مصانع الموت في المغرب: الحياة ثمن لقمة العيش

مصانع الموت في المغرب: الحياة ثمن لقمة العيش

12 فبراير 2021
مطالب بتوفير بيئة آمنة في المصانع تضمن سلامة العمال (فاضل سنا/فرانس برس)
+ الخط -

أعادت فاجعة طنجة التي راح ضحيتها عشرات العمال ملف مخاطر القطاع الموازي والمشروعات السرية في المغرب إلى الواجهة مرة أخرى، إذ تكشف بيانات رسمية ونقابية عن أن آلاف العمال في القطاعات غير الرسمية حياتهم باتت مهدّدة بسبب عدم الالتزام بمعايير الأمان والسلامة في ظل غياب الرقابة الحكومية عليها.

وتتضارب الإحصائيات حول حجم القطاع السري (الموازي)، إذ تؤكد معطيات نشرها الاتحاد العام لمقاولات المغرب (نقابة رجال أعمال)، أخيرا، أن الأزمة الاقتصادية الحالية المرتبطة بفيروس كورونا الجديد كشفت أن "القطاع غير المهيكل يُمثل أكثر من 50 في المائة من حجم الاقتصاد المغربي".

وأوضح الاتحاد أن القطاع غير المهيكل يضم نوعين، الأول اجتماعي والثاني غير اجتماعي، هذا الأخير يتمثل في "مقاولات لا تصرح ولا تؤدي ما عليها، وقطاعات بأكملها تشتغل في هذا القطاع لأسباب غير اجتماعية".

وفي المقابل، كشفت دراسة أعدها البنك المركزي أن القطاع غير المهيكل يمثل 30 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي بالبلاد. حيث لا يزال حاضرا بقوة على الرغم من الجهود التي تبذلها السلطات لتبسيط الإجراءات الإدارية وتخفيف العبء الضريبي وتسهيل الوصول إلى التمويل المصرفي.

وأوضحت دراسة البنك المركزي أن العمالة التي يشغلها القطاع غير المهيكل تمثل 80 في المائة من إجمالي اليد العاملة في البلاد، وذلك استنادا للأرقام التي سبق وأن أعلنت عنها منظمة العمل الدولية.

وأعاد مصرع 29 عاملا بمصنع نسيج "سري" بمدينة طنجة، شمال المغرب، الاثنين الماضي، إلى الواجهة مطلب توفير تدابير حماية سلامة وصحة آلاف العمال، في ظل تكرار حوادث مميتة في الوحدات الصناعية غير المهيكلة خلال السنوات الأخيرة.
ونجم الحادث عن تسرب لمياه الأمطار، مما تسبب في محاصرة ووفاة عدد من الأشخاص الذين كانوا داخل المصنع. وفتحت السلطات المغربية المختصة التحقيق للكشف عن ظروف وحيثيات الحادث. وحسب مصادر، يضم مصنع طنجة الذي شهد الحادث المأساوي أكثر من 120 عاملا وتم إنشاؤه داخل حي سكني.

وفي هذا السياق، اعتبر الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل، (اتحاد عمالي) علي لطفي، أن ما حدث يدق ناقوس الخطر بشأن الاستهتار بحقوق وأرواح الآلاف من العمال المغاربة، مشيرا إلى أن المسؤولية تقع على وزارة الشغل والاندماج المهني وعلى مفتشيها في ما يخص مراقبة المعامل السرية التي أصبحت منتشرة في العديد من المدن الكبرى (الدار البيضاء وطنجة وغيرهما) لمدى حفاظها على الصحة والسلامة المهنية للعمال.

وقال المسؤول النقابي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن منظومة الصحة والسلامة المهنية ورعاية حقوق العاملين والعاملات في بيئة عمل آمنة وعادلة، ما زالت ضعيفة ومتعثرة رغم توقيع المغرب على العديد من اتفاقيات الشغل والصحة والسلامة المهنية، وذلك بسبب غياب الإرادة السياسية.

ولفت لطفي إلى أن "هناك استغلالا بشعا لليد العاملة المغربية واستهتارا بأرواحهم في المعامل وكذلك في الورشات الزراعية التي تعرف استغلالا لعاملات يشتغلن في ظروف صعبة ومحفوفة بالمخاطر نتيجة استعمال مواد كيماوية خطيرة، وذلك في انتهاك صارخ لمقتضيات مدونة الشغل التي تلزم المشغل، أن يتخذ جميع التدابير اللازمة لحماية سلامة الأجراء وصحتهم، وكرامتهم، لدى قيامهم بالأشغال التي ينجزونها تحت إمرته وفي احترام تام للمقتضيات القانونية والتدابير المتعلقة بحفظ الصحة والسلامة، بما فيها التدابير والإجراءات الاحترازية المتخذة لحماية سلامة الأجراء وصحتهم من عدوى الإصابة بفيروس كورونا ـ كوفيد 19، في مقرات عملهم، وذلك تحت طائلة المتابعة القضائية.

من جهته، ألقى عضو جمعية النسيج والألبسة بالشمال، عادل الدفدوف، بالمسؤولية على وزارة الشغل والاندماج المهني، فيما وقع من مأساة، مؤكدا، في حديثه مع "العربي الجديد"، على ضرورة إعمال المراقبة الدائمة للوحدات الصناعية فيما يخص احترامها لمقتضيات حماية سلامة وصحة الأجراء ومواكبة تلك الوحدات بهذا الشأن.

