تواجه الحكومة الأردنية الجديدة برئاسة بشر الخصاونة، الذي صادق الملك عبدالله الثاني على تشكيلة فريقه الوزاري الاثنين، ملفات ثقيلة، في ظل تدهور كبير في المؤشرات المعيشية والاقتصادية. وتسود الشكوك، خاصة من قبل خبراء المالية، حول قدرة حكومة الخصاونة في التغلب على الأزمة العميقة التي يمر بها الأردن، وسط الارتفاع الكبير بمعدلات الفقر والبطالة وتزايد أعداد المصابين بفيروس كورونا في البلاد وتداعيات ذلك على المنظومة الصحية والإنتاجية.
ووفقا لبيانات رسمية أصدرتها دائرة الإحصاءات العامة أخيراً فقد تراجع نمو الناتج المحلي للأردن بنسبة 3.6 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي فيما ارتفعت البطالة إلى 23 في المائة للربع الثاني من هذا العام فيما تقدر مؤسسات دولية أن ترتفع نسبة الفقر إلى أكثر من 27 في المائة.
كما سجلت القطاعات الأساسية تراجعا حادا في أدائها كالعقار الذي انخفضت تداولاته المالية بنسبة 29 في المائة خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي. فيما توقفت السياحة بشكل شبه تام منذ منتصف آذار/ مارس الماضي.
وكان الخصاونة يعمل مستشارا للملك للسياسات، إلى حين اختياره رئيساً للوزراء. وتم تعيينه وزيراً مرتين في حكومة هاني الملقي السابقة. وعمل سفيراً في القاهرة وباريس ويحمل درجة الدكتوراه في القانون من لندن وهو ابن وزير الإعلام الأسبق هاني الخصاونة.
وقد شملت الحكومة تغييرات جذرية طاولت معظم الوزارات مع استحداث ثلاثة مواقع كنواب للرئيس أحدهما للشؤون الاقتصادية وشغله وزير المالية الأسبق أمية طوقان، فيما تم تعيين ناصر الشريدة وزيرا للتخطيط والتعاون الدولي، ومها علي وزيرة للصناعة والتجارة والتموين حيث كانت تشغل المنصب ذاته في حكومة عبدالله النسور السابقة.
وتم الإبقاء على وزيرة الطاقة هالة زواتي وتعيين وزير التنمية السياسية ووزير الشباب الأسبق محمد داودية وزيرا للزراعة. كما طاول التغيير المواقع الوزارية الأخرى أبرزها تعيين نذير عبيدات الناطق باسم لجنة الأوبئة وزيرا للصحة خلفا لسعد جابر. وكذلك علي العايد السفير الأردني في القاهرة وزيرا للإعلام خلفا لأمجد العضايلة. وتوفيق الحلالمة وزيرا للداخلية خلفا لسلامة حماد. وكذا تعيين معن القطامين وزيرا للعمل ووزير دولة لشؤون الاستثمار...
وقال عضو مجلس النواب السابق موسى هنطش، لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة الجديدة لديها ملفات كبيرة جداً ومهامها ليست سهلة أبداً، نتيجة الصعوبات الاقتصادية وأزمة كورونا وتداعياتها السلبية والخطيرة على النظام الصحي والاقتصاد الوطني. إضافة إلى الملفات الأخرى كانخفاض أداء القطاعات الاقتصادية وضعف الاستثمارات والزيادة المتسارعة في معدلات الفقر والبطالة، وكذا المديونية التي تجاوزت 45 مليار دولار وتخطت الناتج المحلي الإجمالي للأردن.
وأضاف أن الحكومة تحتاج إلى وقت طويل للتعاطي مع المرحلة والتحديات الناتجة عنها والعمل على ترجمة توجيهات الملك التي أشارت إلى المشاكل الأساسية التي يعاني منها الأردن في العديد من المجالات الاقتصادية والأوضاع المعيشية للمواطنين.
وتابع هنطش أن الحكومة عليها العمل بمنهجيات مختلفة تماماً عن السابق والاستفادة من إخفاقات الحكومة السابقة في إدارة الشأن الاقتصادي ومحاربة الفقر والبطالة والتصدي للمديونية وتحفيز الاستثمارات وتنشيط بيئة الأعمال. ذلك أن الحكومات المتعاقبة لم تكن قادرة على إخراج الاقتصاد الوطني من عنق الزجاجة، بل إن الأزمة الاقتصادية في تصاعد خطير، وفق تعبيره. ووجه الملك عبدالله الثاني رئيس الوزراء المكلف بالاستمرار في تعزيز نهج الاعتماد على الذات من خلال تمكين الموارد البشرية الواعدة وتزويدها بعلوم ومهارات مهنية وتقنية ترفع من ميزتها التنافسية.
