الانتخابات الأميركية: هل يربح الرجل الضاحك؟

ترامب (دانيال ليل-أوليفاس/فرانس برس)
03 نوفمبر 2020
+ الخط -

مشهد 1: "الاتفاق الأخضر الجديد" (...) حين تهدأ الريح، فهذه نهاية التيار الكهربائي لديكم. فلنسرع. عزيزتي، هل تعصف الريح اليوم؟ أود مشاهد التلفاز يا عزيزتي.

[ضحك وتصفيق]

المشهد 2: يتحدثون عن "الاتفاق الأخضر الجديد". فلتذهبوا كلكم إلى منازلهم، فقد خسرتم وظائفكم (...) لا يعجبهم أي شيء. لا يعرفون ما يعجبهم. يبدو أن الريح تعجبهم، رغم أنها تقتل كل الطيور. تريدون رؤية مقبرة للطيور؟ اقصدوا طاحونة. لكن الريح هي ما يراهنون عليه. وفي الليلة التي لا تعصف فيها الريح لا تشاهدون التلفاز.

[ضحك وتصفيق]

المشهد 3: ما رأيكم بخطاب الرئيس أوباما؟ أظن أنه جيد جداً... جيد جداً للنوم.

[ضحك وتصفيق]

المشهد 4: يمكنني القول بصدق إنني لم أشرب البيرة في حياتي. هذه واحدة من صفاتي الحميدة كلها. أنا لا أشرب.

[ضحك في الخلفية]

يقول السيناتور الجمهوري الراحل جون ماكين (1936 ــ 2018) إن "على الرئيس أن يكون مضحكاً. الرؤساء غير المضحكين يخدمون ولاية واحدة إن فازوا بالانتخابات أصلاً". هل يفوز دونالد ترامب، إذن، بدورة ثانية في الانتخابات الرئاسية؟ اقرؤوا المشاهد أعلاه.

يعرف ترامب جمهوره، ويعرف ما يود سماعه. يتحرك على مسرحه. يغير نبرة صوته. يخاطب شخصية متخيلة. يسخّر إيماءات وجهه وحركات جسده في عرضه. يسخر من الآخرين. يلذع. يسخر من نفسه. يصدم. يتوقف، فاسحاً المجال لمشاهديه كي يضحكوا، ثم يصفقوا. 

هذه وصفة أي كوميديان ناجح. وهذه الوصفة التي يتبعها ترامب. وأهمّ مكوناتها السخرية من النفس التي تتطلب قدرة على رصد التوقيت الأفضل وقاعدة من المعلومات المشتركة بين المُلقي والمتلقي.

جون ماكين: على الرئيس أن يكون مضحكاً. الرؤساء غير المضحكين يحكمون ولاية واحدة

يقول عالم النفس التطوري في "جامعة إبيريستويث" في ويلز، جيل غرينغروس، إن النكتة التي يسخر فيها الشخص من نفسه تشكل عنصراً أساسياً في السياسة الأميركية. ويقدّم، في حديث لموقع "بوليتيكو" العام الماضي، مثالاً عن الرئيس أبراهام لينكولن (1809 ــ 1856) الذي اتُهم مرة أنه ذو وجهين، فرد "فلتقرر أنت: لو كنتُ ذا وجهين، هل سأستخدم هذا الوجه؟".

وفي السياق نفسه، يشرح البروفيسور في "نوكس كوليدج" في إلينوي، فرانك ماك أندرو، أن السخرية من النفس وسيلة لكسر الجليد وتقليص المسافة بين السياسي صاحب النفوذ والعامّة. ويلفت إلى مزحة رونالد ريغان (1911 ــ 2004)، خلال مناظرة رئاسية أمام والتر مونديل، عام 1984. كان ريغان في الـ 74 من العمر حينها، وسأله مقدّم المناظرة عن قضية العمر، فرد قائلاً: "لن أستغل هذه المسألة في حملتي الانتخابية، ولن أجعل من صغر سن منافسي وقلة خبرته قضية".

يسخر ترامب من نفسه ليقطع الطريق على خصومه ومنتقديه

يضيف ماك أندرو أن السخرية من النفس تجعل الشخص متحكماً بما كان منافسوه سيحاصرونه. وهذا ما فعله ترامب مثلاً حين قال ممازحاً إنه يريد تقليد نفسه ميدالية شرف، في غرفة مليئة بقدامى المحاربين الأميركيين، موجهاً ما يمكن وصفه بالضربة الوقائية ضد من سينتقدونه لأنه لم يخدم في الجيش. القاعدة نفسها تطبق على تغريدته التي نشر فيها صورة مركبة لأحد فنادقه المطلية بالذهب على شاطى وعر بين بيوت صغيرة ومتباعدة، معلقاً: "أعدكم ألا أقوم بذلك في غرينلاند"، بعدما اقترح أن الولايات المتحدة مهتمة بشراء الإقليم الدنماركي المستقل.