الأرشيف
التحديثات الحية

لكن مسؤولا في وزارة الشغل والاندماج المهني، رفض ذكر اسمه، قال لـ"العربي الجديد" إن مسؤولية ما وقع في مصنع طنجة غير المرخص تقع على السلطات المحلية لجهة مراقبة الوحدات الصناعية والترخيص لها، لافتا إلى أن جهاز تفتيش الشغل يقوم بأدوار كبيرة في مجال احترام تطبيق تشريع الشغل، وإن كانت موارده البشرية من حيث الكم غير كافية بالنظر إلى توسع النسيج الاقتصادي بالبلاد.

أما نقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، الذراع النقابي لحزب العدالة والتنمية (قائد الائتلاف الحكومي الحالي)، اعتبرت أن الفاجعة التي هزت مدينة طنجة فضحت جزءا من معاناة الأجراء الذين يشتغلون مجبرين في ظروف لا إنسانية، تحط من كرامتهم، وفي غياب تام لأبسط الحقوق وشروط الصحة والسلامة المهنية.

ونبه الاتحاد العمالي، في بيان له وصل إلى "العربي الجديد "، إلى خطورة مثل هذه الوحدات التي تنتمي إلى القطاع غير المهيكل، والموجودة في أغلب المدن الصناعية والتجارية والفلاحية، وجميع القطاعات الإنتاجية والأعمال الحرة، وتخلف بين الحين والأخر مآسي اجتماعية مؤرقة ومقلقة بسبب حوادث قاتلة لعشرات الأجراء.

وسجلت النقابة أن هذه الوحدات لا تتبع المساطر القانونية لفتح الشركة ولا تحترم شروط الصحة والسلامة، محملة مسؤولية الفاجعة لجميع الجهات المعنية التي تغض الطرف عن "أشباه المستثمرين"، غير الملتزمين بالمقتضيات القانونية، وخاصة منها المتعلقة بشروط الترخيص ومزاولة العمل وفق معايير الجودة والسلامة والصحة المهنية.

وطالبت النقابة بتعزيز آليات المراقبة للدولة من أجل فرض تمكين العمال والعاملات من كافة حقوقهم، وعدم التساهل مع المستهترين بأرواح الأجراء، مع دعم جهاز تفتيش الشغل والاعتناء به ماديا ومعنويا وتقويته بالموارد البشرية وتوفير وسائل العمل الضرورية الكفيلة بأداء الأدوار الموكولة له بمدونة الشغل.
وكان المغرب قد عرف في السنوات الأخيرة تكرار حوادث مميتة في منشآت صناعية كان من أبرزها أحداث مصنع "روزامور" بالدار البيضاء، في 26 أبريل/ نيسان 2008، وأدت إلى مقتل 56 عاملا وجرح 17 آخرين، إثر حريق شب في المصنع، نتيجة المواد السريعة الاشتعال التي يستعملها المصنع من الإسفنج وخشب وجلد ومواد كيماوية، وعدم احترام معايير السلامة.
والخميس قبل الماضي، قال رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أحمد رضى شامي، خلال لقاء تواصلي افتراضي خصص لتقديم رأي المجلس تحت عنوان "الصحة والسلامة في العمل: دعامة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية"، إن "إصلاح منظومة الصحة والسلامة في العمل يجب أن يعتمد على رؤية شاملة، وليس على مبادرات أو إجراءات متفرقة".
وأوضح أن الجميع معرض للعديد من المخاطر في أماكن العمل، سواء أكانت حوادث شغل أو أمراضا مهنية، لافتا إلى أن المغرب يسجل، حسب مكتب العمل الدولي، 2000 وفاة سنويا ترتبط بحوادث الشغل، وهو ما يعد من بين أعلى الأرقام المسجلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وعزا رئيس المجلس أهم أسباب تلك الحوادث إلى "ضعف تطبيق القوانين ذات الصلة، والنقص الحاصل في الكفاءات المتخصصة، وكذلك محدودية جهاز المراقبة".
وقال الاتحاد العام لمقاولات المغرب في بيان عممه على منصاته على مواقع التواصل، تعليقا على فاجعة طنجة، التي توفي فيها 29 عاملا: "يقدم الاتحاد العام لمقاولات المغرب خالص تعازيه لأسر وأقارب ضحايا فيضان مصنع غير رسمي بطنجة".
وأوضح الاتحاد أن "هذه المأساة بمثابة تذكير بالخطر اليومي الذي يمثله القطاع غير الرسمي على أمن إخواننا المواطنين. في الواقع، تستخدم غالبية الوحدات غير الرسمية عمالة غير مدفوعة الأجر، من خلال ترتيبات عمل محفوفة بالمخاطر وغير منظمة وغير مُبلغ عنها.
نتيجة لذلك، يجد العمال غير الرسميين أنفسهم في موقف ضعيف للغاية". ويقترح الاتحاد لوقف هذه الآفة: "اتخاذ تدابير شجاعة وعملية، مثل تعميم تغطية الضمان الاجتماعي".

المساهمون