تطبيقات الأبراج: من تظنّ نفسك؟

14 اغسطس 2019
تنتشر هذه التطبيقات بكثرة بين جيل الألفية الثالثة (Getty)
+ الخط -
لا يمكن نفي النزعة الروحانيّة والماورائيّة من حياتنا اليوميّة، مهما تطور العلم والتكنولوجيا، و"نُزع السحر" من هذا العالم، يبقى تيار من الروحانيات يبث وينتج يومياً، ويعتمد عليه الكثيرون في حياتهم. من هذا التيار، هناك العلوم الساذجة، كالأبراج وتفسيراتها، التي أصبحت صناعة متكاملة، ومؤخراً بدأت تقتحم عوالم التطبيقات الهاتفيّة، إذ بإمكان الواحد منا أن يعرف "برجه" لا فقط في بداية النهار، بل لحظة بلحظة، ليصبح الفرد أشبه بعلاقة مباشرة مع حركة الكواكب.
أخيراً، قامت شركة "كو-ستار Co-star" في سيليكون فالي بجمع خمسة ملايين دولار، لتطوير تطبيقها الخاص بالأبراج، الذي يقدم خدمات شخصيّة لكل مستخدم، بحيث يكون برجه خاصاً به، لا يشاركه مع الآخرين ويعمل على تأويله وحده. تأتي خطورة هذا البرنامج أنه، ككل التطبيقات الأخرى، متصل بالتاريخ الشخصي الموجود في الهاتف النقال الخاص بالمستخدم، ما يعني تأثيراً أكبر، ملائماً لسلوك كل فرد وبصمته الرقميّة، التي تبدأ من تاريخ الولادة وتنتهي بأسلوب تصفح الإنترنت، والأماكن التي زارها، وجدول المواعيد، وكل ما نعتمد فيه على هواتفنا النقالة.
يقدم البرنامج نفسه كوسيلة للتحرر من التهديدات اليومية المتنوعة، من الخطر البيئي والحرب النوويّة، إلى الزحمة في القطار، هو أشبه بمساحة آمنة ووسيلة لإيجاد معنى في دوامة الجنون المحيطة بنا، إذ يعتمد على المعلومات العلميّة من ناسا لفك رموز الكون وتحديد علاقته مع كل مستخدم، فهو يعمل على "ربط التجربة الإنسانيّة عبر المكان والزمان، لأن علم الأبراج يتجاوز غرف النوم وأعمالنا اليومية، هو يضيف سحراً وغموضاً إلى عالم مريض وقلق، ويجعل الإيقاع اليوميّ جزءاً من إيقاع الكون الواسع".

يتيح البرنامج، مقابل ثلاثة دولارات، خاصية مقارنة برجك وإيقاعك النجمي مع إيقاع شخص آخر، ليتحول إلى واحد من أكثر البرامج تحميلاً منذ إطلاقه، متجاوزاً عتبة الثلاثة ملايين مستخدم، أي إن هناك ثلاثة ملايين شخص يتلقون تعليمات من ذكاء اصطناعي عن أسلوب حياتهم. وبالطبع، كأي نظام أبراج، هو يكتفي بتعليقات عامّة، "ما رأيك ألا تضيع وقتاً اليوم؟" و"من تظن نفسك اليوم؟" و"هل تنوي أن تقوم بشيء جيد أو سيئ اليوم؟".
صناعة الروحانيات هذه تقدّر بملياري دولار، وبعضها أشدّ شخصية، كبرنامج "Sanctuary" الذي يؤمن للمشترك مقابل 20 دولاراً شهرياً خبير أبراج يقيم جلسة أسبوعيّة خاصة لمدة 15 دقيقة، إلى جانب كونه متوافراً في أي لحظة لتبادل الرسائل النصيّة مع المستخدم لإرشاده في حياته اليوميّة.
وكباقي البرامج، هناك خطر يرتبط بالمعلومات الشخصيّة التي تعتمدها هذه البرامج، من أجل تقديم "النصائح" وإمكانيّة استغلال ذلك من قبل الشركات الإعلانيّة، التي قد تحول هذه المنصات إلى وسيلة للترويج لمنتجاتها، كما حصل مع البرامج التلفزيونيّة سابقاً كدكتور أوز، الذي استدعاه القضاء لأنه متهم بالترويج لمنتجات لا دوائية على أنها صحيّة، مستفيداً من مهنته طبيباً، والأمر أخطر مع برامج الأبراج، لكونها بالأصل لا تعتمد على العلم، بل على معطيات فلكيّة والسلوك الشخصي للفرد، ما يجعل أسلوب التأثير أشد وأخطر.
المثير للاستغراب في هذه التطبيقات، هو انتشارها بين جيل الألفية الثالثة، الذي وُلد المنتمون إليه في عالم شديد المادية والهيمنة التكنولوجية، فهذه البرامج تعكس عجزاً عن تغيير العالم، إذ تربط المصير الفرديّ بعلوم وروحانيات متخيّلة، بصورة أدقّ إيقاع الكون وأجرامه، التي يبدو تأثيرها عبثياً على الحياة اليوميّة المضبوطة بالسياسة والاقتصاد والظاهرة الثقافية، وكأن هذه البرامج أشبه بعلامة على العدميّة، والإيمان بعدم القدرة على جعل الحياة أفضل.

هذه التطبيقات تكشف أيضاً عن اليأس العميق الذي أصاب البشريّة، لدرجة تحول الحياة اليوميّة إلى صراع للبقاء، وتهديد دائم لجسد الفرد المعرض للحوادث والسموم، والضائع بين غابات الإسمنت والقمع السياسي والاستغلال الاقتصادي، وخصوصاً بعد فقدان الثقة بالمؤسسة الدينيّة، ليظهر علم الفلك بديلاً روحانياً وعاطفياً يمكن أن يخفف ضغط الحياة اليوميّة ومخاطرها.
دلالات
المساهمون