إدوارد سنودن ليس نادماً

إدوارد سنودن ليس نادماً

14 يونيو 2023
يقيم سنودن وعائلته في روسيا التي منحته جنسيتها (بيتو باراتا/فرانس برس)
+ الخط -

حذّر إدوارد سنودن من التطور الكبير والتطفل في تقنيات المراقبة اليوم، قائلاً إنها تجعل تلك المستخدمة من قبل وكالات الاستخبارات الأميركية والبريطانية التي كشف عنها عام 2013 تبدو وكأنها لعبة أطفال.

قبل عشر سنوات، أذهل إدوارد سنودن العالم حين سرّب بيانات سرية كشفت الطريقة التي كانت تجمع فيها وكالات استخبارات أميركية بيانات شخصية لمستخدمين حول العالم، بدءاً بمنشورات بسيطة على الإنترنت، وصولاً إلى اتصالات المستشارة الألمانية حينها أنجيلا ميركل. عشرة أعوام مضت واستخبارات واشنطن ما زالت تجمع كميات كبيرة من البيانات، لكنّ خطوة سنودن دفعت دولاً عدّة إلى تعزيز حماية الخصوصية.

في الذكرى العاشرة لهذه التسريبات، أكد سنودن في مقابلة مع مجلة جي سي إتش كيو إنه غير نادم على ما فعله، لكنه قال إنه يشعر بالاكتئاب بسبب اختراق الخصوصية في العالم المادي والرقمي. قال سنودن: "تطورت التكنولوجيا لتصبح ذات تأثير هائل. إذا فكرنا في ما رأيناه عام 2013 وقدرات الحكومات اليوم، فإن ما شهدناه حينها يبدو وكأنه مجرد لعبة أطفال".

وأعرب عن قلقه، ليس فقط بشأن الأخطار التي تشكلها الحكومات وشركات التكنولوجيا الكبرى، ولكن أيضاً بسبب كاميرات المراقبة المتاحة تجارياً وتقنيات التعرف إلى الوجه والذكاء الاصطناعي وبرامج التجسس المتطفلة مثل "بيغاسوس" التي طورتها شركة الهايتك والبرمجة الإسرائيلية إن إس أو، المستخدمة ضد المعارضين والصحافيين.

وبالعودة إلى عام 2013، قال سنودن: "وثقنا في أن الحكومة لن تخدعنا. لكنها فعلت. وثقنا في أن شركات التكنولوجيا لن تستغلنا. لكنها فعلت. سيحدث ذلك مرة أخرى، لأن هذه هي طبيعة النفوذ".

يعيش سنودن في المنفى في روسيا منذ عام 2013 بعد فراره من هونغ كونغ، حيث سلم عشرات الآلاف من الوثائق شديدة السرية إلى الصحافيين. يواجه انتقادات لوجوده في روسيا، رغم أنه يبدو أنه الخيار الواقعي الوحيد المتاح له بخلاف السجن في الولايات المتحدة. اشتدت الانتقادات منذ غزو أوكرانيا وحصوله على الجنسية الروسية العام الماضي، بعد عامين من تقديمه طلباً.

لكن على الرغم من كل هذه المعطيات، فإن سنودن لا يسهب في الحديث عن الماضي، ويكرر قوله: "أنا لست نادماً".

قلّل سنودن من إطلالاته العامة على مدار العامين الماضيين، إذ ألقى خطباً أقل، وتراجع عن إجراء المقابلات الصحافية والحضور على وسائل التواصل الاجتماعي. ويرجع ذلك جزئياً إلى التزاماته العائلية، فقد أنجب هو وزوجته طفلين. إلا أنه ظل على اتصال طوال العقد الماضي بالصحافيين الثلاثة الذين التقوا به في هونغ كونغ.

لكن ما كشف عنه كان له تأثير دائم، إذ عزّزت دول أوروبية وأميركية حماية الخصوصية، وسرّعت استخدام التشفير. بعد تسريبات سنودن، "بدأ، في كل ديمقراطية غربية تقريباً، نقاش تاريخي حول علاقة المواطنين ببرامج المراقبة الجماعية، وحول ما إذا كان الإشراف على هذه البرامج يحصل بطريقة مناسبة"، وذلك وفقاً لمحامي سنودن والناشط في الاتحاد الأميركي للحريات المدنية، بين ويزنر.

