هكذا أثرت حملات ملاحقة السوريين على الأسواق والاقتصاد التركي

هكذا أثرت حملات ملاحقة السوريين على الأسواق والاقتصاد التركي

27 اغسطس 2023
السوريون يحركون الاقتصاد التركي (Getty)
+ الخط -

تتغير خريطة الاقتصاد التركي، بعد حملات ملاحقة السوريين وترحيل المخالفين منهم إلى المناطق المحررة، شمال غربي سورية، ما ينذر بمزيد من الآثار على الإنتاج والاستهلاك وحتى على أسعار العقارات والإيجارات، كما يقول رئيس الجالية السورية السابق بإسطنبول، نزار الخراط.

وفي حين يؤكد الخراط لـ"العربي الجديد" "عدم المبالغة" بالآثار، لكنه بالوقت نفسه لا يستسهل دور ترحيل نحو 600 ألف سورية خلال عامين، كانوا ينتجون ويستهلكون ويزيدون حركة السوق، منهم أكثر من 100 ألف من قوة العمل، كانوا يعملون بالقطاعات الانتاجية، الصناعية والزراعية، بل والشريحة الكبرى من الشباب.

يكشف العامل السوري سليم شحرور استقالة عمال سوريين من المنشآت الانتاجية، نظراً لأن بطاقة الحماية المؤقتة لديهم، لا تعود إلى ولاية إسطنبول الكبرى، وقد زاد التضييق عليهم خلال الشهرين الأخيرين.

ولكن، يضيف شحرور لـ"العربي الجديد" أن أسباباً أخرى، دخلت على "خط التضييق" أخيراً، منها عدم التزام أرباب العمل حتى بالحد الأدنى للأجور البالغ نحو 11400 ليرة تركية، مستغلين حاجة السوريين ومخاوفهم من الملاحقة "هذا حدث معي وتركت عملي بعد التضييق وعدم رفع الأجر".

بالمقابل، يقول مدير شركة لبيع الأجهزة الالكترونية "عابد.م" من منطقة الفاتح بإسطنبول أن نسبة المبيع تراجعت كثيراً، بعد غياب السوريين عن الأسواق، مشيراً لـ"العربي الجديد" إلى أن "الفاتح" من أكثر الأحياء استقبالاً للسوريين وهم من يحركون أسواقها، إذ تزيد محال السوريين ببعض المناطق عن المحال التركية"آق دينيز، نزلة الأمنيات وأكسرايّ".

وبالنسبة للسلع الاستهلاكية والمطاعم، يؤكد مدير مركز "بيت المونة" للغذائيات، رامي أشقر تراجع المبيع منذ نحو شهرين، بالتزامن مع استعار حملة ملاحقة السوريين، الأمر الذي انعكس على توزيع المعامل التركية التي تورّد والتفكير بإغلاق بعض فروع السلسلة، كما قال لـ"العربي الجديد".

بالمقابل، يشير عبد المجيد عاشور صاحب سلسلة مطاعم "النور" بمنطقتي الفاتح وباشاك شهير بإسطنبول، تراجع المبيعات بأكثر من 60% خلال الشهرين الأخيرين، لافتاً خلال حديثه لـ"العربي الجديد" إلى ترك نحو 60% من عمالته وعودتهم إلى ولايات استصدار بطاقة الحماية المؤقتة"كيملك" معرباً عن تفكيره بالهجرة من تركيا إلى أوروبا بعد سوء ظروف العمل حسب تعبيره وعرضه فرع باشاك شهير للبيع.

تأثر المنشآت التركية

وملامح آثار الحملات لم تقتصر على الأعمال التجارية للسوريين أو العرب، بل طاولت المنشآت التركية بشكل كبير، بحسب رئيس جمعية بائعي التجزئة في منطقة إيجة محمد فوزي باشداش، الذي يؤكد خلال تصريحات أن حملة ملاحقة السوريين تسبّبت في بقاء رفوف المحلات التجارية فارغة من المنتجات والسلع.

ويضيف باشداش أنه خلال الأسبوعين الماضيين اشتكى المواطنون في منطقة إيجة من نقص من المنتجات والسلع وخاصة المُستهلكة بشكل يومي في المحلات التجارية، معتبراً نقص العمالة هي السبب الأهم"حملة ملاحقة المهاجرين أدت إلى إجبار السوريين على البقاء في منازلهم وعدم الخروج إلى أعمالهم خوفاً من الترحيل وأنهم كانوا يقومون بأعمال كثيرة وبقطاعات مختلفة مثل الزراعة والصناعة والإنشاءات والأعمال الثقيلة"ا، معرباً عن تفاقم الوضع "تتزايد المشاكل في قطاع الخدمات اللوجستية يوماً بعد يوم مع استمرار ملاحقة المهاجرين وترحيل السوريين".

