ريم نصر: سقطنا في حالة مستمرة من الحنين

ريم نصر: سقطنا في حالة مستمرة من الحنين

19 ابريل 2019
تطل في رمضان في مسلسل "مقامات العشق" (فيسبوك)
+ الخط -
تعيش الدراما السورية حالة غريبة من نوعها. حالة من الحنين إلى الماضي، والتسليم بأن كل ما أنتج سابقاً هو مثال أعلى لن نتمكن من تحقيقه مجدداً. ورغم ذلك، لا يتوقف إنتاجها وتزداد غزارة. لكن هذا الحنين نَجَمت عنه سلوكيات غريبة في الصناعة الدرامية، أبرزها: المحافظة على الثوابت؛ إذ نجد أن الدراما السورية اليوم لا تزال منغلقة على نفسها بوجه أي محاولة للتغيير نحو مستقبل مجهول، ويفضل صناعها العودة إلى الماضي. هذا الأمر أثر بدوره على جيل كامل من الممثلين السوريين، الذين وجدوا أنفسهم مجبرين على لعب الأدوار الثانوية أمام نجوم الصف الأول القدامى، الذين باتوا من ثوابت الدراما السورية.

في هذا السياق، التقت "العربي الجديد" بالممثلة السورية الشابة ريم نصر، التي شاركت خلال السنوات الأربع الماضية بالعديد من التجارب الشعبية والمهمة، مثل "باب الحارة" و"العراب" و"كوما". في الحديث عن الصعوبات التي تواجه الجيل الجديد من الممثلين الذي تنتمي إليه نصر، تقول: "الصعوبات تواجه جميع الممثلين، ولا تقتصر على الجيل الشاب، ولكن لأن صناعة الدراما في سورية مضروبة وليس هناك أي أسلوب احترافي يعتمده صناعها حالياً، وبالأخص في مرحلة اختيار الممثلين أو الكاستينغ، فهذا يزيد من الصعوبات أمام الجيل الشاب، الذي يفتقر إلى التاريخ الفني الذي يحميه، وليس هناك أي بيئة حاضنة لمواهب شبابه وشاباته. نعم هناك وعود وطروحات علنية مطمئنة لنا، ولكن على أرض الواقع الموضوع مختلف؛ فاختيار الممثلين يتم بمعيار الأسماء القادرة على البيع، من دون الاهتمام بمعايير فنية تتيح الفرصة للجيل الشباب. برأيي، العمل الجيد قادر على فرض نفسه من دون هذا المعيار، فهناك العديد من الأعمال السينمائية التي وصلت للعالمية، رغم أن أبطالها لم يكن لديهم تجارب سابقة في التمثيل. فعلياً، ليس هناك نية حقيقية لخلق نجوم جدد في الساحة الفنية".
تضيف نصر: "أن يكون هناك كاستينغ حقيقي لاختيار الممثلين، يضم خبراء حقيقين للتقييم، بمثابة حلم بالنسبة لنا؛ إذ يتوجب وجود مخرج العمل وكاتبه وفريق عمله ضمن مكان مخصص لاستقبال الممثلين، وأن يتم اختبارهم بفرضيات من العمل أمام الكاميرا، ويجب أن يتم الاختيار بشكل دقيق وليس عشوائيا. ذلك حدث في المسلسل العربي المشترك، الذي تنتجه "نتفليكس"، وتم اختيار الممثلين من جميع أرجاء الوطن العربي بطريقة احترافية، بمعايير تتعلق بالموهبة والأداء وطبيعة الشخصيات بالعمل. فعلياً، أنا لم أعلم بوجود تجارب أداء لمسلسل "نتفليكس" إلا بعد انتهائها، ولو علمت بتلك التجارب لكنت ذهبت وخضعت لها، ولم أكن لأتذمر إن لم يتم اختياري حينها، لأنني سأكون متأكدة بأنني لم أكن مناسبة لأداء الشخصية، وهذا ما يشعرني بالعدالة نوعاً ما".
وفي المسلسلات العربية المشتركة، غالباً ما تكون البطولة الذكورية من نصيب نجوم سوريين، بينما يتم استبعاد وتهميش الممثلات السورية من أدوار البطولة النسائية. هنا، تقول نصر: "أغلب الأعمال المشتركة في الوقت الحالي هي أعمال سورية- لبنانية، وتختلف طبيعة هذه الأعمال بحسب الشركة المنتجة لها، فعندما تكون جهة الإنتاج لبنانية يكون غالبية النجوم لبنانيين، وعندما تكون سورية يكون معظمهم سوريين. نعم، هذه المسلسلات تستقطب النجوم السوريين الشباب، ولكن بالحقيقة ليس لدي أي فكرة عن سبب اختيار الممثلين الشباب إلى حد كبير، وأفضل أن أجد حلولاً لصناعة الدراما السورية على أن أفكر بمشاكل الدراما العربية المشتركة".

