المعرض الوطني البريطاني: قرنان على حكاية بدأت بـ38 لوحة

المعرض الوطني البريطاني: قرنان على حكاية بدأت بـ38 لوحة

18 مايو 2024
يضم المعرض الوطني البريطاني نحو 2300 عمل فني (ماثيو تشاتل/Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- المعرض الوطني في لندن يحتفل بمرور 200 عام على تأسيسه بتنظيم معارض وفعاليات فنية، مع التأكيد على مجموعته الخالية من الأعمال المنهوبة والتي تضم لوحات من القرن الثالث عشر حتى عام 1900.
- يُقدم المعرض عرضًا لأعمال فينسنت فان غوخ بعنوان "فان غوخ... شعراء وعشّاق" يضم 50 لوحة، بما في ذلك أعمال لم تُعرض من قبل، ومعرضًا موازيًا لإدغار ديغا يركز على لوحة "الآنسة لا لا في سيرك فرناند".
- تاريخ المعرض شهد حادثة سرقة وحيدة للوحة "دوق ولينيغتون" لفرانسيسكو دي غويا في 1961، وحافظ على مقتنياته خلال الحرب العالمية الثانية بنقلها إلى منجم في ويلز، ما يُظهر التزامه بحماية التراث الفني.

قبل 200 عام، افتُتح المعرض الوطني في لندن، ليصبح اليوم واحدًا من أشهر المتاحف الفنية في العالم، لم يسرق إلّا مرة واحدة؛ سرقة لطيفة سجلتها السينما في واحد من أرق أفلامها. تملك العاصمة البريطانية اثنين من أكبر المتاحف في العالم، الأقدم هو المتحف البريطاني أو ما يعرف باسم The British Museum، صاحب التاريخ الطويل في نهب ثروات الشعوب التي احتلتها بريطانيا على مدى تاريخها الاستعماري الطويل، والثاني هو "المعرض الوطني" (The National Gallery)، الذي يحتفل هذا العام بمرور 200 عام على تأسيسه، عبر تنظيم عدد كبير من المعارض والفعاليات الفنية والثقافية في جميع أرجاء المملكة المتحدة. ووفقاً لبيان المعرض على موقعه الرسمي: "سنحتفل بماضينا ونتطلع إلى مستقبلنا، عبر مهرجان للفن والإبداع والخيال يستمر لعام كامل، نحدد من خلاله نغمة قرننا الثالث".

ليلة مرصعة بالنجوم

لأن العديد من أعمال الفنان الهولندي فينسنت فان غوخ ما زالت تشكّل ركناً مهماً من مقتنيات المعرض الوطني الثمينة، تقرر تنظيم عرض استعادي ضخم في سبتمبر/أيلول المقبل تحت عنوان "فان غوخ... شعراء وعشّاق"، والذي من المقرر أن يضم 50 لوحة من أهم أعمال الفنان، بعضها لم يُعرض علناً من قبل، مع تركيز خاص على أعماله المبكرة التي رسمها في جنوب فرنسا. سيضم المعرض كذلك لوحتي "الكرسي" و"زهرة عباد الشمس" الشهيرتين، احتفالاً بمرور 100 عام على شرائهما، مع أعمال أخرى للفنان، إضافة إلى جلب لوحتين أخريين لفان غوخ من متحفين أوروبيين، وهما لوحتا "ليلة مرصعة بالنجوم" التي ستأتي من متحف دوغساي في باريس، و"البيت الأصفر" القادمة من متحف فان غوخ في أمستردام.

ديغا والآنسة لا لا

ضمن سلسلة معارض "اكتشف"، التي يُسلّط خلالها الضوء على روائع فنية أقل شهرة، يُستعدّ لافتتاح معرض مواز للفنان الفرنسي إدغار ديغا في يونيو/حزيران المقبل، مع إضاءة خاصة على لوحته "الآنسة لا لا في سيرك فرناند" التي رسمها الفنان عام 1879 تخليداً للاعبة السيرك الموهوبة آنا ألبرتين أولغا براون، المعروفة في ذلك الوقت بلقب "الآنسة لا لا". المثير في هذه اللوحة، هو المنظور المختلف الذي أراد ديغا إدخاله إلى أبعاد اللوحة، إذ رسم لاعبة السيرك معلقة على حبل تقبض عليها بأسنانها وهي تدور في الهواء، في واحدة من حركاتها الراقصة الأكثر خطورة.

المعرض الوطني البريطاني... البداية بـ38 لوحة فقط

يضم المعرض الوطني البريطاني اليوم ما يقرب من 2300 عمل فني. وفي حين لا يبدو هذا العدد كبيراً مقارنة بمتاحف أو معارض وطنية أخرى (اللوفر وحده يمتلك نحو 380 ألف عمل فني وتراثي)، إلا أن مجموعة المعرض الوطني تتميز بأنها تخلو من الأعمال الفنية أو التراثية المنهوبة من بلدان وحضارات أخرى، والتي تمتلئ بها أقبية المتحف البريطاني الذي لا يبعد عنه كثيراً في لندن، وأيضاً لأنها تضم عدداً من أهم لوحات القرن الثالث عشر، وصولاً إلى عام 1900، جاءت أغلبها نتيجة شرائها من مجموعات خاصة لهواة الفن وورثته عبر 200 عام.

