"مشوار ستي"... دلال أبو آمنة تجوب فلسطين وأغنياتها

"مشوار ستي"... دلال أبو آمنة تجوب فلسطين وأغنياتها

16 فبراير 2022
أثناء تصوير برنامج "مشوار ستي" (فاتن أبو آمنة)
+ الخط -

تستعيد الفنانة الفلسطينية، دلال أبو آمنة، في برنامجها "مشوار ستي"، الذي يُبث على فضائية "العربي 2"، أغاني من التراث الفلسطيني. يتميز البرنامج بأنّه لا يستند على الصيغة التقليدية لهذا النوع من المواد التلفزيونية؛ إذ لا تجلس الفنانة في استوديو مغلق، وتجري مقابلات هناك. وإنّما، تمضي بنا إلى مدن فلسطينية عدّة، تلتقي فيها بسيدات معمّرات، يحفظن أغاني التراث الفلسطيني، وما تعبّر عنه، سواءً لناحية مواضيع اجتماعية، أو أخرى وطنية.
تصعد أبو آمنة في باص برفقة سيدات من مدينة الناصرة، يرددن الأغاني طوال الطريق، إلى أن يصلن إلى المدينة التي سنتعرف أكثر على تراثها الغنائي. كما نلتقي، في كل مدينة، بباحث ومرشد مختصّ. هناك، نستمع إلى الحكايات التي تختبئ خلف تلك الأغنيات. وفي كل مدينة، نتعرّف أيضاً إلى أغان تراثية لم نستمتع إليها من قبل، أو على الأقل لم تكن مألوفة للجمهور.
في هذا السياق، التقت "العربي الجديد" دلال أبو آمنة، لتحدثنا عن برنامجها. تقول: "بدأ مشروع "يا ستي" قبل سبع سنوات، ولاقى نجاحاً كبيراً؛ إذ زرنا أيضاً بلداناً عدة حول العالم، مثل كندا وأميركا، وبعض البلدان الأوروبية. هناك، ظهرنا على المسرح مع نساء فلسطينيات من الشتات، إلى جانب مجموعة من المرافقات اللواتي خرجن معنا من الناصرة. وهكذا، تطوّر الأمر إلى أن أصبح البرنامج تلفزيونياً".
تضيف: "في "مشوار ستي"، نروي حكايات المدن الفلسطينية من خلال الأغنية التراثية، خصوصاً تلك التراثية منها، التي نتعرّف عبرها إلى عادات النساء. ننظر إلى فلسطين عبر عيون هؤلاء السيدات".
وعمّا إذا كان هناك مقولة سياسية لهذا البرنامج، توضح أبو آمنة: "نعمل على تعزيز مكان الإنسان الفلسطيني أمام الجمهور العربي؛ فهو إنسان له تراثه وتاريخه وإرثه وحضارته". تضيف: "قبل النكبة، كان هناك حراك فني وثقافي لافت في فلسطين، وكانت الأخيرة مزاراً ثقافياً لكثير من الأدباء والفنانين".


يتوجّه البرنامج، أيضاً، إلى الفلسطينيين في الشتات، كي يبقوا، كما توضح أبو آمنة، على تواصل مع بلدهم الأم؛ إذ إن هذا التراث يمثّل قاسماً مشتركاً يتوزع على كافة أطياف الشعب الفلسطيني. في هذا السياق، نسأل أبو آمنة عن بعض الأغاني، مثل "بيّاع التفاح"، إذ نجد لها صيغتين تختلفان اختلافات بسيطة، بين الناصرة ونابلس. هل يمتد هذا التشابه لينسحب على التراث الغنائي في بلاد الشام؟ تقول: "هناك قواسم مشتركة كثيرة تجمع بين فلسطين وتراث بلاد الشام، ومنطقة الهلال الخصيب كذلك، حتى أنّنا تلقينا رسائل بهذا الخصوص تشير إلى تشابه هذه الأغاني. هي منطقة ذات حضارة وتاريخ مشترك، وأعرّف نفسي على أنني فلسطينية شامية وعربية".
تشير أبو آمنة إلى أن تلك العناصر البسيطة التي يتكوّن منها الغناء الشعبي، مهمّة للغاية، ولديها قدرة تأثير فطرية: "يُنظر أحياناً إلى الموروث بدونية، وقلة تقدير. لكن، للموسيقى الفلكلورية أثر مهمّ حتى على دماغ الإنسان".


توضح أبو آمنة أن هذه الأغاني لم يوثّق تاريخ لظهورها، لكنها تعود، على أقل تقدير، إلى 120 عاماً: "حُفظت هذه الأغاني وجرى تناقلها من خلال الجلسات واللقاءات بين الناس". تسوق، هنا، الفنانة مثالاً، تقول: "أغنية "يا ميمة حوشي" بالأصل أغنية من ألحان داود حسني، وغنتها منيرة المهدية. في الناصرة، تحضر هذه الأغنية وهذا اللحن، لكن مع تحويرات وتغييرات في الكلمات، من شأنها أن تتلاءم مع المنطقة".
تضيف: "الأغنية التراثية مبنية، في معظمها، على لحن مكرّر. جاء ذلك من الموروث الغنائي الديني القديم. مثلاً، أغنية "هالأسمر اللون"، بالأصل، هي أغنية بيزنطية قديمة". هنا، نسأل أبو آمنة عن التحديات التي واجهتها أثناء بحثها عن نساء يحفظن هذا التراث ويعرفن خباياه وحكاياته. تقول: "لم يكن الأمر سهلاً، كما لم يكن صعباً كذلك. كان علي أن أعثر على نساء معمّرات. هذه الموسيقى جرى تناقلها شفوياً، وهي تمثّل جزءاً مهمّاً من تاريخنا الشفوي. هكذا، بعد العثور على هؤلاء السيدات، نستمع إلى الأغاني منهنّ، نضيف فقط توزيعاً جديداً من شأنه أن يُضفي على هذه الأغاني بريقاً خاصّاً. لكننا لم نُحدث أي تغييرات في بُنية الأعمال وجوهرها، بل حافظنا على الإيقاع وانسيابية الغناء".
أما عن السيدات النصراويات اللواتي يرافقنها دائماً، منذ سبع سنوات، تقول: "لهنّ دور أساسي في هذا العمل؛ إذ أضفى مصداقيةً وعفوية على الطرح. هن لسن أكاديميات أو متخصّصات بالموسيقى، كل واحدة منهنّ لها خلفية مختلفة. وحضورهنّ مهم، أيضاً، في تعزيز دور المرأة الفلسطينية وتبيان ريادتها في حفظ هذا الموروث. للبرنامج بعد توثيقي يساهمن فيه كثيراً، وأهم من ذلك، هناك دور ذات بعد وطني وعربي".

في برنامج "مشوار ستي"، لا تؤدي أبو آمنة الأغاني على مسرح، أو في بيوت تلك السيدات، وإنما يجري تصوير الأغاني في شوارع وأزقة كل مدينة تزورها؛ إذ يلعب الفضاء العام دوراً مهمّاً في تكوين الأغنية وإخراجها للجمهور. تعلّق: "سبق لي أن غنيت في الشارع أيضاً، لكن لم يكن الأمر دارجاً ومحورياً كما في البرنامج. نزولي إلى تلك الشوارع والأزقة، يمثّل شكراً وعرفاناً وامتناناً لها، فهي ساهمت في بناء موروثنا أيضاً. ولولا هذا الغناء الشعبي، لما استطعنا أن ننتقل إلى الغناء الحديث".

المساهمون