اليوم، هناك حالة إجماع لدى العاملين في الدراما السورية على أنها تمر بمرحلة تدهور، ويصاحب ذلك حالة من الحنين للدراما القديمة، وذلك الحنين يخلق بدوره تحسراً على نجوم تلك الأعمال. وعن تأثير هذه الحالة على الجيل الجديد من الممثلين السوريين، تقول نصر: "أصبح الأمر مستفزاً. فُرض علينا أن نعيش حالة مستمرة من الحنين والوقوف على الأطلال، وعلى أرض الواقع ليس هناك من يقدم أي مبادرة أو مشروع فني حقيقي. مؤخراً قام الفنان باسم ياخور بتقديم مشروع "ببساطة"، وسواء كنا نتفق معه بالتجربة أو نختلف، لكن ما يحسب له أن لديه مشروعاً، بينما هناك العديد من النجوم القادرين على استقطاب التمويلات وجهات الإنتاج يكتفون بالحنين. وبالنسبة لأبناء جيلنا، فإن هذا الأمر لا ينطلي علينا، نحن لسنا بملامين، فنحن اليوم لسنا من صناع القرار، نحن صغار وما زلنا نحاول أن نشق طريقنا".

تضيف نصر: "الحنين لا يكفي، نحن بحاجة اليوم إلى خطوات حقيقية على الأرض. عدد الفنانين السوريين الذين لا يزالون محافظين على سوية ما يقدمونه ضئيل جداً، وأغلب الفنانين المنتقدين لهبوط مستوى الدراما السورية هم أنفسهم من شاركوا بأعمال متواضعة، لم يدافعوا فيها عن أسمائهم وتاريخهم الفني. فهم كانوا دائماً قادرين على رفع سوية الدراما من موقعهم، أما أنا وأبناء جيلي، فنبحث عن فرصة للانطلاق فقط، وبظرفنا من الطبيعي أن نقع ببعض الزلات لكوننا في بداية الطريق. هذه النوستالجيا أصبحت مستفزة لكونها استعراضية فقط. على أرض الواقع، غالبية الأشخاص يتجهون نحو المادة أكثر من اهتمامهم بمحتوى الأعمال التي يقدمونها. لو كنت نجمة صف أول في سورية لكنت قادرة على بناء مشروعي الحقيقي، الذي سأقدم من خلاله صورة جديدة ولغة جديدة تتناسب مع الواقع السوري اليوم؛ ولذلك فإن تدهور حال الدراما السورية غير مقترن بالجيل الجديد".

وعند الحديث عن هويتها الفنية، تقول نصر: "أفضل أن تسمى الأمور بمسمياتها، وتسمية الهوية الفنية لا تزال كبيرة علي، ولا يمكن اكتسابها والحديث عنها إلا بعد سنوات من التراكم والعمل. في الوقت الحالي أحاول أن أتقدم، لذلك أبحث دائماً عن الأفضل، أهتم بكل دور أؤديه. وبرأيي يجب على الممثل أن يبحث عن الدور الأفضل سواء بالسينما أو بالمسرح أو في التلفزيون. ولا أقصد بالأفضل "الدور الأكبر"، فربما أشارك ببطولة عمل ولكن لا يكون لها قيمة، وتكون عبارة عن حشو ومضيعة للوقت، وربما أشارك بعشرة مشاهد بعمل آخر وأتمكن من خلالها من تقديم شيء مهم. لذلك أنا أبحث عن الدور الأفضل أينما كان".
في الحديث عن أعمال نصر القادمة، تقول: "في رمضان المقبل لدي مشاركة وحيدة، وهي شخصية الجارية "هند" ضمن مسلسل "مقامات العشق" الذي يتناول السيرة الذاتية لابن عربي، ودوري هو بالمرحلة الأخيرة من حياة ابن عربي في دمشق. وبرأيي أهمية عمل "ابن عربي" واتجاه الدراما التاريخية نحو شخصيات الصوفيين هو التوقيت؛ فاليوم منطقتنا تشهد حركات تشوه صورة الإسلام، مثل داعش، وعندما تسرد الدراما قصة حياة أشخاص كان لهم طريقة مختلفة بالتعاطي مع الدين تاريخياً مثل ابن عربي، بطريقة أكثر سلمية وروحانية، فإن ذلك مهم لإعادة التوازن".

المساهمون