هل تصبح خليجي 25 نقطة انطلاق للعراق؟

هل تصبح خليجي 25 نقطة انطلاق للعراق؟

16 يناير 2023
تنظيم العراق لبطولة كأس الخليج العربي لكرة القدم حظي بإشادة عربية (فرانس برس)
+ الخط -

حظي تنظيم العراق لبطولة كأس الخليج العربي لكرة القدم في دورتها الـ25، المقامة في مدينة البصرة العراقية، بالكثير من الإشادة الخليجية والعربية، فيما اعتبره مراقبون تعزيزاً للهوية الخليجية للعراق، بالإضافة إلى عودة ظهور العراق في المحافل الهامة التي غاب عنها منذ الاحتلال الأميركي عام 2003.

وكان لافتاً للغاية التوافد الجماهيري الكبير من كلّ الدول الخليجية نحو مدينة البصرة التي تحتضن البطولة، كذلك بدا لافتاً بشدة الترحيب الكبير من سكان البصرة بالضيوف الخليجيين عبر مبادرات فردية وجماعية عبّرت عن الكرم العربي، وأظهرت روح الأخوة المتجذرة التي فشلت الخلافات السياسية في تغييبها، الأمر الذي دعا الكثيرين إلى القول إنّ البطولة حققت أهدافها في لمّ الشمل بين سكان المنطقة، ودعم التقارب والتآخي بين الجماهير.

آمال انتعاش الاقتصاد

تتعدى أهمية البطولة للعراق الجوانب الرياضية، على أهميتها، إلى الجوانب الاقتصادية. فمن الناحية الرياضية، من المعروف أنّ العراق، بسبب الصعوبات الأمنية، يلعب مبارياته في العديد من الدول الشقيقة، وقد أسهم تنظيم البطولة في إثبات العراق أمام الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" والاتحادات الكروية في العالم، استقراره الأمني واستعداده اللوجستي لاستضافة البطولات والمباريات المهمة بنجاح، وانتزع بذلك اعترافاً رسمياً من الفيفا.

كذلك إنّ نجاح البطولة تنظيمياً، في ظلِّ التوافد الجماهيري الكبير الذي بلغ طبقاً للتقديرات الرسمية ما يزيد على 450 ألف مشجع لمباريات الدور الأول فقط (وهو الرقم الأكبر مقارنة بكلّ بطولات الخليج السابقة) عكس حالة الاستقرار الأمني الكبير الذي سيتيح للعراق توطيد علاقاته بدول مجلس التعاون الخليجي، من خلال استثمارات اقتصادية تفتح أبواب العراق مجدداً أمام جيرانه الخليجيين، وحتى من خارج الخليج.

وشهدت مدينة البصرة خلال أول يومين من البطولة إقبالاً جماهيرياً كبيراً من ضيوف دول الخليج، الذين وصلوا عبر مختلف المنافذ البرية والجوية، للاستمتاع بأجواء البطولة، وكشف رئيس هيئة المنافذ الحدودية في العراق، أنّ عدد الزوار الذين قدموا إلى مدينة البصرة في أول يومين فقط من بطولة "خليجي 25"، عبر منفذي مطار البصرة الدولي ومنفذ سفوان الحدودي، بلغ نحو 34 ألف شخص، بفضل التسهيلات التي قُدِّمَت إلى مختلف الوفود المشاركة من منتخبات وممثلي وسائل الإعلام والجماهير.

وكانت الحكومة العراقية قد أعلنت قبل انطلاق البطولة إعفاء الضيوف من كل الرّسوم والفيزا والاكتفاء بختم الدخول فقط، ووضعت خطة عمل دقيقة، ما أسهم في عملية دخول مرنة وفق انسيابية عالية وبلا تأخير.

نمو قوي للاقتصاد في 2022

حقق الاقتصاد العراقي معدل نمو كبيراً خلال العام المنصرم قارب نحو 10%، ويُعَدّ قفزة كبيرة على مستوى اقتصادات البلاد التي شهدت العديد من التراجعات الحادة. وارتفع الاحتياطي النقدي إلى أكثر من 95 مليار دولار بسبب ارتفاع عائدات النفط، التي تبلغ ما بين 9-11 مليار دولار شهرياً في المتوسط. وكانت وزارة النفط العراقية قد أعلنت منذ أيام تحقيق أكثر من 115 مليار دولار من تصدير النفط الخام بنهاية عام 2022. وتمثل إيرادات النفط 90% من موارد الميزانية العامة، لكن هذا البلد النفطي الكبير يعاني من أزمات كبيرة ونسب فقر وبطالة مرتفعة منذ الاحتلال الأميركي عام 2003.

