هل تلجأ موسكو لسلاح القمح وتوقف إتفاق الحبوب الأوكرانية؟

هل تلجأ موسكو لسلاح القمح وتوقف إتفاق الحبوب الأوكرانية؟

22 سبتمبر 2022
موسكو تنصب سنابل القمح على مداخل الكرملين كإشارة إلى نفوذ روسيا الغذائي (Getty)
+ الخط -

تدور تساؤلات حول ما إذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيلجأ لاستخدام سلاح الغذاء ويوقف اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية الذي وقعته موسكو في يوليو الماضي، وسط تراجع مبيعات القمح الروسي بسبب منافسة الحبوب الأوكرانية.

وتتخوف أسواق الحبوب العالمية من انسحاب روسيا من اتفاق صادرات الحبوب الأوكرانية الذي وقعته بوساطة تركية وإشراف من الأمم المتحدة، وسط تصعيد روسي غربي ملموس وتحذيرات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن بلاده ستتخلى عن الاتفاق، وإعلان التعبئة والتهديد مجدداً باستخدام أسلحة الدمار الشامل.
حتى الآن سمح اتفاق إسطنبول الذي وقع في 26 يوليو/ تموز بتخفيف أزمة الغذاء العالمية في الدول الفقيرة وساهم في خفض معدل التضخم عالمياً، وبالتالي فإن استمرار تدفق الحبوب الأوكرانية، خاصة القمح، يُعد ذا أهمية كبرى للعالم.
ومنذ توقيع الاتفاقية غادرت 108 سفن الموانئ الأوكرانية، وذهب 47% من الحبوب إلى تركيا والدول الآسيوية، و17% إلى أفريقيا، و36% إلى الاتحاد الأوروبي. وحسب نصوص الاتفاق فإنه يسري لمدة ثلاثة أشهر ويجدد بعدها لفترة مماثلة. ووسط الهزائم التي تلقاها الجيش الروسي في شرقي أوكرانيا وفشل أسلحة النفط والغاز التي استخدمتها بوتين ضد أوروبا في تحقيق أهدافها ربما تلجأ موسكو لاستخدام سلاح الغذاء وتوقف اتفاق تصدير القمح الأوكراني الذي بات يهدد صادراتها من الحبوب في الأسواق العالمية.
ولا يستبعد محللون أن تعود روسيا لمحاصرة الموانئ الأوكرانية على البحر الأسود. وبالتالي وقف تصدير الحبوب والأسمدة الأوكرانية التي يحتاجها العالم بشدة لحل أزمة الغذاء في الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل وخفض أسعار الغذاء في الدول الغربية التي تعاني من ارتفاع معدل التضخم.
لكن ما هي الأسباب التي دفعت بوتين للتهديد بوقف اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية؟
وفق خبراء فإن موسكو كانت تأمل أن تستفيد من اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية في تحقيق 3 أهداف رئيسية وهي، أولاً: كسب تأييد بعض دول العالم التي تعاني من أزمات غذائية طاحنة لغزوها أوكرانيا، وبالتالي إنهاء عزلتها الدولية جزئياً. واستهدفت موسكو كسب بعض دول الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا التي تعاني بشدة من أزمات الخبز لجانبها وتأييد غزوها لروسيا.
أما الهدف الثاني فهو أن يسمح الاتفاق بتخفيف العقوبات الغربية على صادراتها من المنتجات الغذائية، والثالث هو السماح لها بممرات آمنة لصادراتها عبر البحر الأسود وخفض كلف التصدير لمنتجاتها غير المحظورة من قبل القوى الغربية.
لكن يبدو أن هذه الأهداف لم تتحقق لموسكو، وبالعكس من ذلك تضررت صادرات منتجاتها من الحبوب والأسمدة، حيث تراجعت تنافسية منتجاتها الزراعية في الأسواق العالمية بسبب إقبال المشترين على الحبوب الأوكرانية الرخيصة نسبياً مقارنة بالحبوب الروسية.

