أفلام العيد... خمسة إنتاجات عن فلسطين ومنها

أفلام العيد... خمسة إنتاجات عن فلسطين ومنها

10 ابريل 2024
"ملح هذا البحر" لآن ـ ماري جاسر (فيسبوك)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الفلسطينيون في غزة يعانون من ظروف مأساوية تحرمهم من الغذاء، الماء، والرعاية الصحية بسبب الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ أكتوبر 2023، مما يجعل فرحة عيد الفطر بعيدة المنال.
- يُقترح مشاهدة أفلام فلسطينية على "نتفليكس" تسلط الضوء على القضية الفلسطينية، تعبر عن الأحوال، الآمال، والتحديات التي يواجهها الفلسطينيون، مقدمةً فرصة للتعرف على القصص الإنسانية.
- الأفلام المختارة تقدم قصصاً متنوعة تعكس الواقع الفلسطيني، مثل "فرحة"، "3000 ليلة"، و"ملح هذا البحر"، تسلط الضوء على الجرائم الإسرائيلية، الاعتقالات، وتحديات الحياة تحت الاحتلال.

لن يمرّ عيد الفطر على فلسطين وتحديداً الفلسطينيين في قطاع غزّة، بخير هذا العام. حرب الإبادة الإسرائيلية ضدهم، المندلعة منذ "طوفان الأقصى" (7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023)، تحرمهم حياة وأرضاً وحقوقاً طبيعية وعادية ويومية، كالمأكل والمشرب والطبابة، وطبعاً لا أمن ينعمون به، ولا سكينة تمنحهم، ولو قليلاً، فرح عيدٍ، وفرحة عيش.
رغم هذا، يُقدَّم هنا اقتراحٌ لمشاهدة أفلام فلسطينية معروضة، منذ أشهر، على شاشة المنصّة الأميركية "نتفليكس"، مع أنّ الكهرباء ممنوعة على قطاع غزّة، وشبكة الإنترنت غير سليمة. اقتراحٌ يُقدَّم إلى راغبين وراغبات في استعادة صُور سينمائية مستلّة من فلسطين (وبعضها من القطاع نفسه)، وتتناول فلسطين وناسها، وأحوالهم وآمالهم وأوجاعهم وتحدّياتهم. اقتراحٌ غير منفضٍّ عن جُرم إسرائيلي جديد، يُمارَس منذ ستة أشهر بعنفٍ غير مسبوق، وبوحشية يتفوّق الاحتلال الإسرائيلي على نفسه في صُنعها.

الجامع بين تلك الأفلام المختارة أنّها الأولى لمخرجيها ومخرجاتها، وجميعهم فلسطينيون، باستثناء أنّ فيلماً واحداً مخرجته أردنية.

"فرحة" (2021) لدارين ج. سلّام

أحدث الإنتاجات الفلسطينية المختارة في المنصّة الأميركية، يستعيد بداية الجريمة الإسرائيلية، المتمثّلة، منذ 76 عاماً، بإبادةٍ واقتلاع وتهجير قسريّ وعنف وحشيّ، تتجلّى كلّها يوم نكبة فلسطين (15 مايو/ أيار 1948)، وتستمرّ أسابيع وأشهراً بعدها، علماً بأنّ أنواعاً مختلفة من تلك الجريمة تُمارَس يومياً إلى الآن.
سلّام تكتفي بوقتٍ قليل قبل "النكبة"، لتروي حكاية المُراهِقة فرحة (كرم طاهر)، وحيدة والدها (أشرف برهوم)، والحالِمة بمتابعة دراستها خارج القرية، بدعم من عمّها (علي سليمان). حياة هانئة بالنسبة إليها، تعيشها برفقة صديقةٍ وكتبٍ وأحلامٍ بسيطة. كلّ شيءٍ يتبدّل مع اندلاع الحرب، وبداية الجريمة الإسرائيلية في بلدات وقرى بعيدة وقريبة من فرحة، التي يُدخلها والدها قبواً، يُغلق بابه بالمفتاح، لحمايتها من شرٍّ آتٍ بشراسة، واعداً إياها بالعودة قريباً.
جزءٌ أساسيّ من حكاية فرحة يُروى في القبو. أي إنّ كرم طاهر تُصبح وحيدةً مع فرحة، في فترة عمرية حسّاسة، من دون مُعين أو مُلهِم أو حامٍ، سوى جدران وعتمة ومُؤَن متفرّقة، وخوفٍ سيكون له تأثير معاكس، فبفضله تتحدّى فرحة تلك اللحظات القاسية، رغم سماعها صراخاً وأصواتاً تُنذر بالموت، ورغم مشاهدتها، من ثقبٍ في جدار، جريمة إسرائيلية يُنفّذها جندي بحق أفرادٍ بينهم طفل.
إحدى ميزات فيلم الأردنية دارين ج. سلّام تتمثّل بالتقاطه لحظة النكبة الأولى، لتبيان الجُرم الإسرائيلي بعينَي مُراهِقةٍ فلسطينية. مُشاهدته، أو إعادة مشاهدته الآن، في حرب الإبادة الإسرائيلية الحالية، تُتيح معاينة بصرية لأصل العنف الإسرائيلي، أقلّه منذ 76 عاماً.

