تركيا تعاقب إسرائيل: قطع شامل للعلاقات التجارية حتى وقف العدوان

04 مايو 2024
ميناء سراي بورنو في إسطنبول، 1 نوفمبر 2023 (أوغوز يتر/ الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- وزارة التجارة التركية أعلنت قطع كافة العلاقات التجارية مع إسرائيل، مشترطة وقف إطلاق النار والسماح بمرور المساعدات الإنسانية لعودة العلاقات، كرد فعل على الأوضاع في غزة.
- القرار لاقى دعماً شعبياً في تركيا، مع تباين الآراء حول فعاليته. الحكومة ترى في تعزيز العلاقات مع دول المنطقة بديلاً لتقليل التأثيرات السلبية لقطع العلاقات مع إسرائيل.
- الآثار الاقتصادية لهذا القرار متوقع أن تكون أكبر على إسرائيل مقارنة بتركيا، التي تستعد لمواجهة أي تداعيات سلبية، بما في ذلك تأثيره على العلاقات مع دول أوروبية والولايات المتحدة.

أعلنت وزارة التجارة في تركيا، ليل الخميس، قطع كل العلاقات التجارية مع إسرائيل، معلنة وقفاً تاماً للتعاملات التجارية مع الاحتلال إلى حين السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بلا قيود. وأضافت الوزارة أن قرارات قطع العلاقات الاقتصادية جاءت كمرحلة ثانية، بعد إجراءات تقييد تصدير 54 منتجاً الشهر الماضي، مؤكدة تطبيق القرارات "بشكل صارم وحاسم حتى يتم وقف إطلاق النار وتسمح إسرائيل بدخول المساعدات إلى غزة من دون انقطاع".

ويجمع اقتصاديون وباحثون أتراك على أن تصعيد بلادهم وقطع علاقاتها الاقتصادية مع إسرائيل جاء متأخراً ولكنه يلبي مطالب الشارع التركي، وإن اختلفوا أو تباينت آراؤهم حول أثر العقوبات على تل أبيب وثنيها عن استمرار قتل أهل غزة ومنع وصول المساعدات وقبولها وقف إطلاق النار.

وجاء تصعيد تركيا بعد قرارات تقييد الصادرات ضمن عقوبات المرحلة الأولى في التاسع من إبريل/ نيسان الماضي، حينما قيدت تصدير حديد الإنشاءات والفولاذ المسطح والرخام والسيراميك، إضافة إلى جميع منتجات الصلب الطويلة والمسطحة، والأنابيب الفولاذية ومقاطع وأسلاك الألمنيوم.

تصعيد متوقع في تركيا

وهذا الإجراء لم يرق لمطالب الشارع، كما يقول المحلل التركي باكير أتاجان، ما دفع أنقرة برأيه إلى قطع كل العلاقات الاقتصادية واشتراط عودتها بوقف إطلاق النار في غزة وتمرير المساعدات الإنسانية دون تعقيد. ويؤكد أتاجان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن بلاده تأخرت بهذا القرار، مقترحاً التنسيق مع دول الإقليم لتكون المقاطعة والعقوبات أكثر فاعلية.

وحول القرارات اللاحقة المتوقعة من الجانب التركي، يضيف مدير أكاديمية الفكر بإسطنبول أتاجان أن تركيا وضعت شرط حل الدولتين والمساعدات ووقف إطلاق النار، وبحال تملص إسرائيل يمكن لبلاده أن تصعّد، كأن تغلق الأجواء والموانئ والطرق البرية بوجه إسرائيل، كما يمكن سياسياً ودبلوماسياً أن تنشط بالمحافل والمحاكم الدولية بعد انضمامها لجنوب أفريقيا بالدعوى في محكمة العدل الدولية.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

وما زال الشارع التركي يطالب بالمزيد لردع إسرائيل ومساعدة الشعب الفلسطيني، إذ لم ترق الإجراءات التركية السابقة لمستوى مطالب وطموح الشارع، بحسب عضو حزب "الشعب الجمهوري" المعارض جيواد غوك، الذي ينتقد الحكومة لاستمرار علاقاتها مع إسرائيل، معتبراً في تصريحه لـ"العربي الجديد"، أن تقييد التجارة غير كاف وأن قطع العلاقات هو مطلب شعبي ولن يؤثر على الحكومة "بل على العكس سيزيد جماهيريتها".

ويضيف غوك أن بلاده، وبعد العودة لـ"صفر مشاكل" مع دول الجوار، ومع المنطقة العربية خاصة، فتحت أسواقها وأعادت علاقات تجارية مهمة يمكن أن تغني عن أي فاقد إسرائيلي، كما أن الاستثمارات المتوقعة من المنطقة العربية هي أهم ما تعوّل عليه الحكومة لكبح التضخم وتحسين سعر صرف الليرة.