ولا تقتصر هذه النكات على "تويتر"، فأمام تجمع حاشد في لويزيانا، عام 2019، سخر من كلامه غير المترابط، قائلاً: "أقّدم أفضل ما عندي حين أخرج عن النص... كما أقدّم أسوأ ما عندي حين أخرج عن النص".

غير أن ترامب اشتكى مراراً من أن الإعلام الأميركي لا يفهم مزاحه. وقد تكون شكواه محقة؛ في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2019، نشر الرئيس الأميركي على "تويتر" صورة مركبة يضع فيها ميدالية حول عنق كلب أصيب خلال الغارة الأميركية التي قتل فيها زعيم تنظيم "داعش" أبو بكر البغدادي.

انشغل الإعلام الأميركي والعالمي في التصويب على ترامب، والتركيز على أن الصورة جزء من الأخبار الزائفة التي يواظب الرئيس على نشرها، لدرجة أن الكاتب جون بروديغن سخر من صحيفة "نيويورك تايمز" وشبكة "سي أن أن"، معلقاً أنه "عليك أن تكون غبياً لتظن أن هذا حدث فعلاً في الواقع".

لكن هل يتحمل ترامب نفسه مسؤولية هذا التراجع في حس النكتة لدى المؤسسات الإعلامية الليبرالية والكوميديين من التوجه السياسي نفسه؟ إلى حد ما، نعم.

فهذه الخلطة من السخرية غير الواضحة، الحاضرة طوال الوقت، تكاد تجعل من المستحيل السخرية من الرئيس الأميركي، لأنه يتولى هذه المهمة بنفسه، وهذا ما يشير إليه دان بروكس، في تقرير موسع نشرته "نيويورك تايمز"، في 7 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، عن ترامب الذي "خرّب" الكوميديا السياسية.

يُتهم ترامب بتخريب الكوميديا الليبرالية، وبمحاصرتها في دائرة تصريحاته وتغريداته

نظرياً، يُفترض أن ولاية الرئيس الأميركي الفترة الأفضل لانتعاش الكوميديا الليبرالية، لأنه يمنح مؤديها كل ما يمكن أن يسعوا إليه من محتوى. ولكن فعلياً الأمر أكثر تحدياً، والتشاؤم سيد الموقف بين الكوميديين الذين وجدوا أنفسهم وسط أسوأ أنواع الكوميديا، أي تلك التي تكتب نفسها بنفسها، وفق ما يلفت البريطاني جون أوليفر الذي "كأنسان وككوميدي، لا يستطيع الانتظار حتى انتهاء هذه الفترة".

سوشيال ميديا
التحديثات الحية

يوضح بروكس أن هذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها الكوميديا مثل هذه الظروف في القرن الحادي والعشرين، فبرنامج "ذا ديلي شو" The Daily Show، ازدهر في أثناء حكم جورج بوش، وكان قادراً على إيجاد توازن، خلال نصف ساعة، بين المطالب السياسية الآنية والضرورات الجمالية، مما درّ عليه ملايين الدولارات الأميركية.

الحال مختلف في عهد ترامب، أولاً لأن وسائل الإعلام لا تجاريه، بل تزدريه علناً، وثانياً لأن نجاح ترامب أكد أن التدليل إلى النفاق لا ينفع، أو على الأقل ليس الوسيلة المطلوبة لإسقاط المنافق، وفقاً لبروكس.

أسئلة حول ما إذا كانت البرامج الكوميدية ستتعافى من رئاسة ترامب

المعضلة نفسها تطرحها أدريان هورتون التي تتساءل عبر صحيفة "ذا غارديان" إن كانت البرامج الليلة الكوميدية "ستتعافى" من رئاسة ترامب. تعتبر الكاتبة أن ولاية ترامب غيرت هذه البرامج في الشكل والوظيفة، بعدما أجبرت على اعتماد مونولوغات أكثر سياسية والدوران في فلك الرئيس وتصريحاته وتغريداته.

طبعاً هناك من يعارض الفكرة الأساسية كلها من أصلها، وبينهم كاتب خطابات الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ديفيد لِت الذي يرى أن ترامب لا يتمتع بحس الدعابة وأن الولايات المتحدة الأميركية تدفع الثمن، في مقالة نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" عام 2017.

الصحيفة نفسها نشرت مقالة عام 2018، يقول كاتبها بريت ستيفنز إن رئاسة ترامب "بلا فكاهة". في الحالتين، يبدو أن ترامب أخذ الأميركيين إلى مكان جديد، ليضيف إلى انقساماتهم انقساماً بشأن خفة دمه من عدمها.

المساهمون