الذكاء الاصطناعي والاحتلال: بحث عن جريمة لم تُرتكب (3/3)

الذكاء الاصطناعي والاحتلال: بحث عن جريمة لم تُرتكب (3/3)

08 ديسمبر 2023
داخل مستشفى النصر في خانيونس (لؤي أيوب/واشنطن بوست/Getty)
+ الخط -

سارعت إسرائيل، بعد بدء عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إلى إنشاء موقع يحوي كافة "الانتهاكات" التي مارستها المقاومة، تلك التي كان أبرزها صورة الطفل الرضيع الذي أُحرق، والتي تم تداولها في وسائل التواصل الاجتماعي، بوصفها "حقيقة" و"دليلاً" على الانتهاكات.

تبين أن الصورة مزيفة، ومولدة عبر الذكاء الاصطناعي. على الرغم من ذلك، لم تُحذف من الموقع الرسمي الذي أطلقه الاحتلال الإسرائيلي.

الأمر نفسه تكرر في كثير من الصور التي نُشرت وتبادلها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وتبين لاحقاً أنها مزيفة، أو تم التلاعب بها، أو لا علاقة لها بإسرائيل وعملية المقاومة من قريب أو بعيد. حتى إن كثيراً من الصور ولقطات الفيديو الذي نُسب، جغرافياً، إلى غزة أو الأراضي المحتلة عام 1948، لم يكن سوى لقطات ومشاهد من أفلام، أو أحداث وقعت في بلدان أخرى.

في هذا السياق، ظهر الذكاء الاصطناعي كسلاح فعّال في عدوان الاحتلال على قطاع غزة، خصوصاً في مجال إنتاج الصور، سواء لجانب إسرائيل أو المقاومة. وقد تورط كثيرون، بعضهم في مناصب رسمية، كوزير خارجية الولايات المتحدة، في الإشارة إلى هذه الصور بوصفها حقيقية. لكنّ السؤال هنا: لم تزييف الصور؟ لم البحث عن صور شنيعة مزيفة، على افتراض أن المقاومة قامت بما لا يمكن تجاهله؟

يمكن القول إن الصور المزيفة، وبعيداً عن الدور العاطفي الذي تلعبه بهدف التحريض على إبادة غزّة وتهجير سكانها، تساهم في تكريس المقارنة بين الهولوكوست وبين ما حصل في السابع من أكتوبر. بلاغة الشناعة والتفظيع بالجسد اليهودي التي يتبناها الاحتلال، لا بد لها من معادل بصري شديد القسوة والتأثير، الأمر الذي لم يتوافر حتى الآن، والذي يترك إسرائيل كمن يبحث عن جريمة غير موجودة.

هذه الرغبة بنشر الفظاعة نلاحظها في تعليقات من حضر الـ45 دقيقة التي تصور "انتهاكات حماس"، والتي نُشرت للعلن، إذ قال كثيرون من الذين شاهدوها إنها نعم تحوي عنفاً، لكن لا وجود لأطفال مقطوعي الرأس ولا أطفال محروقين، إن لا بد من بديل، فلا مفر من تغذية سردية الضحية المثالية المشنّع بها، والتي تعتبر امتداداً للهولوكوست وفظائعه.

لا تقتصر الصور المزيّفة على "الفظائع" التي يقول الاحتلال إنها ارتكبت. هناك صور تظهر معتقلين وأسرى يتم إذلالهم وتعذيبهم انتقاماً لما حدث في السابع من أكتوبر.

الصور التي انتشرت بداية على منصة ريديت، هي محاولة لرفع معنويات الجيش الإسرائيلي، وقدرته على "إذلال الأعداء". هي بروباغاندا صافية إذن، لا نعلم مصدرها، هدفها يتمثّل في خلق شعور بالفوقية، لتفادي الفشل في التصدي لعملية طوفان الأقصى.

وهنا تأتي الصور المزيفة كعلامة على انتصار لم يتحقق، انتصار ما زالت إسرائيل تبحث عنه بعد شهرين من العدوان على غزّة.

المفارقة في الصور المزيفة أنها تركز على رجال شبه عراة، يتعرضون إلى الضرب بوصفهم مقاتلين من "حماس". هي محاولة لتدمير صورة الجسد البطولي، أو الجسد الذي تمكن من اختراق الأسوار من دون أن يمسّه ضرر. وهذا بدقة ما لا نجده في الصور الحقيقية، إذ لا صور لمقاتلي "حماس" قتلى. هم أهداف، لا نعلم حقيقة إن كانوا قد قتلوا أم لا. نحن أمام محاولات مزيفة لتدمير صورة المقاتل، ونزع سطوة الرجولة عنه عبر إذلاله، ولو كان عبر صورة مزيفة.

اللافت في كل هذا، هو سطوة رأس المال، تلك التي لا تعرف حداً ولا طرفاً، إذ أشارت تقارير إلى أن شركة أدوبي التي تنتج برنامج فوتوشوب، تعرض الصور المزيفة للقتال بين المقاومة وإسرائيل للبيع. وهنا تكمن المفارقة شديدة السوداوية: صور القتل لم تعد مربحةً فقط لمن يلتقطها، بل لمن يمتلك المخيلة والمهارة الكافية لتوليد صور مزيفة قد تعود عليه بالمال، بينما يشاهد الأخبار من على كنبة منزله.

المساهمون