"كانّ" الـ 70: وداعاً

مهرجان "كانّ" بدورته السبعين ينتهي بفوز "المربع": وداعاً

29 مايو 2017
من "الرهيب" للفرنسي ميشال أزانافيسيوس (المكتب الإعلامي لـ "كانّ")
+ الخط -
تنتهي الدورة الـ 70 لمهرجان "كانّ" السينمائيّ، ولا ينتهي النقاش النقدي الذي يتناولها، ويتناول المهرجان والأفلام المُشاركة، واللحظات المختلفة التي تَسِمها. هذا قدر المهرجان نفسه، والمهرجانات الأخرى، الفاعلة والمؤثّرة في صناعة السينما، ولغتها وفضاءاتها وأسئلتها ومشاغلها. فالأفلام المُشاركة في مسابقتها الرسمية، أو في مسابقاتٍ وبرامج أخرى، تبدأ رحلة عروضها التجارية في العالم، وفي مهرجانات أقلّ مرتبة دولية من "كانّ"، خلال الأيام القليلة المقبلة، علماً أنها (الأفلام) "تولد" ـ للمرة الأولى، دولياً ـ في تلك المدينة، وفي مهرجانها، الأول والأهمّ، وإنْ لم يكن الأقدم بين المهرجانات الثلاث الأساسية (وهي، بالإضافة إليه، برلين والبندقية).

يُردِّد متابعون دائمون لمهرجان "كانّ"، أن كلّ دورة من دوراته السنوية "تنتهي" قبل يومين (تقريباً) من الموعد المحدّد لإعلان نتائج المسابقة الرسمية (علماً أن نتائج المسابقات والبرامج الأخرى تُعلن قبل يومٍ واحدٍ فقط). والقصد من هذا كامنٌ في أن "السوق السينمائية" (الأشهر والأهم والأكثر حيوية) تُنهي أعمالها قبل وقتٍ قليل. هناك من يعتبر أن "العرضَ الصحافي الأخير" ـ الخاصّ بآخر فيلمٍ مُشارك في المسابقة الرسمية (الذي يُقام قبل يومين، أحياناً) ـ موعدُ الختام؛ بينما يذهب آخرون إلى أن انتهاء أعمال لجنة التحكيم الخاصّة بتلك المسابقة (لن يعرف أحدٌ، خارج الدائرة الضيّقة للجنة التحكيم ولإدارة المهرجان، متى يحصل) هو الموعد المذكور.

لن يكون هذا كلّه مهمّاً. نقّاد وصحافيون سينمائيون عديدون يُغادرون المهرجان والمدينة إما قبل لحظات من موعد حفلة الختام، أو بعده بقليل، أو ربما في اليوم التالي. والأخيرون يريدون مُشاهدة مزيدٍ من أفلامٍ، يغيبون عن المواعيد السابقة لعرضها، اضطراريّاً. فاليوم الأخير، الذي يشهد حفلة الختام، يُخصَّص بعرض أفلام المسابقة الرسمية كلّها، ما يُتيح فرصةً أخيرة لمُشاهدة ما لم يُشَاهَد.

صخب "السوق السينمائية" يختفي، والمنصّات تُفرِغ محتوياتها تدريجياً. مطبوعات عديدة، تصدر يومياً في كلّ دورة، تتوقّف عن العمل في اليوم ما قبل الأخير. لكن صخب الحاضرين يخبو كلّياً، مع اللحظات الأولى من فجر اليوم التالي لإعلان نتائج المسابقة الرسمية. أي أن الدورة الـ 70 هذه تنتهي، فعلياً، فجر اليوم الاثنين، في 29 مايو/ أيار 2017 (بفوز فيلم المربع)، الذي يشهد "تتمة محلية بحتة" للمهرجان، بدعوة "عُمدة" المدينة الجنوبية الفرنسية "كانّ"، ديفيد لينار، نحو 6000 من أبنائها إلى "تسلّق السلالم"، والمشي على "السجادة الحمراء"، لمُشاهدة الفيلم الفائز بـ "السعفة الذهبية"، علماً أن بطاقات الدعوة موزَّعة صباح الأحد، 28 مايو/ أيار 2017، التي يحصل على واحدةٍ منها كلّ مواطن يُثبت أنه فرنسيّ (بطاقة الهوية)، وأنه مُقيم في "كانّ" (عقد إيجار أو شراء منزل).

أما النقاش النقدي، فمستمرّ، ما دامت العروض التجارية لغالبية الأفلام حديثة الإنتاج، ستبدأ تباعاً، في فرنسا والعالم، منذ منتصف الأسبوع الجاري. نقاشٌ هو جزءٌ من يوميات المُشاهدة، إذْ يلتقي نقّاد وصحافيون سينمائيون، في مناسبات لاحقة لكلّ "عرض صحافي"، فيتناولون الأفلام والمواضيع وأحوال "السوق السينمائية"، ويسألون ويُحاورون ويلتقون سينمائيين ونجوماً وموزّعين ومنتجين ومموِّلين، فيمتلكون كمّاً من المعلومات والمعطيات، المتعلّقة بالصناعة والإبداع والتوزيع، كما بالمشاريع المقبلة.

الحصيلة الأولى لأحوال تلك السوق تكشف ـ بحسب بعض المسؤولين ـ أن ارتفاعاً ملحوظاً في أرقام الزائرين والمُشاركين، يَسِم الدورة الـ 70 لمهرجان "كانّ". يُشير تقريرٌ إلى أن 12 ألفاً و324 مشترياً تجوّلوا في أروقة الحيّز الخاص بالسوق، بينهم 2113 مُشاركاً أميركياً، و1801 فرنسياً، و1186 بريطانياً. منظّمو السوق يقولون إن ارتفاعاً كبيراً في أعداد المُشاركين تشهده هذه الدورة، على مستوى الدول الآسيوية، خصوصاً الصين، الحاضرة بـ 600 مُشترك، بزيادة تبلغ 21 في المائة عن دورة العام الفائت. يُضيف التقرير أن مؤسّسات وشركات فرنسية تتمكّن من احتلال المساحة الأوسع في شبكة التوزيع الدولي لأفلام "السوق السينمائية"، التي يبلغ عددها 3820 فيلماً.

لن يكون مُنصفاً ذكر أسماء الأفلام المُباعة كلّها، لكثرتها. لكن بعضها مُشارك في المسابقة الرسمية، كـ "الرهيب" للفرنسي ميشال أزانافيسيوس، الذي يتناول فصلاً من سيرة المخرج السينمائيّ السويسري الفرنسي جان ـ لوك غودار، يرتكز على علاقته بآن فيازيمسكي؛ و"رودان" لجاك دوايون، عن النحات الفرنسي أوغست رودان، ومرحلة تصميمه منحوتة بلزاك، وعلاقته بكاميل كلوديل؛ و"أنتَ لم تكن هنا إطلاقاً" للبريطانية لين رامسي، عن جندي أميركي سابق يسعى إلى إنقاذ فتاة من براثن وحش بشريّ؛ وغيرها.

هذه أفلامٌ تحتاج إلى نقاشٍ نقدي، يختلف عن أحوال السوق والتجارة والاقتصاد والمال، ويُرافق إطلاق عروضها التجارية، الفرنسية والدولية، قريباً.


المساهمون