افتُتح المعرض الوطني لأول مرة في 10 مايو/أيار 1824. وكانت نواته الأولى 38 لوحة فقط، اشتراها البرلمان من إرث رجل الأعمال جون يوليوس أنغرستين عام 1823، مقابل 57 ألف جنيه إسترليني. وكان أنغرستين رجل اقتصاد وراعياً للفنون، استطاع أن يجمع أعمالاً لأسماء بارزة، مثل رافائيل وتيتيان وكوريجيو وكاراتشي وفان دايك وروبنز ورمبراندت وفيلاسكيز وسيباستيانو ديل بيومبو. بعد نجاح البرلمان البريطاني في شراء هذه اللوحات من مجموعة أنغرستين الفنية، قرّر الملك جورج الرابع ورئيس الوزراء وقتها، اللورد ليفربول، شراء المجموعة الفنية الكاملة في إرث رجل الأعمال (الذي كان صديقاً مقرباً منهما كليهما) لصالح بريطانيا، على أن تكون هذه المجموعة الفنية هي النواة الأولى لتأسيس المعرض الوطني البريطاني في قصر أنغرستين نفسه، والقريب من قصر باكنغهام، إلى أن انتقل المعرض عام 1838 إلى مبناه الحالي بميدان الطرف الأغر، في مبنى صممه المعماري ويليام ويلكنز على الطراز الكلاسيكي الجديد.

خبيئة منجم ويلز

في حين لا تعرض أغلب المتاحف والمعارض العالمية إلا جزءاً صغيراً من مجموعاتها لزوارها، أتاح المعرض الوطني جميع مقتنياته على مدى عقود لزواره، حتى تبدّل الوضع عام 1939، مع تصاعد وقع طبول الحرب العالمية الأولى. وخوفاً من نهب الأعمال الفنية، عُرضت خطة على الحكومة هدفها تهريب اللوحات القيمة إلى كندا. ولكن بأمر مباشر من رئيس الوزراء آنذاك، ونستون تشرشل، مُنع خروج أي أعمال فنية عبر الحدود، ونُقلت المجموعة الكاملة للمعرض الوطني سرّاً إلى منجم لأحجار الأردواز في ويلز. وخلال سنوات الحرب، فُهرست المجموعة الكاملة من اللوحات ورُمّم بعضها. وحتى اليوم، يُحتفى بذكرى خبيئة منجم ويلز الفنية عبر فعالية شهرية ينظمها المعرض لزواره تحت عنوان "لوحة الشهر"، إذ تعود تحفة فنية مختلفة من منجم ويلز لعرضها في قاعة خاصة للجمهور مجاناً طوال شهر كامل.

سرقة واحدة خلّدتها السينما

لم يشهد المعرض الوطني البريطاني خلال 200 عام من إنشائه إلا حادثة سرقة وحيدة فقط، حدثت ليلة 21 أغسطس/آب 1961، حين تسلل سائق متقاعد يدعى كمبتون بونتون عبر إحدى نوافذ المبنى الخلفية وسرق لوحة "دوق ولينيغتون" للفنان الإسباني فرانسيسكو دي غويا. كانت الدولة البريطانية قد اشترتها للتو مقابل 140 ألف جنيه إسترليني. لم يكتف السارق بذلك، بل بدأ يطالب بفدية مقابل اللوحة، مفسراً ذلك بأن هذه الأموال يجب أن تستخدم لصالح الفقراء، وليس لأجل شراء لوحة ستعلق في النهاية على جدار. بعد عدة أسابيع، قُبض على السارق ليحاكم في قضية أثارت الرأي العام في الشارع البريطاني، وجعلت هيئة المحلفين تقف إلى جانبه، خاصة حين تمسك في شهادته أمام المحكمة بأنه استعار اللوحة ولم يسرقها، ما منحه عقوبة أخف بكثير. والغريب أنه لم يُعثر على اللوحة إلا بعد مرور أربع سنوات، حين وُجدت بين الممتلكات المفقودة في محطة قطار برمنغهام عام 1965. هذه القصة الطريفة لسارق اللوحة أغوت السينما بتسجيلها عام 2021 في الفيلم البريطاني الكوميدي The Duke للمخرج روجر مِتشيل، إذ لعب الممثل جيم برودبنت دور اللص ذي النوايا الحسنة، وشاركته هيلين ميرين في دور زوجته المتورطة في السرقة من دون قصد.

دلالات

المساهمون