"رابرجيّة" على لائحة الاتهام: البحث عن الجريمة وسلاحها في الأغاني

"رابرجيّة" على لائحة الاتهام: البحث عن الجريمة وسلاحها في الأغاني

25 مايو 2022
نجا المغني 6ix9ine من حكم نهائي عام 2018 (جون بارّا / Getty)
+ الخط -

يواجه مشهد الراب، في مدينة أتلانتا الأميركية، توترًا شديدًا، بعدما وُجهت لائحة اتهام واسعة لأكثر من عشرين فنانًا، ومنهم يونغ ثاغ Young Thug وغنّا Gunna. اللائحة المؤلفة من 88 صفحة، تشمل مجموعة كبيرة من الأنشطة الإجرامية المباشرة وغير المباشرة، بدءًا من السطو المسلح والاعتداء بسلاح مميت، إلى القتل وانتهاك قانون "ريكو" لمحاربة المافيا وجماعات الجريمة المنظمة.
أثار خبر إلقاء القبض على مجموعة فناني أتلانتا المعروفين باسم YSL قلق مجتمع الراب المحلي، وكثيرًا من وجوهه البارزة الذين أكدوا على أن YSL ليست عصابة شارع، وإنما شركة إنتاج مرخصة، قدمت عددًا لا يحصى من الوظائف لذوي البشرة الملونة وغيرهم.
تحدد اللائحة جيفري لامار ويليامز، المعروف باسم يونغ ثاغ، رئيساً لعصابة الشارع المفترضة، وهو مغني الراب وكاتب الأغاني الأميركي الأكثر تأثيرًا على جيله، وعلى موسيقى الهيب هوب والتراب في شكلها الحديث.
الغريب في تلك القضية، أن مكتب المدعي العام لمقاطعة فولتون، وجه تهمه بحق الفنانين المذكورين بناء على كلمات أغانيهم وحدها. لهذه الغاية، استُشهد بأغنية Take It to Trial، وهي أغنية من مجموعة Slime Language 2 الصادرة عن YSL العام الماضي، والتي تتضمن شطراً كتبه كلّ من Young Thug وGunna، يوحي باستعدادهما لارتكاب جريمة قتل إذا ما تطلب الأمر. إضافة إلى كلمات الأغاني، أشارت لائحة الاتهام، إلى المجوهرات والوشوم، وحتى الرموز التعبيرية (الإيموجيز) من ثعابين خضراء وقيء، بوصفها أدلة داعمة.

اعترض محامو الولاية على ما سمّوه تطاولاً واضحاً على الدستور الأميركي، الذي يضمن حرية التعبير، وخاصة التعديل الأول منه. وأكد المحامي ماني أرورا، أن استخدام كلمات الراب كدليل في المحاكمات القضائية، سيتسبب بزج كل الموسيقيين في السجن.
يشير منتقدو التوجه القضائي المجحف، وناشطون حقوقيون عديدون، إلى احتمالية تغلغل سياسات التمييز والتفرقة العنصرية إلى قلب القرار، إذ يوضح أرورا أن هذه الاستراتيجية القانونية، تستهدف الفنانين السود ومغني الراب منهم على وجه الخصوص. إلا أن المدعية العامة، فاني ويليس، أكدت في مؤتمر صحافي، أنها تتوقع مثل هذه المماحكات، وشددت على أن لمكتبها الحق الكامل في الاعتماد على كلمات الأغاني بوصفها جزءًا من نمط إجرامي استمر لسنوات عدة، بشكل علني وصريح.
ليست هذه المرة الأولى التي تُستخدم فيها كلمات الراب دليلاً قضائياً في المحاكمات الجنائية، إذ أوضح الاتحاد الأميركي للحريات المدنية (ACLU)، أن المحاكم اعترفت بكلمات موسيقى الراب كأدلة، أثناء المحاكمة، في قرابة 80% من القضايا التي نُظر إليها منذ عام 2006 وحتى عام 2013، فوجد بوبي شموردا Bobby Shmurda مذنباً بموجب القانون ذاته في عام 2014، ونجا المغني سيكسناين 6ix9ine من حكم نهائي عام 2018. والأسوأ من ذلك، اعتُبرت كلمات هذه الأغاني في بعض الولايات، مؤشرًا على الدافع والنية حتى قبل حدوث أي فعل إجرامي، وذلك ما حدث في محاكمة فونتي سكينر في عام 2014، حين قررت محكمة نيوجيرسي محاكمة الرابر، وفق كلمات أغانيه التي كتبت قبل سنوات من حادثة إطلاق النار المشتبه تورطه فيها.

تتعارض الاستراتيجية القانونية في استخدام كلمات الراب في المحكمة، مع حرية التعبير

تتعارض الاستراتيجية القانونية في استخدام كلمات الراب في المحكمة، مع حرية التعبير التي يضمنها الدستور الأميركي ويحمي بموجب "السلوك التعبيري". الراب، من وجهة نظر كثيرين، يتجاوز كونه تعبيرًا فنيًا فحسب، بل يكاد يغدو خطاباً سياسيًا، يتمتع بامتيازات عديدة، يكفلها التعديل الأول الذي يمنح التعبير السياسي حماية خاصة. من البديهي أن تتطلب الحرية الفنية السياسية مجالًا واسعًا، يبدو أنه على وشك التقلص بفعل استخدام كلمات الراب، كدليل غير منظم قضائياً، فلا قانون يوضح آلية التعامل مع النصوص المغناة، وما من ضامن قانوني ينفي احتمالية التأويل الفردي لمعنى الكلمات التي يجب أن تُفسر في سياقها، ويُنظر إليها من خلال عدسة فنية، ليست إجرامية، كما جرت إحدى المحاكمات القضائية لمغني راب أميركي، حين استعانت المحكمة بشرطية محلية لشرح المفردات العامية المستخدمة عبر الأغنية، أملًا أن يجرم معناها صاحبها.

