أسعار النفط نحو الهبوط

01 يوليو 2017
نمو في إنتاج النفط الصخري في أميركا (Getty)
+ الخط -
يفكّر المواطن الأميركي، جون دو، في قضاء إجازته الصيفية مع زوجته في شمال ولاية نيويورك، حيث شلالات نياغارا العظيمة. وحيث إنه يقيم في مدينة فورت وورث في ولاية تكساس، فإن المسافة بين الموقعين تزيد بقليل عن 1400 ميل. وبعدما قلّب أفكاره، بدأ يحسب الأرقام، لكي يختار وسيلة النقل الأفضل، السيارة الخاصة، أو الطائرة، أو القطار. 
قرّر جون دو، وزوجته ماري، أن يسافرا بسيارتهما الخاصة، وعليه فإن سعر البنزين سيكون أحد المحدّدات الرئيسية لقرارهما، هذا عدا عن أن السفر بالسيارة يمنحه فرصة التمتّع بحريته، واختيار الأماكن السياحية التي يرتادها على امتداد المسافة. لكنه بقراره هذا، يكون قد أثر على أسعار النفط العالمية. وما يفكر جون دو بفعله هو ما تفعله معظم الأسر الأميركية عند اتخاذها قراراً مشابهاً.
لم يعد المُنتج الأميركي يأبه كثيراً بتقلب أسعار النفط عاملاً في اتخاذ قرار إغلاق الآبار المنتجة للنفط، خصوصاً في الآبار الهامشية التي تفقد ربحيتها عند هبوط الأسعار. لقد تمكّنت غالبية المنتجين، وخصوصاً منتجي النفط الصخري، من تغطية التكاليف الرأسمالية إبان السنوات الماضية. ولهذا، صار المحدّد الرئيس لقرارهم في المضي بالإنتاج من عدمه هو المقارنة بين سعر النفط والكلفة الجارية لاستخراجه.
وفي الحالات التي يمكن أن تتحقّق فيها خسارةٌ قليلة، فإن الأجدى لهم تحمّل تلك الخسارة والاستمرار في الإنتاج، بدلاً من تحمّل كلف الإغلاق، ثم كلف إعادة فتح الآبار عند تحسّن أسعار النفط العالمية.
وبما أن النفط الأميركي يقع داخل الولايات المتحدة، ونستطيع بيعه أو تخزينه في أماكن قريبة من الآبار، فإن كلف النقل ستكون متدنيةً كنسبة من كلفة النفط الإجمالية. وأما الولايات الباردة في الشمال والشرق، فإنها قادرةٌ على الحصول على احتياجاتها من النفط من كندا القريبة عند اقتضاء الحاجة.
ولذلك، اختلفت طبيعة الإنتاج وسلوكياته في الولايات المتحدة الأميركية. وسوف نرى في المستقبل مزيداً من الضعف في تأثير مستوى سعر النفط عالمياً على وتيرة إنتاج النفط داخل الولايات المتحدة. والواضح أن الدول الكبرى المنتجة والمصدرة للنفط، مثل المملكة العربية السعودية وروسيا، ليس لها مصلحة في السماح لأسعار النفط بالهبوط كثيراً، حتى ولو كان الهدف هو التأثير على سعر النفط العالمي لتحقيق مصالحهم على المدى الطويل. ولذلك، بسبب كل ما ذكر أعلاه، فإن أسعار النفط مرشحة للهبوط لفترة. وقد نال هذا الرأي مزيداً من التأييد من الخبراء في بورصات السلع المستقبلية.
ومما يعزّز صحة هذه النتيجة، أو النظرية إن جاز ذلك، أن سوق النفط الأميركية ما تزال المحدّد الأول والأكبر والأهم لأسعار النفط في العالم. وفي المدى القصير، نرى أن أهم المؤثرات على سعر النفط هو المخزون الأميركي من النفط أو مشتقاته، أو سعر صرف الدولار مقابل العملات الأخرى، أو كلف الإنتاج داخل الولايات المتحدة، بصفتها أكبر المستهلكين لهذه المادة في العالم (حوالي 22% من استهلاك العالم).
ولذلك، اكتسب الأميركيون الذين ينتجون أكبر كميات نفط في العالم (بما في ذلك المشتق من الصخر الزيتي)، قوة إضافية للتأثير على أسعار النفط وتوجهاته، وعلى حساب منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وغيرها من المنتجين الآخرين.
ولا يُنسى أن الولايات المتحدة تملك كذلك التكنولوجيا المتقدمة في كثير من مصادر الطاقة الأخرى، مثل الشمسية والرياح والحرارية والهيدروجينية والنووية. وكذلك، فإن إعادة فتح ولاية ألاسكا لمزيد من التنقيب عن النفط، وسرعة نقله عبر خطوط الأنابيب الجديدة، سيمنحها في هذا الإطار قوة تأثيرية أكبر. ولا يُنسى أيضاً، أن الغاز صار يكتسب أهمية متزايدة. فهو أنظف بيئياً، وكذلك فإن طبيعة تعاقدات بيعه وشرائه طويلة الأجل، وغير قابلة للتذبذب السريع. والغاز في مجال إنتاج الكهرباء أكثر فاعليةً وأقل كلفةً، وأنظف بيئيا من استخدام السولار أو الوقود الثقيل.
أما الأثر الأكبر فقد ينتج عن تفوق الولايات المتحدة في مجال تخزين الطاقة الكهربائية، وخصوصا في السيارات. ومع توسع إنتاج السيارات الهجينية (هايبرد) باستخدام البنزين والكهرباء، والسيارات الكهربائية، فإن مكون الطلب على النفط المتمثل في قطاع النقل سيكون له أثر كبير على تحديد اسعار النفط مستقبلاً.
أمام هذه الحقائق كلها، سواء ما كان منها سريع الأمد أو متوسط الأجل، قد تشهد أسعار النفط طفراتٍ، بين حين وآخر، ضمن هوامش محددة ولفترات قصيرة. ولكن خط السعر يميل إلى الهبوط بالأسعار الحقيقية.
على دول النفط أن تعيد حساباتها بدقة، وأن تستوعب دروس الماضي وتحديات المستقبل. ولهذا، يصبح التعاون في ما بينها للتوسع في إنتاج الطاقة البديلة، والتركيز على الصناعات البتروكيميائية، واتباع سياساتٍ قوية لتعزيز وجودها في أسواق آسيا وأفريقيا أمراً لا يحتمل التأجيل.
المساهمون