"طعم الإسمنت" لزياد كلثوم: تشييد عمارة وبناء سينما

"طعم الإسمنت" لزياد كلثوم: تشييد عمارة وبناء سينما

16 مارس 2018
(من الوثائقي)
+ الخط -
يستمرّ "طعم الإسمنت" للسوري زياد كلثوم في إثارة متعة مُشاهدة، وحيوية نقاش، وحماسة متابعة. وثائقي جديد لمخرجٍ، يطمح إلى ما هو أبعد من الصورة المباشرة، ويسعى إلى جعل التفاصيل الجمالية المختلفة للتقنيات مداخل إلى عوالم تتوغّل في مسام روحٍ، ودقائق حياة، وتفاصيل التمدّد في راهنٍ مرتبك، يستمدّ من ماضيه ذاكرة وحكايات.
كلامٌ كثيرٌ قيل في "طعم الإسمنت". نقاش نقدي، وحوار متنوّع الاتّجاهات والمضامين، وصُوَر تلتقط خبريات الألم والقسوة، بعيدًا عن كلامٍ يُختصر بشيء قليلٍ من مرويات راوٍ، تنسحب ـ غالبًا ـ أمام صمتٍ مطلق، أو بعض موسيقى، أو أصوات واقعية لآلات يستعين بها عمّال سوريون، يحترفون البناء في بيروت الناهضة من خرابها، على وقع دمار لاحقٍ ببلدهم. وإذْ يبدو الراوي مُقلاًّ في تعليقاته، وهي جزءٌ من سيرة شخصية لن تكون بالضرورة سيرة فردٍ محدِّد، بقدر ما هي سير أفراد موزّعين في همومٍ مشتركة، وأوجاع مشتركة، وآمال مشتركة؛ فإن لعبة الصمت والموسيقى (الشريطان الموسيقي والصوتي لسيباستيان تساك)، التي يتخلّلها تصوير (طلال خوري) يُصيب هوامش، تصنع شيئًا كبيرًا من متن الحكاية وأصالتها.




عمارة جديدة تُشيَّد، وعمّال سوريون يصنعون حضورها المرتفع عاليًا في سماء المدينة، وأصواتٌ مقبلة من بلدٍ مُقيم في جحيم الأرض وشراسة متسلّطين ووحشية نظام، تنقل ـ عبر أجهزة الهواتف والتلفزيونات ـ بعض خرابٍ ينهال على بلد العمّال، هم المقيمون في بلدٍ آخر، كي يعملوا في نهضته العمرانية، الملتبسة والمعقّدة (وهذا لا دخل لـ"طعم الإسمنت" به). فالأجمل، رغم بؤس الحالة وشقاء مُصابين به، يكمن في تلك المقارنات البصرية بين دمار سوري وبناء لبناني، في لحظة تخبّط كبيرٍ في الجغرافيا والاجتماع. لكن الأجمل من هذا أيضًا، يبقى في البناء السينمائيّ لـ"طعم الإسمنت"، الذي يُشيّده زياد كلثوم، رفقة حِرفيين يمتلكون براعة المهن وإبداعاتها، بدقِّة "جوهرجيّ" يذهب، بصناعته المجوهرات، إلى أعمق ما فيها من بهاء بصريّ وروحي.
ملاحظات تؤكّد على أهمية وثائقيّ كهذا، في قدرته الدائمة على مزيدٍ من النقاش.

دلالات

المساهمون