لكن، يقول الشاب التركي بارك توتوب إن السوريين بتركيا "طال مكوثهم وبلدهم آمنة ويجب أن يرحلوا" لأنهم برأيه يأخذون فرصة الأتراك بالعمل ويقبلون بأجور قليلة، الأمر الذي رفع من نسبة البطالة خاصة بين الشباب وعمال الإنتاج "السوري يقبل بالحد الأدنى أو أقل ورب العمل يهمه تخفيض التكاليف" داعياً إلى معاقبة المنشآت التي تشغل السوريين من دون أذن عمل أو حتى تستغلهم بأجور منخفضة.

دعوات لضبط العمالة

ويضيف توتوب أنه ليس ضد وجود العمالة السورية "بشكل عام" لكنه مع ضبط وجودهم ببلاده وترحيل المخالفين، لأنهم ساهموا برفع أسعار العقارات بشكل كبير "شراء وإيجار" ملمحاً إلى أن النمط الاستهلاكي للسوريين، مختلف تماماً عن الأتراك "يشترون بكميات كبيرة رغم دخولهم المنخفضة" الأمر الذي زاد برأيه، من جشع الباعة واستغلال حاجة المستهلكين.

ولم تبتعد الأكاديمية الشابة زينب كارمان عن رأي سابقها، إذ رأت أن زيادة عرض قوة العمل، بسبب المهاجرين وخاصة السوريين، راجع من فرص عمل الشباب الأتراك، معتبرة أن لها الأولوية بالعمل بتخصصها وتقاضي أجر يتناسب مع التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة "أعمل بمكتب قبول جامعي بغير اختصاصي".

ولمّحت الشابة التركية إلى ما وصفته التسهيلات الكبيرة من حكومة بلادها للسوريين "خاصة خلال السنوات الأولى" سواء بدخول الجامعات أو فتح المنشآت، الأمر الذي رفع من طلاب العمل بالسوق وأثر على الخريجين الأتراك.

وبالسياق ذاته وبهدف ضبط عمل المهاجرين وقوننته بالمنشآت التركية، أعلنت وزارة العمل والضمان الاجتماعي في تركيا عن نيتها تنظيم عمل العمال الأجانب، وتشديد حظر توظيف المهاجرين غير النظاميين.
وتكشف مصادر إعلامية إلى أن الوزارة تعمل حاليًا على مشروع قانون يهدف إلى تنظيم العمال الأجانب في البلاد. من خلال وضع قواعد خاصة لأرباب العمل، تهدف إلى تثقيفهم حول كيفية توظيف العمال الأجانب في أماكن عملهم. وتحديد شروط توظيف العمال الأجانب.

وتشير المصادر إلى أن الوزارة، بعد اصدار قانون التنظيم، ستتشدد بالمراقبة والحظر على توظيف المهاجرين غير النظاميين والعمال الأجانب الذين يخالفون القوانين. وتجنب استغلالهم في العمل غير القانوني.

ترحيب وترهيب

رئيس الجالية السابق، نزار الخراط يرى أنه بالوقت الذي تشتد خلاله حملات ملاحقة السوريين بتركيا، يتم الترحيب بأصحاب الأموال منهم، بل ولم تزل بعض الخصوصية والحظوة لكبار المستثمرين السوريين، الذي بدلوا من خارطة التصدير بتركيا، خاصة باتجاه المنطقة العربية"يتم منحهم الجنسية والتسهيلات" ولكن بالمقابل، يتم التضييق على العمال وحتى الطلاب، سواء من خلال عدم منح أذن العمل أو أذن السفر أو حتى التكريه ببعض المنشآت من خلال تدني الأجور والمضايقات اللفظية.

رئيس تجمع المحامين الأحرار بتركيا، غزوان قرنفل يقول لـ"العربي الجديد" إن آثار ملاحقة السوريين المخالفين، انعكست بشكل ملحوظ على الأسواق والانتاج، متوقعاً زيادة الآثار إن طبقت تركيا خططها باستمرار ترحيل السوريين، ولو طوعاً، لأنهم وعبر عقد من الزمن، أسسوا أعمالاً وساهموا بزيادة الإنتاج "السوريون مهرة ويعملون بأجور منخفضة".