يرى محبو موسيقى الراب والخبراء والأكاديميون، أنه من المرجح أن ينتهز السياسيون اليمينيون تلك الثغرة القانونية لحرمان الشباب من التعبير عن رأيهم بحرية، في ما يتعلق بالقضايا العامة والشخصية، حتى أن بعضهم يقارن استخدام كلمات الفنان ضده بقانون مكافحة الإرهاب، الذي عرّض كثيرًا من الفنانين في كوبا وكمبوديا والبرازيل لملاحقات قانونية، تحت حجة انتقاد الحكومة والنيل من هيبة الدولة.
أما السبب الإضافي الذي يجعل استخدام كلمات الأغاني فشلًا قانونيًا، فيتمثل في جوهر الراب الذي يقوم على أساس المبالغة والتلاعب اللفظي، فضلًا عن احتوائه عنفًا لا جدال حوله، يحضر كانعكاس للمجتمع الذي يعبر عنه الراب، ليس كحقيقة تعبر عن واقع المغني. يخلق مغنو الراب شخصيات خيالية (بيرسونا) ويميزونها بصفات جسدية ونفسية وأيديولوجية محددة، ويبتكرون أسلوبًا لها في الكلام والحركة. يعتقد إيريك نيلسون، الباحث في شؤون الراب في جامعة ريتشموند، أن مغني الراب هو مؤلف وليس راوياً، أي أنه لا يكتب مذكراته الخاصة، بل أحداثًا متخيلة من واقع الشخصية التي يؤديها على الخشبة وأمام الجمهور.

نجوم وفن
التحديثات الحية

ليس سراً أنّ للراب أعداء أكثر مما لديه من حلفاء، كما أنّ جمهوره أكثر حصراً، إذا ما قورن بأنواع أخرى من الموسيقى، مثل البوب أو الجاز. يعود ذلك إلى طبيعته الخاصة ذات الطابع السياسي النقدي والهجومي الساخر، وللوصمة التي ألحقت به إزاء ربطه المباشر بعصابات الشوارع، وبأسلوب الحياة المتطرف، وغيرها من الأسباب الاقتصادية والطبقية التي انتهت إلى اتفاق ضمني على أن الراب ليس للجميع. من المحتمل أن يخلف ذلك النفور الاجتماعي الواسع من الراب، دوناً عن غيره من الأنواع الموسيقية، صداه على حكم القضاء وعلى هيئة المحلفين؛ فيقودهم إلى قرار تمييزي وغير موضوعي، لا يشك في نوايا مغني الكونتري جوني كاش، بكل ما تحتوي كلمات أغانيه من إشارات قتل وعنف، لكنه قد يجرم مغني الراب وفق ذات المعيار المزدوج.

يستشهد نيلسون بدراسة نفسية أجريت أواخر التسعينيات، وكان نتيجتها أن الناس أكثر عرضة للاعتقاد بأن ذكرًا أسود قادر على القتل، إذا ما عرضت عليهم أمثلة من كلمات الراب العنيفة والجنسية التي يصنعها أو يستمع إليها.
وقع جاي زي، ومعه مجموعة من مغني الراب الشهيرين، عريضة لإنهاء استخدام كلمات المغني ضده في المحاكم. وعلى الرغم من تضامنهم غير المشكوك في نواياه، إلا أننا قل ما نرى مغني الراب المعروفين، يتعرضون لذات التجاوز القانوني الذي تعرض له مغنو أتلانتا؛ إذ يتضح أكثر وأكثر أن الهدف من تلك الممارسات غير العادلة، هم مغنو الراب اليافعون، ممن لا زالوا في بدايات مسيرتهم الفنية، وهم في الغالب غير محميين بإمبراطوريات الراب الضخمة.
السوق، أيضاً، يقود فناني الراب الجدد لتسويق أنفسهم بشكل نمطي، يتوافق مع ما هو متوقع منهم. لعل تصريح أنتوان ستيوارد ، وهو أحد مغني الراب الذين تعرضوا إلى محاكمة استخدمت فيها كلمات أغانيهم ضدهم، هو أوضح دليل على الحلقة المفرغة التي يدور ضمنها الراب المعاصر. "راب العصابات هو ما يبيع"، يقول لنا ستيوارد الذي صادف أن زادت المحاكمة من شعبيته بشكل هائل، مكرسة الفكرة القديمة نفسها عن الراب كنوع موسيقي يقوده خارجون عن القانون.

لا شك في أن استخدام كلمات موسيقى الراب ومقاطع الفيديو الموسيقية كدليل قانوني، يغذي الصورة النمطية العنصرية، ويعزز الفهم الخاطئ عن الرجال والفتيان السود كمجرمين محتملين، لا بل قد يتسبب في حكم خاطئ يذهب ضحيته أبرياء.

المساهمون