واشنطن قلقة من خسارة نفوذها الإقليمي لصالح الصين

واشنطن قلقة من خسارة نفوذها الإقليمي لصالح الصين

20 يونيو 2023
تقود البرازيل العلاقات التجارية والاستثمارية مع الصين (Getty)
+ الخط -

رغم القرب الجغرافي والمصالح الاستراتيجية والأمنية التي تربط الولايات المتحدة الأميركية مع دول أميركا اللاتينية، فإنّ العلاقات بينها وبين عدد من دول الإقليم الممتد من المكسيك شمالاً إلى تشيلي جنوباً، ظلت شديدة التعقيد، وتتسم بالتوتر الحاد في العديد من الأحيان، وفق مراقبين.

ووصل هذا التوتر ذروته إبان أزمة خليج الخنازير في الستينيات من القرن الماضي، حينما نصبت موسكو صواريخ نووية في كوبا، وخلقت أزمة ما عرف حينها بأزمة "خليج الخنازير" التي كادت أن تشعل حرباً نووية، كما تواصل التوتر بين واشنطن وفنزويلا، على خلفية سعي الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إسقاط حكومة الرئيس نيكولاس مادورو.

وبحسب خبراء، فإنّ واشنطن باتت قلقة حالياً من تنامي نفوذ بكين المالي والتجاري والسياسي داخل أميركا اللاتينية في وقت يتزايد فيه التوتر بينها وبين الصين، وتسعى بكين إلى بناء نظام "عالمي جديد"، عبر التوسع التجاري والاقتصادي، وتقويض الهيمنة الأميركية، أو إضعافها على الأقل.

وبداية الشهر الجاري ضاعف البنك المركزي الصيني من حدود اتفاقية مبادلة العملة مع الأرجنتين، في ظل مساعي الدولة الآسيوية لتقليل الاعتماد على الدولار.

وبحسب بيان المركزي، وافق المسؤولون الصينيون على أن تستخدم الأرجنتين ما يصل إلى 70 مليار يوان (9.89 مليارات دولار) من اتفاقية تبادل العملات، ارتفاعاً من الحد السابق البالغ نحو 35 مليار يوان.

في هذا الصدد، يرى محللون أن تجارة دول أميركا اللاتينية مع الصين تواصل التوسع السريع، بينما يتراجع نفوذ أميركا التجاري والمالي في الدول اللاتينية، وهو ما يشير بوضوح إلى أن واشنطن ربما تخسر سوق أميركا الجنوبية، وتخسر معه نفوذها السياسي في إقليم واسع سريع النمو وغني بالمواد الأولية، وتنظر له الشركات الأميركية على أنه الحديقة الخلفية للولايات المتحدة.

ويقدر موقع "ماكرو تريند" الأميركي، حجم اقتصادات دول أميركا اللاتينية بنحو 5.45 تريليونات دولار في نهاية عام 2021.

وتقود البرازيل العضو في مجموعة بريكس، والتي يبلغ حجم اقتصادها 1.6 تريليون دولار، العلاقات التجارية والاستثمارية مع الصين، إلى جانب كل من الأرجنتين التي يبلغ حجم اقتصادها نحو 1.3، التي تمر حالياً بأزمة مالية حادة، والمكسيك التي يبلغ حجم اقتصادها 1.24 تريليون دولار.

وتشير بيانات أميركية نشرها موقع "مجلس العلاقات الخارجية" الأميركي إلى أن قيمة التجارة بين الصين ودول أميركا اللاتينية ارتفعت من 180 مليار دولار في عام 2010 إلى 450 مليار دولار في عام 2021، وهو رقم ظل دون تغيير إلى حد كبير في عام 2022، حسب بيانات "مجلس العلاقات الخارجية الأميركي".

ويتوقع اقتصاديون أن حجم تجارة بكين مع دول المنطقة اللاتينية قد يتجاوز 700 مليار دولار بحلول عام 2035.

وفي المقابل، فإن حجم التجارة الأميركية لا يزال متواضعاً مع دول أميركا اللاتينية، حيث بلغ حجم الصادرات الأميركية لدول المنطقة في العام الماضي 2022 نحو 242.73 مليار دولار، والواردات منها 149.21 مليار دولار، وذلك وفقاً لجدول بيانات التجارة الأميركية.

وتُصنّف الصين الآن على أنها أكبر شريك تجاري لدول أميركا الجنوبية، وثاني أكبر شريك تجاري لدول أميركا اللاتينية ككل التي تضم المكسيك إلى جانب دول أميركا الجنوبية.

وتتكون صادرات أميركا اللاتينية إلى الصين من النفط وفول الصويا والنحاس والمواد الخام الأخرى التي تحتاجها الشركات الصينية في التوسع الصناعي لدفع أعمالها التجارية.

وفي المقابل، باتت دول أميركا اللاتينية سوقاً رئيسياً للصناعات الصينية، وتزداد وارداتها من المنتجات المصنعة ذات القيمة المضافة الأعلى، وهي تجارة يقول بعض الخبراء إنها قوضت الصناعات المحلية، بسبب السلع الصينية الأرخص.