وحسب بيانات شركة "سوف إي كون" الروسية للأبحاث تراجعت صادرات روسيا من القمح منذ بداية اتفاق إسطنبول بمعدلات كبيرة. إذ تراجعت، حسب الشركة، صادرات القمح في شهري يوليو/ تموز وأغسطس/ آب بنسبة 28% عن مستوياتها في نفس الفترة من العام السابق وبلغت 5.8 ملايين طن.
ويرجع محللون التراجع إلى تفضيل التجار للقمح الأوكراني وقوة سعر صرف الروبل الذي جعل القمح الروسي أغلى كثيراً من الأوكراني، وكذلك إلى عامل الضريبة الجمركية الروسية المرتفعة.
وحسب تقديرات "سوف إي كون"، فإن روسيا تتجه نحو حصاد محصول قياسي من القمح خلال العام الجاري ربما يبلغ 94.7 مليون طن متري مقارنة بمحصول العام الماضي البالغ 90.9 مليون طن متري. وهذا المحصول القياسي يحتاج إلى أسواق باتت غير متوفرة وسط المنافسة الشرسة من القمح الأوكراني، وبالتالي ربما تواجه روسيا أزمة تخزين إذا تواصل تصدير القمح الأوكراني.
وحسب تقرير بمركز "كارنيغي للسلام" الأميركي فإن روسيا ليست لديها مخازن كافية لتخزين القمح وستواجه أزمة في بيع قمحها هذا العام. ورغم المحصول القياسي، لا يتوقع محللون أن تتمكن روسيا من الحصول على دخل من مبيعات القمح هذا العام مثل مداخيل العام الماضي البالغة 11.5 مليار دولار.
كما يشير محللون إلى أن صفقات الحبوب الروسية تواجه أزمة ائتمان مصرفي بسبب العقوبات الغربية، إذ إن معظم المصارف تتردد أو ترفض فتح خطوط ائتمان لمشتري القمح الروسي. يضاف إلى ذلك أن مبيعات الحبوب الروسية، خاصة القمح، تعاني من تراجع أسعارها بسبب الحسومات التي يطالب بها التجار الآسيويون، خاصة تجار الصين الذين يعلمون جيداً أزمة التسويق التي تعاني منها موسكو وبالتالي يتربحون من صفقات الحبوب والأسمدة الروسية.
على صعيد الأسمدة يشير تقرير أميركي إلى أن الحال أفضل لروسيا، إذ تراجعت صادرات أسمدة البوتاسيوم بنسبة أقل من القمح، تراوحت بين 25 إلى 30% خلال الشهور السبعة الماضية. وكانت الأسمدة الروسية قد استفادت من سماح الإدارة الأميركية في مارس/ آذار الماضي.

ويتوقع محللون أن يؤدي انسحاب موسكو من الاتفاق إلى حرمان أوكرانيا من جزء كبير من عائداتها من العملة الصعبة، كما ستكون له عواقب سالبة على ارتفاع أسعار الغذاء العالمية والتضخم في أوروبا.
يذكر أن بوتين قال الأسبوع الماضي إن اتفاق الحبوب قيد المراجعة من قبل موسكو لأن الحبوب الأوكرانية لا يتم شحنها إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، إذ تشتد الحاجة إليها، ولكن إلى أوروبا.
بالنسبة لأوكرانيا كان الهدف واضحاً من اتفاق تصدير الحبوب، وحسب تحليل بمعهد سياسات أبحاث الغذاء العالمية، كانت كييف في حاجة ماسة لبيع منتجاتها المحاصرة من الحبوب حتى تتمكن من الحصول على دخل بالعملات الصعبة لدعم ميزانيتها المنهارة، كما أن أوكرانيا تواجه أزمة تخزين للمحصول الجديد من الحبوب الذي بات على الأبواب. كما أن من فوائد الاتفاق لكييف أنه ينهي الحصار البحري الروسي على موانئ رئيسية في البلاد على البحر الأسود.

المساهمون