هكذا يقتل الهواة الاقتصاد

هكذا يقتل الهواة الاقتصاد

26 يناير 2020
النظام السوري يفشل في احتواء أزمة الليرة (كاريكاتير حمرة)
+ الخط -



يفعل نظام بشار الأسد بالاقتصاد السوري، تماماً، كما يفعل العدو بعدوه. فإن قفزنا على مواجهة مطالب السوريين بالكرامة والعدالة بتوزيع الدخل، عبر النار والتهديم منذ عام 2011 حتى اليوم، حتى وصلت خسائر الحرب 400 مليار دولار، وما رافقها من تهديم القطاعات الإنتاجية والخدمية وتأجير ثروات البلاد لنصف قرن.

سنأتي على آخر ثلاثة قرارات اتخذها بشار الأسد، والتي، على الأرجح، ستزيد من سرعة انهيار الاقتصاد برمته، وليس العملة السورية فحسب، والتي فقدت منذ مواجهة الأسد ثورة السوريين بالقتل والتهجير، أكثر من 1300% من قيمتها.

أولاً: أصدر بشار الأسد مرسومين يجرمان التعامل بغير الليرة، بل بسجن وتغريم من يتحدث عن العملات، ليعالج قضية اقتصادية ذات جذر سياسي، بحلول أمنية تزيد من الأزمة النقدية بعد انقضاء فترة الترويع التي لن تدوم طويلاً.

وأرسل عبر هذه المراسيم، أن سورية الأسد وسورية حزب البعث، باقية على ذهنية الخمسينيات، وقت أممت القطاع الخاص الرائد على مستوى المنطقة، لترسل لأي رأسمال، أن سورية الاشتراكية الخارجة عن تطورات العصر، يمكن بقرار أن تصادر ممتلكاتك وتزجك في السجن إن اقتضت الضرورة الوطنية.

وبقيت مفاعيل تلك "الإجراءات الاشتراكية" تحرم سورية من الاستثمارات، بل بات مناخها طارداً، حتى للرساميل السورية، إلى أن عاد الأسد الأب إلى بعض رشده، وقت أصدر قانون الاستثمار رقم 10 لعام 1991 والذي جذب بالكاد، بعض المشروعات والرساميل السورية والعربية.

لتأتي مراسيم الأسد الابن أخيراً، فتجهز على ما تبقى من أمل بعودة الأموال المنهوبة أو المهاجرة، وتفقد كامل الثقة بمناخ سورية الاستثماري، أو الأمل بعودة عجلة الإنتاج للدوران، في بلد بات يستورد طحين خبزه ووقود تدفئته، بعد أن وصل إنتاجه من القمح يوماً إلى نيف وخمسة ملايين طن قمح، وتعدى إنتاجه من النفط ضعف استهلاكه.

ثانياً: لاحق نظام الأسد خلال حملته الأمنية الأخيرة، شركات ومكاتب الصرافة فأغلق بقرار من المصرف المركزي 14 شركة، بذريعة عدم تأديتها الدور المطلوب منها في دعم الليرة السورية، من دون أن يتحف المصرف السوري المراقبين، بما هو دور شركات الصرافة في دعم العملة!

وليعود نظام بشار الأسد، إلى سياسة المنع والقيد والحصر، حتى على صعيد شركات الصيرفة التي رخص لها عام 2007 بعد فقدان سورية تلك الخدمة ولأربعين عاماً.

وليفقد ذلك القرار الحكيم القطع الأجنبي الذي كان يدخل سورية عبر الحوالات الخارجية، وتذهب الدولارات إلى دول الجوار التي نشطت في دور الإنابة والتحويل بالعملة السورية، سواء في لبنان أو تركيا.

أمّا ثالثاً، فجاء عبر القرار 5 لعام 200 والذي حصر تقديم إشعار مصرفي بثمن المنتج "عقار وسيارة" تم تسديده في أحد المصارف العامة والخاصة قبل توثيق واقعة البيع ونقل الملكية.

والهدف بحسب الرؤية الأسدية، مسك البائع والشاري، وتحصيل ضريبة البيوع العقارية المعتمدة على القيمة الرائجة للعقارات، وليس على القيمة الوهمية. فضلاً عن الأمل، بفتح السوريين حسابات مصرفية بعد إلزام البيع والشراء عبر المصارف، ليقل معروض السيولة النقدية السورية في الأسواق.

إلا أن هذه القرار سيرفع أسعار العقارات في وجه الشاري، كون الضريبة ستحمل على قيمة العقار من قبل البائع، هذا طبعاً، إن فرضنا جدلاً أن ثمة بيعاً وشراء في سوق العقارات السورية بعد أن وصل متوسط سعر المنزل في دمشق، بين 100 و150 مليون ليرة سورية، في حين متوسط دخل الأسرة 55 ألف ليرة، ولم يعد من مدخرات، بعد تسع سنوات من التجويع والتفقير تسمح بترف امتلاك المنزل.

فبدل أن تصدر حكومة الأسد، قرارات من شأنها تسييل الأموال المجمدة في العقارات لتذهب إلى الإنتاج فتحرك الأسواق، تزيد عبر هذا القرار من جمود قطاع يوصف بالتحريضي، وتعتمده اقتصادات كبرى ضمن روافع تنميتها.

خلاصة القول: بدلاً من البحث عن تنشيط الإنتاج، يوقف بشار الأسد تمويل المستوردات للمواد الأولية الداخلة في الصناعة ويمنع التجار، حتى من شراء دولار من السوق لتمويل عقودهم.

وبدل تقديم الإعفاءات والإغراءات للرساميل والاستثمارات، يصدر بشار الأسد مرسومين يجرمان حتى الحكي عن العملات الصعبة، وبدل البحث عن طرائق لتحريك الاقتصاد، ولو عبر القروض والأموال المهاجرة أو تعويم الليرة، يغلق الأسد شركات الصرافة ويلاحق حاملي العملات الأجنبية.

في حين أنه وفي الوقت ذاته، يمنح روسيا وإيران جميع المشاريع والاستثمارات الرابحة ذات العائد المرتفع ودورة رأس المال السريع، ويقصف حتى المشروعات القائمة.. وكأن من دوره الوظيفي، قتل أي أمل ولأجيال قادمة.

المساهمون