عام 2013، كان إدوارد سنودن يعمل في إدارة أنظمة وكالة الأمن القومي، ويبلغ من العمر 29 عاماً. قام بتنزيل آلاف الوثائق من وكالة الأمن القومي ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) تُظهر مدى شبكة جمع البيانات العالمية التي بدأت بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001. كشفت وثائق سرّبها سنودن سرّاً لصحافيين، في اجتماعات في هونغ كونغ، كيف كانت الاستخبارات الأميركية تعمل مع الاستخبارات البريطانية ووكالات أخرى لبناء ملفات عن مليارات الأشخاص بدون ترك مجال للشك. وأظهرت الوثائق أيضاً أنّ الولايات المتحدة كانت قادرة على التنصت على هواتف قادة دول حليفة، وأنّ وكالة الأمن القومي كانت تستخدم برنامجاً اسمه "بريزم"، لجمع بيانات المستخدمين من عمالقة الإنترنت، مثل "غوغل" و"فيسبوك"، بموافقتهم أو من دونها. وكانت وكالة الأمن القومي تجمع بيانات الاتصالات من شركة فيرايزون الأميركية، وقامت روتينياً بالبحث عن بيانات في شركات عامة ومستشفيات وجامعات.

وكشف سنودن أيضاً أنّ الاستخبارات البريطانية تمكّنت، بمساعدة وكالة الأمن القومي الأميركية، من امتصاص كلّ الحركة في كابلات الاتصالات العالمية الرئيسية تحت سطح البحر. والتقطت الاستخبارات البريطانية أيضاً خلسة ملايين الصور من كاميرات الحواسيب الشخصية لأشخاص خلال محادثات أجروها عبر موقع ياهو.

اعتبر سنودن أنّ المشكلة ليست تبرير التنصت بمكافحة الإرهاب، بل أنّ برامج التنصت هذه كانت سرية ولا تلتزم بحدود. وقال إنّ "على الجمهور أن يقرر ما إذا كانت هذه الأنواع من البرامج والسياسات صحيحة أم خاطئة".

أثارت التسريبات غضباً عاماً، بالإضافة إلى غضب الاستخبارات الأميركية التي اتهمت سنودن بتدمير برامج مكافحة الإرهاب ومساعدة أعداء واشنطن. غير أنّ الوكالات الاستخباراتية الأميركية رفضت التحدّث عن مدى الأضرار، مكتفيةً بالقول إنّ المراقبة والتنصت منعا حصول عشرات الهجمات.

عام 2016، تحدث مدير الاستخبارات الوطنية جيمس كلابر عن الضرر الرئيسي، وهو أنّ سنودن جعل عمل وكالة الأمن القومي أصعب، إذ دفع شركات الإنترنت والخليوي ومطوري التطبيقات إلى تشفير خدماتهم.

رأى ويزنر أنّ التسريبات عزّزت الحريات المدنية، حتّى لو أنّ عدد الشركات الإلكترونية التي تجمع بيانات المستخدمين يزداد. أرغم سنودن بتسريباته البيت الأبيض والكونغرس والقضاء، على عكس مسار أنشطة التجسس التي وافقت عليها سراً، ومراجعة أنشطة وكالة الأمن القومي، وإلغاء بعض البرامج. وقال ويزنر لوكالة فرانس برس هذا الشهر: "أصدر الكونغرس، للمرة الأولى منذ سبعينيات (القرن الماضي)، تشريعات لتقليص سلطات المراقبة بدلاً من زيادتها".

عام 2018، دخلت "اللائحة العامة لحماية البيانات" حيز التنفيذ، مستهدفة قدرة شركات أميركية مثل "غوغل" و"فيسبوك" على جمع بيانات المستخدمين واستخدامها بشكل حرّ. وكتب مدير قسم التكنولوجيا المسؤولة في شبكة أوميديار، غاس روسي: "أثّر كشف سنودن عن المراقبة العالمية على نقاش الخصوصية على الإنترنت في أوروبا بشكل ملموس". بموجب اللائحة العامة لحماية البيانات، فرضت أيرلندا على مجموعة ميتا، المالكة لموقع فيسبوك، غرامة بقيمة 1,3 مليار دولار الشهر الماضي لانتهاكها قوانين أوروبية لحماية البيانات، لأنّ البيانات التي تجمعها هذه المجموعة حول المستخدمين الأوروبيين، والتي ترسلها إلى الولايات المتحدة، لم تكن محمية من وكالة الأمن القومي ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.

لكنّ الصحافية المستقلة مارسي ويلر، المتخصصة في العلاقات بين الاستخبارات والقانون، شكّكت في المكاسب التي تحققت من تسريبات سنودن. وقالت ويلر إنّ وكالة الأمن القومي التي تُحسن التأقلم يمكنها إنجاز ما تريد "عبر وسائل أخرى". وأضافت لـ"فرانس برس": "أكبر مراقبة تستهدف الأميركيين (...) يقوم بها مكتب التحقيقات الفيدرالي وولايات وبلدات حتى مع إشراف أقل".

المساهمون