وحتى العام الجاري 2023، أبرمت بكين 21 اتفاقية تجارة حرة مع دول أميركا اللاتينية، ضمن مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، حيث وقّعت الشركات الحكومية الصينية اتفاقات مع كل من تشيلي وكوستاريكا والإكوادور والبيرو، كما أن المحادثات جارية بشأن اتفاقية للتجارة الحرة مع أوروغواي.

ويشير محللون إلى أن الظروف الاقتصادية والضغوط المالية التي واجهت دول أميركا اللاتينية في السنوات الأخيرة لعبت دوراً كبيراً في صعود نجم الصين باعتبارها منقذاً في دول أميركا اللاتينية، حيث دفعت الحاجة المالية الماسة دول المنطقة إلى طلب التمويل من الصين.

وفي المقابل، فإن حاجة الشركات الصينية للأسواق النامية والناشئة والنمو الاقتصادي السريع الذي تقوده الصادرات أدت إلى تطوير الاستثمار الأجنبي الصيني المباشر في الخارج، كما لعبت القروض أيضاً دوراً رئيسياً في تعزيز العلاقات الصينية مع دول المنطقة، خاصة بعد الحظر الاقتصادي والنفطي على فنزويلا.

وحسب بيانات "مجلس العلاقات الخارجية الأميركي" في عام 2022، بلغ حجم الاستثمار الأجنبي الصيني المباشر في دول أميركا اللاتينية وجزر الكاريبي حوالي 9 في المائة من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر الصيني في الخارج.

ويعد بنك التنمية الصيني، المملوك للدولة، وبنك التصدير والاستيراد الصيني من بين كبار المقرضين لدول المنطقة.

وبين عامي 2005 و2020، أقرض البنكان معاً حوالي 137 مليار دولار لحكومات أميركا اللاتينية، في مقابل رهونات النفط واستخدامه في تمويل مشاريع الطاقة والبنية التحتية.

وتعد فنزويلا أكبر مقترض من الصين، بسبب الحظر الاقتصادي والمالي الأميركي، ولديها حالياً 60 مليار دولار من قروض الدولة الصينية، معظمها تتعلق بالطاقة والبنية التحتية.

وهو ما يقرب من ضعف المبلغ بالنسبة لثاني أكبر مقترض في المنطقة؛ البرازيل. فضلاً عن ذلك، تعد الصين عضواً ولها حق التصويت في بنك التنمية لدول أميركا اللاتينية وبنك التنمية الكاريبي.

لكن على الرغم من تنامي العلاقات المالية، وسهولة الحصول على القروض من المؤسسات الصينية، يرى محللون أن الشركات الصينية تنصب "شراك الديون" لدول أميركا اللاتينية، حتى تتمكن من الهيمنة على أسواقها لأطول فترة ممكنة، والتحكم تدريجياً في إدارة أسواقها ومواردها المعدنية، بما يحقق المصالح التجارية والاقتصادية للتنين الصيني، على حساب مستقبل هذه الدول، مثلما حدث في سيريلانكا التي تعرّضت في العام الماضي لإفلاس، واضطرت إلى اللجوء لصندوق النقد الدولي، بعد أن عجزت عن تسديد ديونها.

وحسب تقرير بمجلة فورن بوليسي الأميركية، اشترت الشركات الصينية ما يزيد عن 70 ألف هكتار من الأراضي، أو استأجرتها لزراعة المحاصيل.

كما أبرمت تلك الشركات صفقات مهمة لحيازة الأراضي الزراعية من بينها 68.6 ألف هكتار في البرازيل، و22 ألفاً في الأرجنتين. وتحاول تمرير صفقات للحصول على 200 ألف هكتار في البرازيل و320 ألف هكتار في الأرجنتين.

ومعروف أن الصين تواجه في الآونة الأخيرة مشكلة تصحر في بعض المناطق الزراعية، كما تواجه كذلك تحولاً في انتقال السكان من الريف إلى المدن، ويساهم ارتفاع حجم الطبقة الوسطى في زيادة استهلاك الغذاء.

وعلى صعيد المعادن، فلدى الصين استثمارات ضخمة في تشيلي التي تملك أكبر قطاع تعديني في أميركا اللاتينية. كما باتت لدى الشركات الصينية حيازات تعدينية في كل من البيرو والمكسيك وكولومبيا تمتد من الليثيوم إلى الحديد والذهب.

وتاريخياً تعد العلاقات بين بلدان أميركا اللاتينية والولايات المتحدة شديدة التعقيد ومتوترة في أغلب الأحيان، على الرغم من أن واشنطن تنظر إلى الدول اللاتينية على أساس أنها تقع في محيط نفوذها الجغرافي.

وعلى الرغم من أن نمط العلاقات تغير في الآونة الأخيرة، وأن العلاقات بين الولايات المتحدة ومعظم دول أميركا اللاتينية شابها الهدوء، وباتت دول أميركا اللاتينية، أكبر مورد أجنبي للنفط إلى الولايات المتحدة، فقد ظلت عوامل الهجرة وتجارة المخدرات والجريمة المنظمة بدول أميركا اللاتينية تمثل هاجساً رئيسياً للولايات المتحدة.

ووصل التوتر بين الجانبين قمته في فترة حكم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، حينما قرر بناء سور عازل بين بلاده والمكسيك، كما ألغى اتفاقية التجارة الحرة التي كانت تربط بين المكسيك وأميركا وكندا.

المساهمون