيل إلى الحرب نفسها، وكأننا أمام قرارات يتخذها "عجائز" غير قادرين على فهم الواقع، الشأن الذي لا يمكن التأكد منه. هذه الحرب الإعلاميّة وعلاقتها مع العمر تحولت إلى شأن استخباراتي. التقارير الأميركية تؤكد دوماً أنه بصحة جيدة، وقادر على القيام بمهامه، الأمر الذي غذى وسائل التواصل الاجتماعي والصفحات الصفراء التي أصبحت تهتم بكل زلة أو سهو يقدم عليهما بايدن، لاتهامه بعدم التركيز والنسيان، وكأنه ليس مؤهلاً للقيام بمهامه كرئيس للولايات المتحدة الأميركية وقواتها المسلحة. طاولت هذه الاتهامات بوتين أيضاً. هناك إشاعات عن إصابته بأورام سرطانية، واختفائه للعلاج. كما صدرت تقارير أخرى، تناقش صحته النفسية، وإصابته بنوع من الجنون، وصلت إلى حد اتهام الكرملين بحجب المعلومات عنه، خوفاً من رد فعله، أو خوفاً على صحته، وكأنه غير قادر على تحمل الصدمات النفسية.

تقارير دولية
التحديثات الحية

كلا أسلوبي الانتقاد وتوظيف "الصحة" يهددان مصداقية جسد "السيد" بوصفه رأس القرار والقادر على تغيير كل شيء، بشرط أن يكون "واعياً". وتهديد الصحة حجة قانونية وليست مجرد شائعة. تحاول كلتا ماكينتي الدعاية دفعها إلى الأمام. لكن هذه الدعاية نفسها تتركنا نحن المشاهدين حائرين، أمن المعقول أن هذه الحرب وما ينجم عنها من أثر عالمي، نتاج قرارات أو على الأقل قرار "شخص واحد" فاقد للأهلية؟ هناك نوع من التراجيدية الشيكسبيرية في هذا الموضوع، أي أن يكون "السيد/الملك/الرئيس" غير مدرك لعدم كفاءته، دافعاً بلاده وشعبه (العالم في حالتنا) نحو الخراب، من دون أن يدري، بينما نشاهد عاجزين عن التصرف.

لا ننكر أن الشأن سياسي ذو آثار قد تؤدي في الولايات المتحدة مثلاً إلى إعفاء الرئيس من منصبه، في حين لا نعلم بدقة أثرها في روسيا، لكن لا ينفي ذلك أننا إذا أمام صراع "ممالك" يقوده أشخاص، لا علاقة للشعب بهم. هذه الممالك رؤوسها مشكوك بصحتهم العقلية وقدراتهم الجسديّة، ما يهدد مفهوم الديمقراطيّة نفسه، خصوصاً في الولايات المتحدة. فهل يصل إلى الحكم من لا يستحق أو غير القادر على القيام بمهماته؟ دونالد ترامب كان درساً قاسياً في عيوب الديمقراطيّة، كذلك بوريس جونسون في بريطانيا، واليمين المتطرف بشكل عام، وجميعهم طاولتهم اتهامات تشكك بصحتهم العقليّة والجسديّة. ا

للافت أن قراءة لهذه البلاغة الدعائية تكشف أن ما يحصل لا يمكن أن يقوم به عاقل. وهنا المفارقة، فالصورة الطهرانية عن السياسة وأساليب السيادة والحكم، بدأت منذ أن كشف نظام بشار الأسد عن وحشيته، وامتدت لتصل إلى دول مختلفة، حتى وقعت في أوروبا، وكأن اللاتصديق المرتبط بالحرب ونتائجها، لا يمكن أن يكون نتاج سياسة، بل مرض عقلي، أو عطب جسدي أصاب "الرئيس".

المساهمون