المتاحف الأميركية: الإبادة في قطاع غزة برعاية مؤسسات فنية

المتاحف الأميركية: الإبادة في قطاع غزة برعاية مؤسسات فنية

15 فبراير 2024
من تظاهرة في مدينة نيويورك (الأناضول)
+ الخط -

ما زالت الفعاليات الاحتجاجية ضد الدعم الأميركي لعدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة تتوالى من داخل الولايات المتحدة، في رفض ملحّ عبّرت عنه قطاعات شعبية واسعة، لمساهمة إدارة الرئيس جو بايدن في جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها جيش الاحتلال. في مقدمة تلك الاحتجاجات، ما كان متصلاً بالمؤسسات الفنية، والمتاحف واستأثرت ولاية نيويورك تحديداً بنصيب كبير منها خلال الأسابيع الماضية.

المحتجون يحتلّون المتاحف

في تمام الساعة 15:45 من يوم السبت 10 فبراير/شباط، أغلق متحف الفن الحديث في نيويورك (MOMA) صالات عرضه أمام الجمهور بشكل غير اعتيادي، بعد أن سيطر المئات من المتظاهرين المتضامنين مع فلسطين على ردهات عدة طوابق للمتحف احتجاجاً على انخراط أعضاء بمجلس الأمناء في تمويل الكيان الصهيوني. المتحف الأكثر تأثيراً في عالم الفن، والذي يحتوي على أعمال لـ70 ألف فنان، إلى جانب أرشيف للكتب يربو على الـ300 ألف؛ يزوره قرابة 2.5 مليون شخص سنوياً، ليتعرفوا إلى معروضاته المتنوعة بين الرسم والنحت وأعمال العمارة والتصوير الفوتوغرافي، إضافة إلى الكتب والأفلام. وفي يوم السبت الماضي، كان الناظر إلى الواجهة الزجاجية من خارج مبنى المؤسسة الفنية، يستطيع رصد العشرات من الناشطين يقفون في ردهات طوابق المتحف، وهم يحملون لافتات كُتب عليها "أوقفوا إطلاق النار الآن"، و"فلسطين حرة"، و"من النهر إلى البحر"، و"العاملون الثقافيون يقفون مع غزة".
كما علقت مجموعة من المتظاهرين لافتة في ردهة الطابق الثاني التي تطل على بهو المتحف والمخرج الخلفي، كُتب عليها "أمناء متحف الفن الحديث يموّلون الإبادة الجماعية والفصل العنصري والاستعمار الاستيطاني"، ليشاهدها الزوار من الطابق الأول.
إلى جانب ذلك، وزّع المحتجون، الذين بلغ عددهم نحو 500 لـ800 شخص، أكثر من 1000 دليل متحف وهمي، يدعو إلى إقالة أعضاء مجلس أمناء المتحف، ليون بلاك ولاري فينك وبولا كراون وماري خوسيه كرافيس ورونالد إس لودر، ووقف تمويلهم حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة. وجاء في بيان المحتجين: "في حين أن متحف الفن الحديث يدعو إلى قيم "التغيير" و"الإبداع"، يموّل مجلس الأمناء الاحتلال الصهيوني بشكل مباشر من خلال تصنيع الأسلحة والاستثمار في الشركات الإسرائيلية. وفي الوقت نفسه، يستمد المتحف شرعيته من الفنانين والعاملين في المجال الثقافي، بما في ذلك أولئك الذين يشاركون بنشاط في النضال ضد الاستعمار".
ومن أعضاء مجلس أمناء المتحف الأميركي الذين وردت أسماؤهم في البيان، لاري فين، وهو الرئيس التنفيذي لشركة الاستثمار متعددة الجنسيات، "بلاك روك"، أكبر مدير أصول في العالم، إذ تبلغ قيمتها 9.42 مليار دولار، وقد تعرضت الشركة لانتقادات واسعة في الماضي بسبب استثماراتها في الأسلحة وأنظمة الدفاع وشراكتها مع إسرائيل في هذا المجال.
اسم آخر هو ليون بلاك، مؤسس شركة أسهم خاصة "أبولو غلوبال مانجمنت"، التي تمتلك شركة أسلحة وأمن، وتتورط بدورها في شراكة مع الكيان الصهيوني.
نظّم الاحتجاج "كتاب ضد الحرب على غزة" وفرع نيويورك لحركة الشباب الفلسطيني، وStrike MoMA وGulf Labor، وتحالف عمال الفن، وحركة "الكفاح الذي لا يموت من أجل تحرير السود"، و"إلغاء السجون"، و"سيادة السكان الأصليين".