ويلفت قرنفل إلى أن أصحاب الأموال والمستثمرين، وحتى الكفاءات بقطاعات كثيرة، مثل الاقتصاد والتعليم والطب وحتى الرياضة، لاقوا بتركيا قبولاً وترحيباً، عبر تبن ومنح جنسية. في حين يزداد التضييق على العمالة التي بدأ آثار انقطاعها، بسبب مخاوف الترحيل العشوائي، على قطاعات الإنتاج الصناعي "ورش" والزراعي وقطاع البناء، معتبراً أن من الواجب وقبل حملات الترحيل، التنسيق فيما بين الهيئات التركية المختصة، لدراسة قوننة وتسهيلات للسوريين بعد دراسة الأسواق ومدى حاجة الاقتصاد التركي للعمالة السورية.

لكن المحلل التركي علاء الدين شنكولر يرى القصة عرض وطلب قبل أن تسيّس عبر المعارضة التركية وتستعر حملات استهداف بعض السوريين، ما أدى إلى ترحيل المخالفين وانتشار المخاوف اليوم وعدم الذهاب للعمل، سواء لعدم وجود بيئة آمنة بالعمل أو لتدني الأجور.

وحول أثر الترحيل وتراجع اليد العاملة، يضيف شنكولر لـ"العربي الجديد" أن الآثار بادية على المنشآت الصغيرة والورش والعمل الزراعي، لكن نسبة الأثر، حتى اليوم، قليلة نسبياً ولن تعطل الصناعة أو تشل القطاعات الأخرى كما يروّج البعض. "الآثار بين 5 و10% لأن هناك عمالة مهاجرة أخرى تسد النقص".

سد الثغرة

يقول الباحث سمير عبد الله إن انعكاس الحالة التركية الجديدة على العمال، هي جزء من معاناة يمكن رؤيتها من جوانب كثيرة، فالترحيل واستهداف المعارضة للسوريين، أثرت على نسبة الطلاب السوريين وزادت من الهجرة بحراً باتجاه أوروبا، بالوقت الذي غادر تركيا إلى شمال غرب سورية أكثر من 600ألف لاجئ.

ويضيف عبد الله لـ"العربي الجديد" أن خارطة وقطاعات عمل السوريين بتركيا، تبدلت ولم تزل، بعد أن ذروتها عام 2018 بنحو 1.17 مليون وقت تهافت السوريون على الصناعة والسياحة والخدمات والتجارة وتبوؤوا لثلاثة أعوام الأكثر استثماراً من خارج تركيا.

لكن الوضع، ومنذ أزمة كورونا التي انعكست على عمل ومستوى معيشة الأتراك، وتعالت الدعوات العنصرية والكراهية، ما راجع عدد ونسبة العمالة السورية وبالمقابل الاستثمارات، معتبراً أن قلة الأجور إلى جانب غلاء المعيشة والمضايقات، زادت من تراجع اليد العاملة السورية التي بدأت تظهر على الأعمال والإنتاج والأسواق الفترة الأخيرة، بعد تصعيد حملات الترحيل.

من جهته، يرى المحلل التركي شنكولر أن خروج السوريين من العمل لن يفتح المحال للأتراك العاطلين، لأن العمل الذي يؤديه السوريون "صعب وبأجر قليل" وبصراحة، حسب قوله، قلما يقبل عليه الأتراك، خاصة بعد حصر التوجه والاهتمام، لدى الجيل الجديد بالأعمال الإدارية "صار عندنا ترهل" ولا تقبل اليد العاملة التركية على الأعمال الصعبة، لافتاً إلى تقصير الدور الحكومي بهذا الجانب، وضرورة توجيه الأسر نحو التعليم المهني.

ولا يستثني المتحدث، حتى بعض المستثمرين ورجال الأعمال السوريين من المتضايقة، سارداً عديد من حالات التكريه التي تعرض لها سوريون وفكروا بالرحيل عن تركيا، أو رحلوا فعلاً.

بالمقابل، يقول المحلل التركي، إسلام أوزكان أن العمالة السورية، بالقطاع الزراعي والورش الصناعية على الأقل، دخلت سوق العمل التركي منذ عام 2012، وبعدها وبحكم المناخ الملائم والترحيب الحكومي، أقبلت رساميل سورية إلى مختلف الولايات، نتيجة التسهيلات، فوجدنا عمالة واستثمارات سورية في قطاعات النسيج والبناء والزراعة والصناعات التقليدية، مشيراً إلى أن عدد السوريين الحاصلين على تصريح عمل يبلغون 950 ألف عامل.