الانعكاسات الاقتصادية

ويقول المحلل التركي يوسف كاتب أوغلو إن تركيا هي الدولة الوحيدة في العالم التي قيدت الصادرات إلى إسرائيل، قبل أن تقدم على قطع العلاقات التجارية. وحول الآثار الاقتصادية لقرار قطع العلاقات التجارية مع إسرائيل، سواء على الاقتصاد التركي أو الإسرائيلي.

يتابع أوغلو لـ"العربي الجديد"، أن معاناة الاقتصاد الإسرائيلي ستزداد جراء قطع العلاقات التجارية مع تركيا، في حين لن يتأثر الاقتصاد التركي الذي لديه بدائل كثيرة، إقليمياً ودولياً، مشيراً إلى أن قطاع الصناعة والعقارات بإسرائيل، فضلاً عن أسعار السلع الغذائية، ستتضرر كثيراً بعد وقف الصادرات التركية، ولن تجد إسرائيل بدائل كما السلع والمنتجات التركية، إن على صعيد الجودة أو السعر أو سهولة الوصول.

وبحسب معهد الإحصاء التركي الرسمي، بلغت قيمة التجارة مع إسرائيل العام الماضي نحو 6.8 مليارات دولار، منها 76 في المائة صادرات تركية، لكن هذه الصادرات تراجعت بنسبة 28 في المائة خلال الأشهر الخمسة الأولى من الحرب. وتشكل السلع المصنعة، التي تشمل مواد البناء، العنصر الأكبر من تلك الصادرات، حيث تمثل قيمتها ثلث قيمة المواد التي شُحنت في الشهرين الأولين من العام والتي تبلغ قيمتها 714 مليون دولار.

ويرى المحلل التركي طه عودة أوغلو أن قرار تركيا قطع جميع العلاقات التجارية (رسميا) مع إسرائيل إلى حين السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بلا قيود ومن ثم تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان الأخيرة بأن بلاده ستواصل دعم الشعب الفلسطيني، هو تأكيد لتصاعد الخطوات التركية تجاه إسرائيل.

ويضيف عودة أوغلو، متحدثاً لـ"العربي الجديد"، أنه يمكن تفسير القرار التركي من عدة سياقات، في مقدمتها أنه جاء بعد شهر تقريبا من خسارة الحزب الحاكم في البلديات والخشية من صعود أحزاب محافظة منافسة له.

ويضيف المحلل التركي أنه من اللافت في القرار التركي الجديد أنه تم تسريبه أولا عبر وكالة بلومبيرغ، وتوقيت التسريب كان في وقت اجتماع رئيس حزب الشعب الجمهوري مع الرئيس أردوغان، وهذا التوقيت له أهداف ودلالات عدة على الصعيد الداخلي، لكن الأهم في القرار أنه أعاد نتنياهو إلى دائرة الضغط الداخلي في ظل استمرار المظاهرات العارمة في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية.

في المقابل، يجب النظر للقرار من زاوية مختلفة، فالعقوبات الاقتصادية التركية التي تعتبر تصعيدا في موقف أنقرة، لن تؤدي إلى نقطة تحول مفصلية في العلاقات بين الجانبين، لأن أنقرة لا تزال حريصة على ألا يؤدي التوتر مع تل أبيب إلى أزمة دبلوماسية على غرار أزمات العقد الماضي.

البدائل موجودة

من جهته، يقول المحلل التركي سمير صالحة إن قطع كل العلاقات التجارية يعكس المواقف السياسية المؤيدة لحقوق الفلسطينيين، بعدما استنفدت بلاده الطرق السياسية والوساطات، لكن إسرائيل موغلة بالقتل وتهدد باجتياح مدينة رفح المكتظة بالنازحين.

ويضيف صالحة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الإجراءات التركية منسجمة مع نبض الشارع وتطلعات تركيا بشأن علاقاتها الخارجية، كاشفاً أن بلاده لا تتخذ قرارات كهذه قبل أن تدرس النتائج، مشيراً إلى توقع بلاده أن ينعكس قطع العلاقات مع إسرائيل سوءاً على العلاقات مع بعض الدول الأوروبية وواشنطن، بل ويمكن أن يتم تحريض مؤسسات التصنيف الائتماني لتخفيض تصنيف تركيا أو حتى وقف تدفق الاستثمارات ومحاولات ضرب الليرة، وكل ذلك مأخوذ بالاعتبار ولدى تركيا بدائل، حسب رأي المحلل التركي صالحة.

وكان وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس قد اتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس، بانتهاك الاتفاقات بإغلاق الموانئ أمام الواردات والصادرات الإسرائيلية.

وأضاف كاتس عبر منصة إكس أنه أصدر توجيهات لوزارة الخارجية بالعمل على إيجاد بدائل للتجارة مع تركيا، مع التركيز على الإنتاج المحلي وواردات من دول أخرى.

المساهمون