"3000 ليلة" (2015) لمي المصري

اقتراح مُشاهدة أول روائي طويل للمخرجة الوثائقية مي المصري يتزامن مع "اغتيال" المناضل وليد دقّة في 7 إبريل/ نيسان 2024، في يوم بدء الشهر السابع لحرب الإبادة الإسرائيلية الأخيرة. تزامنٌ يترافق وتشابهاً بين سيرة المناضل الشهيد والنواة الدرامية الأساسية لـ"3000 ليلة": الاعتقالات الإسرائيلية الوحشية لفلسطينيين وفلسطينيات. فالفيلم، رغم معاينته أحوال فلسطينيات معتقلات في سجن إسرائيلي، مع معتقلات إسرائيليات، يكشف شيئاً من بشاعة إسرائيلية في التعامل مع كلّ فردٍ فلسطيني.
هذا حاصل من خلال حكاية ليال (ميساء عبد الهادي)، المُتَّهَمة بمساعدة شاب فلسطيني مطلوب من الأمن الإسرائيلي، لمشاركته بـ"اعتداءٍ" على حاجز عسكريّ، فتُزجّ بالسجن، ويُحكم عليها بالبقاء فيه 8 أعوام. ولأنّ المُدرِّسة ترفض الاعتراف بكذبة أنّ الثائر يُجبرها على مساعدته (لأنّ هذا غير حاصل، حقيقةً)، تجد نفسها في سجن يضمّ إسرائيليات وفلسطينيات في نابلس عام 1980. محاميتها وزوجها يحثّانها على الكذب لتنجو بنفسها من خطر الانزلاق في شقاء العيش اليومي في السجن، خصوصاً بعد اكتشاف حملها. التزامها الصدق في سرد الحكاية يحيلها على تجربة صدامٍ دائم مع محيطَين يتشابهان برفضهما إياها بدايةً، قبل أنْ يفتح المحيط الفلسطيني أبوابه لها، بينما يستمر الصراع بينها وبين المحيط الإسرائيلي.

"ملح هذا البحر" (2008) لآن ـ ماري جاسر

زمن أحداثٍ عدّة في هذا الفيلم تجري في راهنٍ، لكنّ المنطلق الدرامي عائدٌ إلى زمنٍ فلسطيني بعيد. ثريا (سهير حمّاد)، المولودة في بروكلين الأميركية، تأتي إلى بلدها الأصلي (فلسطين)، بل إلى مدينة أجدادٍ وأهلٍ (يافا)، لاستعادة ميراثٍ قديم لجدّها، مُودَعٍ في "البنك البريطاني" قبل "نكبة الـ48". هذا دافعٌ لها إلى البحث عن جذورها، وإلى التعرّف الحسّي المباشر إلى فلسطين.
منذ وصولها إلى مطار تل أبيب، ينكشف أمامها واقع الحياة اليومية لفلسطينيين وفلسطينيات في بلدهم المحتلّ. تواجِه تحدّياتٍ، رغم امتلاكها جواز سفر أميركياً (أليست أميركا حليفة إسرائيل وحاميتها؟). منذ تلك اللحظة، تغرف عينا ثريا، بنهمٍ شديد، كلّ ما تقعان عليه من وجوهٍ وأزقة ومنازل وساحات وأمكنة وفضاءات وحالات ومواقف، وهذه كلّها جزءٌ من تاريخ البلد وحاضره. لاحقاً، تنتقل الشابّة مع عماد (صالح بكري) ومروان (رياض عديس) إلى القدس ويافا، فتكون الرحلة انعكاساً لمعنى العلاقة المعطّلة بين الفلسطيني ـ الفلسطينية وبلدهما، فهناك أشياء كثيرة محرومان منها، والرحلة تمنح الأصدقاء الثلاثة بعضها، وهم يُدركون أنّ هذا مؤقّت.
تفاصيل جمّة تكشفها جاسر في سردها البصري للحكاية. الوديعة في "البنك البريطاني" حجّة درامية للتوغّل في أنحاء متفرّقة من فلسطين، أرضاً وتاريخاً وذاكرة، وشعباً وعلاقاتٍ ومتاهات، وخيبة وقهراً في مقابل تحدٍّ وبقاء (أيكون كلّ بقاء استجابة لقناعة؟ فهناك رغبة عميقة لدى كثيرين وكثيرات في الخروج من البلد المحتلّ). وهذا كلّه مرسوم سينمائياً بسلاسة وشفافية، كافيتين لمنح النصّ البصري ركيزته الأهمّ في قراءة راهنٍ وماضٍ.

