"عندي صورة"... فيلم تسجيلي حوّل كومبارساً إلى بطل

"عندي صورة"... فيلم تسجيلي حوّل كومبارساً إلى بطل

09 أكتوبر 2017
من الفيلم (فيسبوك)
+ الخط -
أثار الفيلم المصري "عندي صورة"، الفيلم رقم 1001 في حياة أقدم كومبارس في العالم، للمخرج، محمد زيدان، ردود أفعال إيجابية خلال عروضه الأولى، وجاء تتويجاً لرحلة السنوات السبعة التي استغرقها زيدان في صناعته. 

ينطلق الفيلم من عشق زيدان للسينما المصرية، وتتبعه لتاريخها، ومن خلال ذلك يسرد، في دقائق الفيلم الأولى، ملاحظته لذلك الكومبارس الذي يتكرر وجوده في مئات الأفلام المصرية منذ الخمسينيات وحتى الألفية الجديدة، ما خلق حالة من الألفة معه، وتحولت بعض الأفلام لرحلة بحث عن مروره العابر، قبل أن يكتشف أخيراً أن اسمه هو مطاوع عويس، ويذهب إلى القاهرة من أجل البحث عنه، بمساعدة كمال الحمصاني، مساعد المخرج الذي ظل عقوداً هو الآخر وراء الكاميرا.


وبعد العثور على مطاوع تبدأ عملية صناعة فيلم مُختلف، ليس سيرة حياة الكومبارس، بقدر ما هو رحلة تفاعل حية على الشاشة بين زيدان ومطاوع والحمصاني. طموح المخرج التجريبي المستقل في مقابل القواعد الصارمة التي عاش بها اثنان من الصناع الكلاسيكيين، والأحاديث المفتوحة بين جيلين وتصورين عن السينما والتاريخ والذكريات. يملك الفيلم الكثير من العناصر والخطوط المتوازية، فهو أولاً رحلة زيدان الشخصية مع السينما، ومرحلته الانتقالية من مساعد مخرج إلى مخرج مسؤول عن كل قرارات العمل، وهو ما يعبر عنه على الشاشة بارتباكه وأفكاره ومخاوفه. والخط الثاني، هو مطاوع عويس الذي عاش حياته عابراً وراء الكاميرا، ويتعامل الآن بارتباك مع هذا الشاب الذي تتبعه بالأميال والأفلام من أجل الوصول إليه وصناعة فيلم عنه. لا يفهم تحديداً ماذا يريد زيدان منه ولكنه يتنقل معه بخفة، إلى موطنه الأصلي في سوهاج أو كورنيش إسكندرية أو دور السينما المختلفة أو حتى رحلة في أرشيف الصور التي يملكها واللقطات القديمة وحكاياته عنها.


ولا ينجر الفيلم أبداً ليصبح مجرد بورتريه عن الشخصية أو نوستالجيا فارغة عن زمنٍ آخر، أو احتفاء بالكومبارس الذي ظهر فيما يقارب الألف فيلم. ولكنه يذهب لأبعد من ذلك عن عملية الصناعة نفسها، والطريقة التي يرى فيها المخرج بطله السينمائي. وهو ما يدعمه الخط الثالث المهم والمرتبط بشخصية كمال الحمصاني، في وجود مثير جداً بالعمل، حيث يعتبر شخصية رئيسية. وفي نفس الوقت، طلب منه زيدان أن يكون مساعد مخرج داخل الفيلم، يساعد في التحضير لكل مشهد ويتداخل في الرؤية الفنية، ليصبح، بشكلٍ ما، فيلما عن كومبارس يتحول إلى بطل، ومساعد مخرج يخرج أول فيلم في حياته.وفي إحدى اللحظات البديعة يعبّر زيدان عن ضيقه من ديكتاتورية الحمصاني، وتعامله الصارم مع القواعد، مما جعله أحياناً غير قادر على التعبير عن رؤيته، لتصبح بعض اللحظات مساحة بديعة لذلك الاختلاف، وللجيلين اللذين يعبر كل منهما عن منظوره كجوهر لكل شيء.


تلك المسارات الثلاثة، وبعض التفاصيل الأخرى، تمنح الفيلم ميزة مرتبطة بعمق وكثافة تجربة المشاهدة، ليس فيلماً فارغاً يتعامل برومانسية مع بطله، ولا يكتفي أبداً بلعبة ظهور مطاوع في مشاهد شهيرة للغاية ومفاجأة المشاهد (المصري بالطبع) بهذا الوجود الخفي الذي لم يُلْحَظ من قبل، ولكنه يذهب دوماً إلى ما وراء ذلك، عن الأشخاص والسينما. ورغم بعض الارتباك الذي تسبب فيه تفرُّع المسارات واختلافها، وأن هناك تقافزاً في بعض النقاط المهمة سواء في حركة الدراما وتطور العلاقة بين الشخصيات أو حتى في حيز وجودها المكاني والقواعد التي تحكم الانتقالات، إلا أن هذا الارتباك لا يتسبب أبداً في فقدان التواصل مع الفيلم، بفضل الصدق الواضح من زيدان تجاه ما يحكيه.


المساهمون