إيلون ماسك... تحليلات على هامش العدوان

إيلون ماسك... تحليلات على هامش العدوان

04 ديسمبر 2023
في خانيونس (أحمد حسب الله/ Getty)
+ الخط -

تشترط سيرة حياة الأبطال العَرَضيين وجود نقطة تغيّر حياتهم. نقطة يصبح عندها البطل، شخصية مركزية من دون قصد بفعل ظرف غير متوقع أو مصادفة ما. منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ظهرت مجموعة من الشخصيات الرئيسية في قلب المشهد. بعضها كان مدركًا بالضبط لما يجري، بينما أُجبِر البعض الآخر على لعب أدوارٍ لم يكن تصورها في السابق ممكناً. وباتت متابعة تطورات العدوان الإسرائيلي في قطاع غزة مرتبطة بشكلٍ وثيق بهذه الشخصيات، سواء كانوا صحافيين أو متحدثين أو أطباء...
لكن هذه الشخصيات لم تكن حصراً تلك الموجودة في غزة. فمن هذه الشخصيات كلّها، ثمة الكثير للتأمل حين يتعلق الأمر بالملياردير الأميركي إيلون ماسك، والمنجنيق الذي رماه ليحلق عاليًا في عالمٍ، مهما اتفقنا على تقييم حاله الراهنة بقسوة، لم يكن ليستحق شخصية رئيسية عرضية من هذا النوع.

الطيران الأول

أكمل ماسك عملية الاستحواذ على شركة تويتر (إكس حالياً) في أكتوبر 2022. منذ ذلك الحين، "تحرر الطائر" ثم لم يعد طائرًا، وصارت التقارير التي تشير إلى خسارة شركة تويتر أو إكس، أيًا كان اسمها، لقيمتها وأعداد المشتركين أو إنفاق المعلنين، تكرارًا مألوفًا لا ينكره ماسك نفسه.
وسواء تعلق الأمر باستثمار ماسك الحالي، أو السابق كشركة تيسلا، دائمًا ما كانت الإشارات إلى دور طائفة ماسك (مناصروه) في حمايته من الانتقادات أو الإبقاء على فقاعته متماسكةً، تحضر. إلا أنه عندما يتعلق الأمر بتطبيقٍ للتواصل الاجتماعي، من السهل تصوّر إلى ماذا ستؤول الأمور وكيف ستُعالج. وهو ما جرى بالفعل مع ظهور طبقة كاملة من "المؤثرين" الذين ملأوا الموقع، وخلفهم أعداد من الشباب، الذكور غالبًا، واضعين أمامهم صورة أسطورة "صنعت نفسها" (أي ماسك) وزعزعت قواعد اللعب وغير ذلك.