حبيبي راسك خربان (2011) لسوزان يوسف

للضفة الغربية وقطاع غزّة حضورٌ فيه، وإنْ غير متساوٍ، درامياً وزمنياً (أي مدّة حضور كلّ منهما فيه). رغم هذا، يوغل الفيلم في سرد تفاصيل قصة عشق محرّم بين طالِبَين، قيس (قيس ناشف) وليلى (ميساء عبد الهادي). فالتحريم منبثقٌ من تقاليد اجتماعية صارمة في فلسطين ومدنها وقراها، تحول دون شيوع الحبّ من دون زواج. وقيس، الذي يبدو كأنّه متحدّر من سلالة قيس بن الملوّح، يهيم عشقاً بليلى، التي ترغب فيه وتجهد في إشهار العلاقة به أمام الجميع، رغم كلّ شيء.
المكان ـ الجغرافيا جزءٌ من المتتاليات البصرية، كما الحبّ. لكنّ سوزان يوسف غير متغاضية عن أهوال العيش الفلسطيني في بلدٍ محتلّ، فالتنقّل بين الضفة والقطاع دونه صعوبات وتحدّيات، تظهر بسلاسة تعبير يمزج صُوراً أكثر من كلامٍ، وهذا مُريح في المشاهدة. وإذْ يتبوّأ الحبُّ المشهدَ برمّته، فإنّ تداعيات الاحتلال والسلطة الفلسطينية الحاكمة هنا وهناك تنكشف مواربة أو مباشرة، بحسب اللحظة والانفعال.
والطَاِلبان، المُجبران على العودة إلى ديارهما في غزّة، يستمرّان في تحدّي العقبات، إحداها تتمثّل بإلقاء القبض عليهما في حاجز إسرائيلي، والأخرى في نزاعٍ خطر مع سلطات فلسطينية، تُحرِّم علاقة حبّ من دون زواج. قيس، الهائم في أزقّة وكتابات في العشق يُزيّن بها جدران مدينته، يريد ليلى زوجةً له، لكنّه غير متمكّن مادياً واجتماعياً، ما يُسبِّب مزيداً من حرجٍ وأذى وألمٍ وصعوبات.

"200 م." (2020) لأمين نايفه

يختار نايفه جدار الفصل العنصري مادة أساسية لصُنع فيلمٍ يبدأ بالانشقاق بين أب ـ زوج وأفراد عائلته، ويمتدّ في ثنايا الاجتماع والصراع مع المحتلّ، وابتكار أشكالٍ للعيش والمواجهة والاستمرار. والجدار هذا يشقّ أرضاً ويبتلع حقّاً ويُبدِّل معالم جغرافيا، ليزيد على الفلسطينيين والفلسطينيات ضغوطَ عيشٍ، وقهرَ يوميات، ومصائب علاقة وانفعال.
مصطفى (علي سليمان)، المُصاب بعطبٍ في ظهره، يحاول أنْ يعمل لإعالة زوجته سلمى (لنا زريق)، التي تمارس وظيفتين لتلبية الحاجات اليومية لهما، ولأولادهما الثلاثة، مجد ومريم ونور (توفيق ومريم وسلمى نايفه). لكنّ مصطفى يُقيم في جهةٍ مقابلة للجهة التي تُقيم فيها عائلته، والفاصل بينهما ذاك الجدار اللعنة. التواصل بينهما حاصلٌ، لكنّ المساء خانقٌ، وإشعال ضوء في شرفة منزل للتمنّي بليلة هادئة فعلٌ يومي، فيه مرارة وقهر، وكثير من الحبّ رغم كلّ شيء.


إصابة يتعرّض لها مجد، تدفع مصطفى إلى بحثٍ دؤوب عن سبيلٍ للوصول إليه في مشفى إسرائيلي. تلك الرحلة تعكس أهوالاً ومواجهات فلسطينية لا تكاد تنتهي. أمّا عنوان الفيلم فدليلٌ على أنّ المسافة بين الجهتين تبلغ 200 مترٍ فقط، ومع هذا يحتاج مصطفى إلى جولة في بلده، مليئة بكلّ ما يُمكن أنْ يصنع في الفرد بؤساً وخيباتٍ ووجع. الضوء في الشرفة إشارة إلى تواصل فلسطيني يتحدّى احتلالاً وبطشه.
في كتابته السينمائية، يتجنّب نايفه قولاً مباشراً، دافعاً شخصياته إلى كلامٍ يكفي، إلى حدّ كبير، للتعبير عمّا يُراد التعبير عنه. فالمواربة الكلامية أداة أفضل للتعبير، وجعل الصُور واللقطات والتعليقات والملامح مرايا تعكس ذوات وهواجس وقلاقل، وسيلة أجمل للبوح.

المساهمون