ندرة المياه توقف ماكينات الري في تونس... وتهدد الأسواق

19 يناير 2023
المزارعون يعوّلون على تساقط الأمطار لإنقاذ الغذاء (Getty)
+ الخط -

دفع الجفاف الذي تشهده تونس السلطات الزراعية إلى مطالبة المزارعين بالاكتفاء بالحد الأدنى من زراعة العديد من المحاصيل، الأمر الذي ينذر بنقص السلع في الأسواق ويقود لموجة تضخمية أكبر بينما يعاني الكثيرون من الغلاء وتراجع المستويات المعيشية والقدرة الشرائية.

ودأبت ماكينات الري على سحب المياه من السدود والأودية والبحيرات الجبلية إلى جانب الآبار العميقة في الفترة الماضية، غير أن أغلب هذه الآليات تعطلت أخيرا مع انحسار منسوب المياه خاصة في السدود التي وصلت إلى 28%، وفق البيانات الرسمية، فضلا عن نقص الأمطار للعام الثالث.

في منطقة سيدي إسماعيل، من محافظة باجة، شمال غرب تونس (أكبر منطقة زراعية مروية)، يقول المزارع منجي اللافي لـ"العربي الجديد"، إن الحصول على المياه لأغراض زراعة الخضروات لم يعد متاحا في المنطقة المطلة على "وادي مجردة"، وهو أكبر وديان تونس.

يوضح اللافي أن "أغلب البحيرات الجبلية التي يجري فيها تجميع المياه أصبحت جافة، كما تراجع منسوب الوادي، ما دفع السلطات إلى تقسيط مياه الري منذ سنتين قبل أن يجري النزول بها إلى أدنى مستوياتها هذا العام".

ويشير إلى أن الزراعات من حبوب وزيتون وخضر وأعلاف تعاني من العطش وستكتفي بتساقط الأمطار القليلة، مؤكدا أن قطع مياه الري سيسبب تراجعاً كبيراً في مردود الأراضي الزراعية ونقصاً في الإنتاج الذي تزود منه أسواق المدن الشمالية للبلاد وجزء من مدن العاصمة تونس.

وتستحوذ الزراعة على قرابة 84% من كميات المياه المخزنة الموجهة للزراعات المروية. وتستأثر منطقة الشمال التونسي بنحو 60% من الموارد المائية، 80% منها مياه سطحية. ويؤكد عضو منظمة المزارعين المكلف بالموارد المائية والطبيعية حمادي البوبكري أن "أثر تقليص المساحات المروية سيظهر خلال الأشهر القليلة القادمة في الأسواق، حيث سيتراجع العرض وترتفع الأسعار".

ويقول البوبكري لـ"العربي الجديد"، إن "الأسواق تخضع لقانون العرض والطلب وكلما ندرت المواد زادت الأسعار"، معتبرا أن لجوء السلطات إلى تقليص المساحات المروية أمر متوقع في ظل تواصل الجفاف ونزول المخزون المائي في السدود إلى مستويات ضعيفة.

وحول الأصناف المهددة بالاختفاء من الأسواق نتيجة تقليص المساحات المروية، يوضح البوبكري أن أغلب الخضروات والفواكه تعتمد على مياه الري، لافتا إلى أن الطماطم والفلفل والبطاطا والخضر الورقية هي الأكثر استهلاكاً لمياه السقي.

ويضيف أن "هذه الأصناف مواد أساسية ومهمة في سلة غذاء التونسيين ولا تخلو موائدهم منها على مدار السنة"، مشيرا إلى أن المزارعين يلجأون إلى المياه العميقة لإنقاذ محاصيلهم عبر حفر الآبار العشوائية، غير أن الاستغلال المكثف للمياه الجوفية يهدد أيضا الموارد المائية، لا سيما في مناطق الجنوب التي لا تتجدد فيها المياه في باطن الأرض.

ويتابع أن المزارعين في محافظة قبلي، جنوب تونس، يستعملون أكثر من 10 آلاف بئر عشوائية تستخدم مياهها لري أشجار النخيل وبعض أصناف الخضروات، وهو ما يهدد الموارد المائية بالنضوب سريعا.

ويؤكد أن "المزارعين يعولون على تساقط الأمطار خلال الفترة المقبلة لتفادي سيناريو صعب جداً قد تعيشه البلاد خلال أشهر الصيف على وقع ندرة السلع والغلاء".

وتسجل أسعار الغذاء في تونس منذ أشهر قفزات متتالية، ما يزيد الضغوط المعيشية على المواطنين. وخلال ديسمبر/ كانون الأول الماضي سجلت أسعار الغذاء زيادة بنسبة 14.6%. وتعاني تونس من نقص كبير في الأمطار للعام الثالث على التوالي.

وتقدر وزارة الزراعة مخزون المياه في مختلف السدود البالغ عددها 37 سداً بنحو 660 مليون متر مكعب، ما تسبب في نزول حصة الفرد الواحد إلى أقل من 450 متراً مكعباً سنوياً، مقابل معدلات حصة سنوية للفرد في الدول الغنية مائياً لا تقل عن ألف متر مكعب، بينما يتوقع أن يتنامى الطلب على المياه إلى حدود 2.77 مليار متر مكعب في 2030.