بعد الطوفان

بعد السابع من أكتوبر، كان كل شيء آخذًا بالتغيّر. وكان من الجلي أن التفاعل مع عملية طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي، لم يكن ينحصر على نطاقٍ إقليمي ضيق. فمع توسّع رقعة الاهتمام تعاظمت الحاجة إلى المعلومات، حتى إن عدداً كبيراً من المستخدمين الذين اتخذوا قرار مغادرة "إكس" وجدوا أنفسهم مضطرين للعودة، بشكلٍ مؤقت على الأقل.
إذا ربطنا هذا الواقع، بطبيعة إيلون ماسك وتعطشه للضوء، لم يكن لزخم الأحداث الكثيف أن يمر من دون تدخلٍ من العبقري نفسه، الذي التزم الحذر في البداية، مقدمًا رد فعل معياري يشبه غيره.
إلا أن القرار الإسرائيلي بتعمد قطع الاتصالات عن قطاع غزة كان لحظة مفصلية، إذ وجد أغنى رجل في العالم نفسه أمام مطالبات بتوفير الاتصال عبر تقنية ستارلينك (بصرف النظر عن صعوبة التطبيق الفعلي لهذا الاقتراح)، ليجيب بأنه سيوفرها لـ "المنظمات الإغاثية المرخصة"، وسط التهليل أو التنديدات.
ثاني النقاط التي توضح لنا كيف تعاظم حضور ماسك في هذه المسألة قد تكون بعيدة بعض الشيء عن المنطقة، ففي أحد ردوده على مغرّد، وافق ماسك على ما يمكن وصفه في أحسن الأحوال بنظرية مؤامرة تزعم أن اليهود يؤججون الكراهية ضد البيض، وأنهم يعكفون على تنفيذ عملية استبدال عرقي وثقافي للسكان البيض بمهاجرين غير بيض، الأمر الذي سيؤدي إلى "إبادة البيض". بعدها انسحبت شركات معلنة كبرى كانت قد صمدت خلال موجات الحماقة السابقة.
الملفت هذه المرة أن ماسك لم يضطر للاعتذار حتى، بعدما هاجمته رابطة مكافحة التشهير الأميركية، أو يقر بخطأٍ ما. وكل ما استلزمه الأمر لتعود الرابطة وتشيد بجهوده كان، بشكلٍ غريب، التعهد بحظر عبارات معينة مثل "من النهر إلى البحر" أو "نزع الاستعمار"، وكأن معاداة السامية والشأن الفلسطيني صارا قرينين فعليًا. هكذا، وكي يحفظ ماسك ماء الوجه بنفس الطريقة الغرائبية، استقل الطائرة ليلتقي برئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس إسحق هرتسوغ منذ أيام، ثم يطرح خطته المفصّلة لحل المشكلة وتشمل "قتل من يصرون على قتل المدنيين، وتغيير التعليم كي لا ينشأ جيل من القتلة، ونشر الازدهار" كما يقول.

يمكن تخصيص مساحة بأكملها لتحليل هذه الخطة الغريبة، والأصداء العنصرية التي تزخر بها، إلا أن الأجدر هنا هو التفكير بسؤالٍ قبلي: لماذا يقدم ماسك، بالمقام الأول، خطة للحل؟ وكيف صار إسهامه هامًا؟

ابتسم، أنت في العالم

قبل شهر تقريباً التقى ماسك برئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، والتقى قبلها قادة آخرين كرئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.
وبالنسبة لرجل أعمال من هذا الطراز، يبدو الثقل السياسي الذي يتمتع به غريبًا بعض الشيء، خصوصاً عند مقاطعتها مع الصورة السائدة عن السياسة بوصفها ملعبًا لـ"الكبار".
لا يمكن فصل ماسك عن طائفته، ولا يمكن فصل هذه الطائفة عن أحداثٍ عدة، تبدأ بهذا العصر، وتمتد لتشمل الخلل السياسي الذي صار من المعتاد إفرازه كل فترة لمكونات فاشية في معظم دول العالم. لهذا الفشل عواقب عدة، لناحية الدفع بشخصيات الواجهة (Front Characters) لتلعب أدوار المخلّص بلمسة "ستارلينك" سحرية مثلاً، والأهم الأذن التي نشكي لها سوء المعاملة أو نواجهها بالحقائق متسائلين: "هل رأيت هذا سيد ماسك؟ ماذا ستفعل حياله؟".
وبما أن الرئيس التنفيذي، أيًا كان، ليس المشكلة بقدر كونه واحدًا من أبرز أعراضها، فإن المسألة في الجوهر ترتبط بالمنظومة نفسها لا الأفراد وهي مسألة أكبر حجمًا بكل حال، إلا أن التركيز في الوقت الراهن على أهمية التعريفات لما تعنيه القضية الفلسطينية، بأصدقائها وخصومها وعلام تراهن؟ يبدو خيارًا معقولًا وضروريًا، وذلك ليس بغرض تجنب التناقضات وحسب، كما يجري حين ينتهي الأمر بوقتٍ ضائع لاستجداء رجل أعمال كان يتأمل المهاجرين العالقين على الحدود الأميركية منذ أشهر، بكل ما تقوله صورة كهذه، بل لإعادة تفحص هذه الخارطة في الوقت الراهن وبما تغير فيها ولم تعد تنفع معه بعض التصورات السابقة.
 

المساهمون