"آشلي ماديسون" واقتصاد الرغبة

24 مايو 2024
يتناول الوثائقي فضيحة تسريب بيانات مستخدمي الموقع عام 2015 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- وثائقي نتفليكس "آشلي ماديسون: علاقات سرية وكذب وفضائح" يتناول تأسيس الموقع الكندي والفضيحة العالمية في 2015، حيث كشفت أسماء المشتركين، مما أثار ضجة بسبب تركيز الموقع على الخيانة الزوجية.
- يركز الوثائقي على الجشع والرغبة في الربح لدى المؤسسين، ويستعرض تأثير تسريب البيانات على زوجين محافظين، مبرزاً التناقض بين الربح المادي والقيم الأخلاقية.
- يستكشف الثغرات الأمنية التي استغلها القراصنة ويتأمل في تأثير الرأسمالية على العلاقات الإنسانية، مقدماً نظرة فلسفية على كيفية تشكيل الرغبات والعلاقات في ظل الأيديولوجيا السائدة.

بثت منصة نتفليكس أخيراً وثائقياً من ثلاث حلقات بعنوان "آشلي ماديسون: علاقات سرية وكذب وفضائح" الذي يتتبع تأسيس موقع التعارف الكندي، والفضيحة العالمية التي تسبب بها عام 2015، حين هددت مجموعة من القراصنة بتسريب أسماء كل المشتركين فيه، وهذا ما فعلته لاحقاً، كون الموقع لم يُغلق نزولاً عند طلب القراصنة.

انطلق الموقع عام 2002 في لحظة لم تكن فيها مواقع التواصل الاجتماعي على ما هي عليه الآن، ناهيك عن أنه لم يكن موقع تعارف عادياً، بل كان خاصاً بالمتزوجين. بصورة ما، كان موقعاً يراكم الربح على أساس "الخيانة الزوجيّة"، تلك التي أشعلت لسنوات غضب المحافظين في الولايات المتحدة، كون الموقع يروج لـ"خطيئة" تتعارض مع الأخلاق الدينيّة.

يكشف الوثائقي كواليس عمل الموقع، وفرح المؤسسين بالمال، وأسلوب ترويجهم للموقع، إلى حد الترويج للخيانة الزوجية، كل ذلك في سبيل الربح. وهنا بالضبط نكتشف عطب الرأسمالية، كل شيء مباح في سبيل الربح، ولو على حساب مكونات الأسرة الرئيسية (الزوج والزوجة). ويستعرض الخيط الحساس الذي لعب عليه الموقع، من خلال حكاية الزوجين المحافظين (سام ونينا)، وكيف فُضح سام حين حصل التسريب، كونه استخدم الموقع مرّة واحدة، مدمّراً عش الزوجيّة المثالي، الذي أُنقذ لاحقاً، لأن غواية الربح من القناة التي يديرانها (2.5 مليون مشترك) أكبر من الإخلاص الزوجي.
نكتشف أثر الرأسمالية بدقة في اللحظة التي يكتشف فيها سام، كالملايين غيره، الموقع وما يقدمه.

ببساطة، نحن نشهد لحظة خلق الرغبة، وخلق قنوات جديدة لرغبة لم تكن موجودة، يقدمها الموقع من دون أن يلبيها كلياً. والصفقة بسيطة، ادفع/ـي لتخون/ـي، تحت شرط السريّة، ذلك الذي لم يراعِه الموقع أبداً، إلى حين حصول الفضيحة عام 2015، وتسريب أسماء جميع المشتركين.

اللافت أن الموقع لم يستفد، أو على الأقل يأخذ الحذر الكافي إثر ما حدث عام 2014، حين تسربت كمية هائلة من صور المشاهير الشخصية في سحابة "آبل"، في حدث تسبب بفضيحة عالمية، على الرغم من تردد الخوف من القرصنة على لسان القائمين على الموقع. لكن ببساطة، هو الطمع الذي أعمى عيون القائمين على الموقع.

الواضح أن المشكلة كانت أمنية، تتمثّل في ثغرة استخدمها قراصنة لابتزاز أصحاب الموقع، ليس بالمال، بل بطلب بسيط: "أغلقوا الموقع"، بهدف الحد من الاستثمار في "الخيانة الزوجية"، ما يعيدنا إلى مفهوم الرأسمالية نفسه. "كل شيء" مساحة للاستثمار، كل شيء قابل للتسليع، سواء كان مادياً أو معنوياً أو أخلاقياً، ببساطة الرأسمالية وحش.
وحشية الرأسمالية لا تُكشف إلا في لحظات الأزمة، التي عند حلّها لا تختفي (عاد موقع آشلي ماديسون إلى العمل)، بل عبر تطبيعها، أي تحويل الشرط الرأسمالي إلى حالة طبيعيّة، جزء من الحالة الإنسانية التي لا يمكن الاستمرار من دونها. وهذا ما حصل اليوم، برامج المواعدة أصبحت شديدة التنوع، إلى حد أنها تلبي "كلّ" الفانتازمات، مقابل اشتراك شهريّ.

نتلمس في الوثائقي ما هو نوستالجي. عام 2015، لم تكن الإنترنت بالشكل التي هي عليه الآن. "يوتيوب" كان فعلاً منصة لمشاركة الحياة اليومية للهواة، ولم نكن بعد في زمن هيمنة الريلز. حينها، لم تكن "الخوارزميات" بالشدة التي هي عليها الآن. والأهم، لم تكن الفضيحة الجنسية شديدة الانتشار، إلى حد وصولها إلى رئيس الولايات المتحدة السابق، دونالد ترامب، الذي يحاكم بسبب خيانة زوجية، وليس تحريضه على انقلاب.

لا نحاول إصدار أحكام أخلاقية على أحد في ما يخص المستخدمين أو مصممي هذا النوع من المنصات/الخدمات. لكن ما يهم هو سؤال الرغبة والرأسمالية؛ السؤال الفلسفي المطروح منذ الثمانينيات إلى الآن، ومفاده: إلى أي حد تبدو ماكينة الربح قادرة على تطبيع رغباتنا؟ والأهم: هل الأشكال القائمة للعلاقات هي الطبيعيّة، أم أنها كلها (الأخلاقية وغير الأخلاقية) نتاج الأيديولوجيا؟ يكفي البحث عمن يكسب المال، كي نصل إلى إجابة.

المساهمون