من قتل قيصر الطاقة الإيطالية إنريكو ماتي؟

من قتل قيصر الطاقة الإيطالية إنريكو ماتي؟

11 ابريل 2024
إنريكو ماتي مؤسس شركة إيني الإيطالية (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- توفي إنريكو ماتي، رئيس "إيني" الإيطالية، في 1962 بحادث طائرة مشكوك فيه، مع تحقيقات تشير لاحتمالية تورط المافيا أو جهات معادية، نظرًا لتأثيره الكبير على الاقتصاد والسياسة العالمية.
- ماتي، بدون تعليم رسمي، أسس "إيني" في 1953، وبفضل سياساته المبتكرة مثل شراكات 50/50 مع دول النفط، جعلها منافسًا عالميًا وساهم في النهضة الاقتصادية الإيطالية.
- جورجيا ميلوني تعتزم إحياء "خطة ماتي" لتعزيز العلاقات الأوروبية-الأفريقية ومكافحة الهجرة غير الشرعية، مؤكدة على أهمية إرث ماتي في السياسة الإيطالية والعالمية.

"من قتل إنريكو ماتي؟".. ذلك سؤال ما زال يطفو على السطح منذ السابع والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول 1962، عندما قضى رئيس شركة "إيني" الإيطالية العملاقة إثر تحطم طائرة كانت تقلّه بصحبة صحافي أميركي.

تقود الشكوك وبعض القرائن إلى العديد ممن كانوا يرون في مبادراته خطراً عليهم، خاصة المافيا الإيطالية. ذلك ما ذهبت إليه تحقيقات وتقارير ارتأت أن تحطم الطائرة لم يكن سوى عملية إرهابية استهدفت الرجل الذي يرى الإيطاليون أنهم مدينون له بنهضتهم الاقتصادية بعد الحرب العالمية الثانية.

سيرة مؤسس مجموعة "إيني" حاضرة بقوة في ذاكرة الإيطاليين وشعوب أخرى. هذا ما دفع جورجيا ميلوني، التي توصف بزعيمة اليمين المتطرف، إلى الإعلان منذ تكريسها من قبل البرلمان على رأس الحكومة الإيطالية، عن تطلعها إلى إعادة بعث "خطة ماتي" من أجل أفريقيا. فهي ترنو إلى أن يلعب بلدها دوراً حاسماً في عبور الطاقة من القارة السمراء إلى أوروبا والحد من الهجرة غير الشرعية.

تعتقد ميلوني أن الاستثمارات الأوروبية في القارة السمراء ستتيح محاربة جذور الهجرة غير الشرعية، وهي تعتبر أن الجغرافيا، كما السياسية، تساعدان بلدها على المساهمة في مد الجسور بين أوروبا والقارة السمراء.

تحمل خطة ميلوني اسم "إنريكو ماتي" مؤسس مجموعة "إيني"، الذي كان وراء النهضة الاقتصادية لإيطاليا بعد الحرب العالمية الثانية. فقد وصفته نيويورك تايمز في الستينيات من القرن الماضي بالإيطالي الأقوى منذ يوليوس قيصر.

فقد تمكن في ظرف عقد ونصف من تأسيس "إيني" المتخصصة في الغاز والنفط في 1953، حيث خطط لأن تنافس الشركة الكيانات السبعة الأقوى في العالم في ذلك المجال. وهي شركات تحمل جنسيات إنكلترا والولايات المتحدة الأميركية وهولندا.

رأى إنريكو النور في عام 1906 بالقرب من مدينة بيسارو، وكان والده شرطياً، ولم يكن لإنريكو حظ من التعليم، غير أن خبرته دفعت الإيطاليين إلى وصفه بـ"المهندس". عمل في الصناعة، قبل أن يتولّى أمر "إيني" المملوكة للدولة.

ولم يكن الرجل بعيداً عن الحياة السياسية في بلده. فقد كان قريباً من الفاشيين دون أن يتورط معهم. كما كان قريباً من أحزاب اليمين واليسار، التي كان يحرص على علاقاته معها كي يحقق حلمه في ضمان حضور قوي لإيطاليا في سوق النفط والغاز.

أتاح ماتي عبر "إيني" لإيطاليا الانتقال من الاقتصاد الزراعي إلى بلد صناعي يحظى بالتقدير في العديد من البلدان في الغرب والعالم الثالث، خاصة بعدما تبنت الشركة سياسة مناهضة للاستعمار وتصوراً يرنو إلى نوع من المساواة كما كان يتصورها ماتي.

كان يتطلع من وراء تأسيس تلك المجموعة إلى تأمين احتياجات بلده من النفط، قبل أن يتحول إلى لاعب كبير في السوق العالمية. ذلك بفضل إصراره واستحضاره لمصلحة بلده. فقد دفعه ذلك إلى زيارة العديد من البلدان على متن طائرته الخاصة، حيث كان يمنحها شروطاً مكنته من منافسة الكبار في صناعة النفط والغاز.

لم يكتف بالبحث عن استثمارات في البلدان المنتجة للنفط، بل ساهم في مساعدة بلدان غير نفطية على تأمين احتياجاتها من الطاقة، غير أنه كي ينافس المجموعات العملاقة ويحصل على حصة في سوق الغاز كان يعمل بمبدأ "نستثمر جميعاً ونتقاسم كل شيء".

اقترح على الدول التي أبرم معها صفقات شراكة تقوم على مبدأ 50/50 عوض تلك التي كانت تقترحها الشركات العالمية 85/15. هكذا تمكنت "إيني" من الحصول على عقود للتنقيب عن النفط والغاز في العديد من الدول مثل مصر وغانا والصومال وإيران والمغرب وتونس وليبيا والأرجنتين والهند. وعينها الأكبر على أفريقيا حيث تعتبر أن الجزائر ومصر وليبيا ستصبح البلدان الرئيسية الموردة للغاز إلى إيطاليا في الأعوام القليلة المقبلة.

لم يشأ الدخول في شراكة ثنائية مع فرنسا من أجل استغلال حقول نفط وغاز في الجزائر قبل الاستقلال. فقد كان يدرك أن التحرر من الاستعمار، في الجزائر كما في مناطق أخرى، مسألة حتمية. ذلك جلب له التقدير والاحترام اللذين ساعداه في إنجاز مشاريع في العديد من البلدان في العالم الثالث.

ما زال يحظى بحب أبناء وطنه الذين مكنهم من وقود رخيص، ويذكر بالكثير من الإعجاب في بلدان أخرى، خاصة في العالم الثالث. فقد وصفه البعض بـ"قيصر النفط"، و"الشيوعي الأبيض" و"إمبراطور الجمهورية"، غير أن العديدين من الذين تناولوا سيرته يؤكدون أن حضوره القوي أثار حفيظة وعداء المافيا الإيطالية ومنظمة الجيش السري الفرنسية، وهي منظمة إرهابية فرنسية، ووكالة المخابرات الأميركية.

في مذكرة سرية للسفارة الأميركية في روما نقرأ "ماتي هو إيني وإيني هي ماتي". وفي مقال كتب حول الرجل في جريدة لوموند الفرنسية في 2019، يؤكد "عبر التعامل مع إيران أزعج الإنكليز وعبر المتاجرة مع الاتحاد السوفييتي أثار سخط الأميركيين، وعندما يبرم صفقات مع المصريين يستعدي الهولنديين، وعندما يتفاوض مع بلدان المغرب العربي يهدد المصالح الفرنسية".

المساهمون