ويؤكد أوزكان لـ"العربي الجديد" أن تبدلات المواقف السياسية، بتركيا والمنطقة وما جرى منذ كورونا وبعدها، أثر على الاقتصاد التركي ومعيشة السكان وسعر الصرف، فكانت إحدى المنعكسات على اللاجئين التي بالغ كثيرون بها عبر التحريض والإساءة.

ويلفت الأكاديمي والمحلل التركي إلى أن السوريين وبعد زيادة اللجوء لتركيا، باتوا من أهم خزانات العمل والعمالة، منذ 2015 حتى نهاية 2018، ما أثر، بالتزامن مع العمل من دون تصاريح، إلى تشكيل مخاطر على الأسواق العمالية وعلى الصحة والقضايا الاجتماعية، ويؤدي إلى صعوبات كبيرة في تقديم الخدمات.  داعياً إلى ضرورة تقسيم القطاعات التي يتم التركيز عليها بواسطة السوريين المهاجرين إلى قسمين:

القطاعات التي تتنافس فيها العمالة المهاجرة مع العمالة المحلية مثل النسيج والبناء. بينما تعتبر القطاعات مثل الزراعة والسياحة هي تلك التي لا يفضل العمال المحليون العمل فيها أو لا يمتلكون المهارات اللازمة للعمل فيها. يمكن أن يتسبب انسحاب العمالة المهاجرة من هذه القطاعات في تداولات سلبية لهذه الصناعات وتأثيرات ضارة عليها.

أرقام ودلالات

يبلغ عدد السوريين بتركيا، نحو3.4 ملايين بتراجع مستمر بعد الهجرة والترحيل والعودة الطوعية، ويعمل بحسب منظمة العمل الدولية نحو 48.2% من السوريين في قطاع التصنيع، بينهم31.1% يعملون في قطاع الألبسة، ويعمل 21.3% من العمالة في قطاع الإنشاءات، و17.7% في قطاع التجارة والضيافة (يعمل 35.7% من إجمالي العاملين في هذا القطاع في تجارة التجزئة، و30.1% في قطاع الطعام، 34.2 في قطاعات أخرى)، في حين يعمل 7.8% من السوريين في الزراعة، و1.4% في قطاع النقل والاتصالات، و2.7% في قطاع التعليم، و1.1% في قطاع الصحة.

كما تشكل العمالة السورية 2.9% من إجمالي حجم العمالة في سوق العمل التركي الرسمي وغير الرسمي وفقاً لإحصائيات الحكومة التركية، ومع ظروف العمل الطويلة والشاقة يتلقى 75% منهم رواتب أقل من الحد الأدنى من الأجور والبالغ 11400 ليرة تركية، فيما يتقاضى 25% رواتب تزيد الحد الأدنى"عسكر أجريت".

ويقول المحلل التركي إسلام أوزكان إن السوريين تميزوا بالمهارة والتجارة، وبدلوا كثيراً من أرقام الإنتاج والتصدير، مشيراً إلى آلاف الشركات التي تأسست من قبل السوريين في تركيا في مدن مختلفة" أكثر عشرة الاف شركة بمتوسط 7 موظفين2019" في إسطنبول، تم تأسيس 593 شركة في عام 2017، و976 في عام 2018، و563 في عام 2019، و287 في عام 2020. ووفقًا لبيانات غرفة التجارة في إسطنبول (İTO) واتحاد حرفيي وصناع الحرف في إسطنبول (İSTESOB)، فإن عدد الشركات التي أسسها السوريون في إسطنبول حتى أغسطس 2018 هو 6086، منها 5617 مسجلة في غرف التجارات التركية.

ويضيف المحلل التركي الذي يرى تبدل الوضع مرتبط بتبدلات الخارطة السياسية والعلاقات بالمنطقة، أن للعمال السوريين دور مهم ولكن يجب أن يقونن، كما لرجال الأعمال السوريين ساهموا بتوفير 100 ألف وظيفة، إثر استثماراتهم والتي لا تزيد نسبة دعم الدولة لها، عن 17% "معظمهم جلبوا أموالهم معهم" أيضاً يجب ان ينظم، خاتماً أن العلاقات المناسبة لجميع الأطراف هي القانونية والمنظمة، فبعد نحو 12 سنة على وجود السوريين، يجب التعامل بعيداً عن العواطف وعن التحريض، فتبادل المصالح والعلاقات القانونية الصريحة، تحقق الخير لكل الأطراف.