أمام متحف بروكلين

في اليوم نفسه، أي السبت، وفي خظة ضد صمت المتاحف الأميركية، انطلقت تظاهرة ضخمة، نظّمها كل من WOL فلسطين و"إنهاء استعمار هذا المكان" (DTP) أمام متحف بروكلين، لتجتذب الفعالية الاحتجاجية المئات من جميع الأعمار. المتحف الفني الضخم الذي تبلغ مساحته 52 ألف متر مربع، هو ثاني أكبر متحف في مدينة نيويورك، ويحتوي على نحو 500 ألف قطعة فنية متنوعة بين أفريقية وأوروبية وأوقيانوسية ويابانية.
وفي ما يخص العمل الاحتجاجي، قال المتظاهرون إن إدارة المتحف متورطة في شراكات مع مؤسسات إسرائيلية تعمل في مجالات اقتصادية وعسكرية. وحدّد بيان أصدرته الجهات المنظمة شريك المتحف التجاري، بنك "نيويورك ميلون"، الذي يملك استثماراً بقيمة 13 مليار دولار في شركة تصنيع الأسلحة الإسرائيلية، Elbit Systems، وتضم الصندوق الاستشاري لأصدقاء جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وطالب البيان بـ"اتخاذ موقف ضد الإبادة الجماعية، وقطع جميع العلاقات مع المؤسسات والشركات المتواطئة وسحب الاستثمارات منها"، في حين ردد المتظاهرون هتافات "إسرائيل تقصف وأميركا تدفع، كم طفلاً قتلت اليوم؟" و"العار! العار! العار!"، وأظهرت اللقطات المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي اشتباكاً عنيفاً للضباط مع المتظاهرين، انتهى باعتقال الشرطة عدداً منهم.
"هذه المتاحف تمثل الاستعمار". هذا ما صرحت به مؤسسة إحدى الحركات المنظمة للحدث، WOL، نيردين كسواني، مشيرةً في تعليق لوكالة Hyperallergic إلى شراكة المتحف الحالية مع المؤسسات التي "تخدم الاحتلال الإسرائيلي"، مثل بنك نيويورك ميلون (BNY). وأشارت كسواني إلى أن عدد الفنانين الذين يعرضون أعمالهم في متحف بروكلين، وموظفيه أيضاً، أعربوا عن دعمهم لتحرير فلسطين ودعوا إلى وقف إطلاق النار، منهم الفنان سونيل سانزغيري (Suneil Sanzgiri)، الذي سحب فيلمه الشهر الماضي من مهرجان برلين السينمائي تضامناً مع المقاطعة الدولية للمؤسسات الألمانية، بسبب قمع برلين لمنتقدي الحكومة الإسرائيلية.

ارتدى المحتجون الكوفية الفلسطينية ورفعوا الأعلام واللافتات التي تعلن تضامنهم مع الفلسطينيين، وغضبهم من عرقلة الإدارة الأميركية الطلب المقدم بوقف فوري لإطلاق في غزة. تزامن الاحتجاجان مع إصدار أكثر من 100 عامل ثقافي في مدينة نيويورك في متاحف "متروبوليتان للفنون" وبروكلين والاستوديو، بيان يدين "الصمت المشين" لمؤسساتهم تجاه "الإبادة الجماعية في غزة". وقال الموقعون: "بينما تدعي المتاحف والمؤسسات الثقافية في مدينتنا أنها تلتزم بالعدالة والدور الاجتماعي والإنصاف، جعلها صمتها متواطئة على مقتل أكثر من 27 ألف شخص في فلسطين، مع وجود آلاف آخرين محاصرين تحت الأنقاض الناجمة عن التفجيرات منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول".

إغلاق الأبواب

إلى جانب المتاحف أغلق عدد من أشهر المعارض الفنية في مدينة نيويورك أبوابه أمام الجمهور جراء أعمال احتجاجية، وكان Pace Gallery آخر تلك المعارض، إذ أعلن إغلاق المبنى الرئيسي له، السبت 27 يناير/كانون الثاني؛ بسبب قيام محتجين بطلاء مساحة واسعة من المبنى الخارجي برسائل مناهضة للإبادة الجماعية في قطاع غزة.
المعرض الذي أُسّس عام 1960 وله سبعة أفرع منتشرة في أنحاء أوروبا، ولديه شراكة مع عدد من أشهر الفنانين التشكيليين العالميين مثل: جان دوبوفيه وألكسندر كالدر وباربرا هيبوورث ولويز نيفلسون وأغنيس مارتن...، رُشّت جدرانه بالطلاء الأحمر ليحمل عبارات مثل "غزة حرة" و"أوقفوا الإبادة الجماعية". يأتي ذلك في معرض الرد على نشر الغاليري الشهير فيديو لفنان إسرائيلي تمثله المؤسسة الفنية هو ميشال روفنر، يدعو فيه إلى عودة الرهائن الإسرائيليين لدى حماس.

تكرر الإغلاق المفاجئ أيضاً مع معرض ليفي جورفي ديان، في الشهر ذاته، حيث ألصق محتجون على المبنى الخارجي للمعرض ملصقات تحتج على آراء أصحابه بشأن العدوان الإسرائيلي على فلسطين.
كما استُهدف العديد من صالات العرض في الحي الصيني بنيويورك، فكُتبت على جدرانها رسائل تدعو التجار والمترددين على المؤسسات الفنية إلى دعم غزة والتصدي للسياسات الحكومية المتعلقة بالدعم اللامحدود لإسرائيل.

المساهمون