ودعا إلى الاستثمار الأمثل في الموارد المتاحة والاستفادة من الفرص المتوفرة في كل القطاعات. وكذلك الاستمرار في الإصلاحات الاقتصادية والمالية والهيكلية بهدف تحقيق النمو الشامل والمستدام، بما يدعم بيئة الأعمال وتنافسية الأردن إقليمياً وعالمياً.
كما أكد ضرورة الاستمرار في اتخاذ كل الإجراءات والتدابير المدروسة في التعامل مع جائحة كورونا بشكل يوازن بين الاعتبارات الصحية وتشغيل القطاعات الاقتصادية والحفاظ على أرزاق المواطنين.
وقال الملك عبدالله الثاني إنه رغم تداعيات أزمة كورونا إلا أنها أظهرت مكامن قوة وفرصا واعدة في قطاعات عدة خصوصا الصناعات الغذائية والدوائية والمعدات الطبية التي يجب استثمارها وفق نهج مؤسسي قابل للتنفيذ لتحديد الفرص المتاحة، وبما يوفر فرص العمل ويمكن الأردن من لعب دور مهم كمركز إقليمي في المنطقة.
ورأى مصدر مطلع في حديث مع "العربي الجديد" أنه بقراءة تفصيلية لتوجيهات الملك للرئيس الخصاونة تتبين ضخامة التحديات الاقتصادية التي تواجه الأردن والمخاطر التي تهدده في حال طال أمد أزمة كورونا. ما يجعل مهمة الحكومة الجديدة صعبة للغاية كونها ورثت تركة ثقيلة من سابقتها وأوضاعا اقتصادية متهالكة توصف بأنها أشد من الأزمة المالية التي واجهتها البلاد نهاية الثمانينيات.
وقال رئيس جمعية حماية المستثمر أكرم كرمول لـ"العربي الجديد" إن كتب التكليف الملكية للحكومات السابقة كانت في كل مرة تؤكد أهمية تحسين فرص الاستثمار وتحفيز المشاريع العربية والأجنبية محلياً، ولكن للأسف لم تتم ترجمة التوجيهات على أرض الواقع بالشكل المطلوب وكل ما يتم إجراءات تقليدية لا تخرج عن إطار العمل المتوارث من حكومة لأخرى، وبالتالي بقيت معدلات الاستثمار متواضعة ودون المستوى المطلوب رغم توافر الفرص والإمكانات.
وأضاف: "يجب على الحكومة الجديدة الاهتمام أكثر باستقطاب الاستثمارات، لأنها عامل أساسي لتحسين الوضع الاقتصادي وتوفير فرص العمل وزيادة الإيرادات العامة".
من جانبه، اعتبر المحلل الاقتصادي حسام عايش في حديث مع "العربي الجديد" أن التحديات أمام الحكومة الجديدة معقدة للغاية فهي تأتي في وقت يواجه فيه الأردن أزمة كورونا كباقي البلدان مع فارق أوضاعه الاقتصادية الصعبة، وكذلك انخفاض النمو وتدهور الأوضاع المعيشية وتباطؤ إن لم نقل تراجع غالبية القطاعات الاقتصادية كالصناعة والتجارة والعقارات والسياحة وغيرها.
وأضاف أنه على الحكومة إعداد موازنة الدولة للعام المقبل 2021 بما تنطوي عليه من ضغوط وعجز مالي مرتفع وتراجع في المعونات الخارجية وانخفاض الإيرادات المحلية وزيادة الإنفاق على الصحة وشبكة الأمان الاجتماعي ودعم القطاعات المتضررة من الجائحة.
وبيّن أن اللافت من ردود الفعل الأولية ونبض الشارع الأردني أن الغالبية تقلل من قدرة الحكومة المقبلة على التصدي للمشكلات الاقتصادية كون ذلك يحتاج إلى وقت طويل. ولكن على الحكومة أن تأخذ بالاعتبار وقف حالة التراجع الاقتصادي ومن ثم العمل على معالجة المشكلات المتراكمة والتي تنتقل من حكومة لأخرى. فيما عبّر العديد من المواطنين عن عدم ثقتهم بأن الحكومة ستكون قادرة على محاربة الفساد بالشكل المطلوب.