تزامن مع البطولة توقيع الحكومة العراقية اتفاقاً جديداً مع شركة سيمنز الألمانية لتطوير شبكة الكهرباء في البلاد، إذ وقّع الرئيس التنفيذي للشركة مذكرة تفاهم مع وزير الكهرباء زياد علي، لزيادة إنتاج الكهرباء المحلي، بحوالى 11 غيغاواط، في إطار سعي الحكومة للتغلب على مشكلة انقطاع الكهرباء في معظم أنحاء البلاد.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

ورغم تلك التطورات، إلا أن الاقتصاد العراقي تراجع خلال السنوات الماضية، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع نسبة الفقر إلى 27 في المائة، مع وجود 10 ملايين عاطل من العمل، واستمرار تفشي الفساد المالي في جميع قطاعات الحياة، وقد تعزز ذلك بشدة في ظل إهمال مستمر للقطاعين الصناعي والزراعي والاعتماد المطلق على تصدير النفط فقط، وهو الأمر الذي فاقم حالة الإحباط لدى عموم الشعب العراقي الذي يشعر بأن بئر الفساد يبتلع كل آمال الشعب في توافر حياة كريمة.

بادرة تفاؤل رغم التحديات

يُعَدّ استمرار أسعار النفط المرتفعة داعماً للآفاق الاقتصادية للعراق في الفترة المقبلة، ورغم التوقعات بالتراجع التدريجي للطلب على النفط على المدى المتوسط، ولكن ستبقى عوائد النفط الكبيرة داعماً رئيسياً للتنمية في البلاد، لكن ذلك لا يمنع وجود العديد من التحديات التي تعاكس تلك الاتجاهات التنموية خلال الفترة المقبلة.

ويشير تقرير "المرصد الاقتصادي للعراق" الصادر عن البنك الدولي تحت عنوان "فرصة جديدة للإصلاح" إلى أنه ستزداد مواطن الضعف الاجتماعية والاقتصادية في العراق تفاقماً، جراء اشتداد صدمات تغيّر المناخ، بما في ذلك ارتفاع درجات الحرارة، وزيادة شحّ المياه، وتزايد تكرار الظواهر المناخية بالغة الشدة، مشيراً إلى أن الواقع المتشابك بين التنمية والمناخ في العراق يستدعي اتخاذ إجراءات عاجلة، وهو ما يتطلب جهوداً واسعة للتكيف مع تغيّر المناخ، مع التركيز على العلاقة المتداخلة بين المياه والزراعة والفقر.

كذلك، يرى البنك الدولي أنه في ظل تحقيق العراق لإيرادات نفطية قياسية، سنحت للحكومة الجديدة فرصة فريدة للعمل على تنويع أنشطة البلاد الاقتصادية ومعالجة التحديات الهيكلية القائمة منذ وقت طويل والمرتبطة بالمناخ ووضع الاقتصاد على مسار أكثر استدامة وقدرة على الصمود.

شخصياً، شعرت كما شعر ملايين العرب، بسعادة غامرة بعودة الروح إلى الشعب العراقي، التي بدت على وجوه جماهيره في مباريات البطولة وفخرهم بنجاح بلدهم التنظيمي وحرصهم على إظهار العراق بصورة مغايرة عن تلك المرسومة في العقل العربي طوال فترة ما بعد الاحتلال. كذلك سعد الجميع بعودة التوافد العربي نحو الأراضي الغالية. ورغم كل الصعوبات والتحديات الاقتصادية التي يعانيها الشعب العراقي منذ أكثر من ثلاثة عقود، فإنّ من الواضح أنّ روحاً جديدة بدأت تسري في الجسد العراقي، ما يبشر بأن البطولة ستكون بادرة خير نتمناها للشعب العراقي.