لماذا تدعم الاقتصادات الكبرى زيادة وحدات السحب بصندوق النقد الدولي؟

لماذا تدعم الاقتصادات الكبرى زيادة وحدات السحب في صندوق النقد الدولي؟

04 اغسطس 2021
زيادة حقوق السحب ستساعد على تنشيط الصادرات الأميركية (Getty)
+ الخط -

أعلن صندوق النقد الدولي موافقة مجلس إدارته على تخصيص ما تصل قيمته إلى 650 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة للمساهمة في تحسين وضع السيولة العالمي، في أعقاب الأزمة التي ضربت اقتصادات الدول بعد ظهور وانتشار فيروس كوفيد-19، وما ترتب عليها من تراجع النشاط الاقتصادي وارتفاع نسب البطالة وتدني الخدمات الصحية والتعليمية في أغلب البلدان. 
ووصفت كريستالينا جورجيفا، رئيسة الصندوق، قرار المجلس بأنه "تاريخي"، مؤكدة أن المبلغ الذي تقرر تخصيصه يعد "الأكبر في تاريخ الصندوق" الممتد لأكثر من 75 عاماً، وأنه يمثل "جرعة تنشيطية في ذراع الاقتصاد العالمي، في وقت يعاني فيه من آثار أزمة غير مسبوقة". وقالت جورجيفا إن المبلغ المخصص سيساعد تحديداً الدول الأكثر فقراً على مواجهة آثار الأزمة.
حصص الدول الغنية
وعلى الرغم مما أشارت إليه رئيسة صندوق النقد الدولي من اعتبار مساعدة الدول الأكثر فقراً العامل الأهم وراء تخصيص تلك المبالغ، لا يبدو أن الجزء الأكبر منها سيذهب للدول الأكثر احتياجاً، حيث أعلن الصندوق أن توزيع المبالغ بين الدول سيكون وفقاً لحصة كل دولة في الصندوق، الأمر الذي يعني أن النسبة الأكبر ستوجه إلى الدول الأكثر دخلاً، والتي عادة تكون صاحبة الحصص الأكبر في مخصصات الصندوق. 

وأشارت جورجيفا أيضاً إلى أن الفترة القادمة ستشهد مفاوضات مع الاقتصادات الكبرى لاستطلاع فرص تنازلها – طواعية – عن جزء من المبالغ المخصصة لها وتوجيهها للدول الأكثر احتياجاً.
ويطرح تأخر الصندوق في التصويت على تخصيص هذه الحزم لمساعدة الدول الفقيرة في مواجهة تبعات الجائحة الكثير من علامات الاستفهام، بعدما تم الإعلان عنها ووافقت عليها دول مجموعة العشرين قبل ما يقرب من خمسة أشهر، الأمر الذي يثير الكثير من الشكوك حول الغرض الحقيقي من إقرار تلك المبالغ الآن. 
وفي لقاء مع محطة "سي أن بي سي" الإخبارية، اعتبر ويليام جاكسون، كبير الاقتصادين المعنيين بالأسواق الناشئة بمركز الأبحاث الاقتصادية كابيتال إيكونوميكس، أن المبالغ التي سيتم تخصيصها للدول الأكثر فقراً، وإن كانت ستخفف من الضغوط على احتياطيات النقد الأجنبي لديها، إلا أنها "ستسمح باستئناف استيراد احتياجاتها من الخارج، بعدما تسببت الأزمة في تراجع وارداتها، وتسهل سداد أقساط القروض والفوائد المستحقة على ديونها الخارجية". 
وأشار جاكسون إلى أن عودة الدول الفقيرة للاستيراد من الاقتصادات الكبرى ستمثل دفعة قوية للطلب على منتجات الأخيرة. 
وبينما عمد مسؤولوه إلى تأكيد احتياج الدول الفقيرة لتلك المبالغ بعد تراجع تدفق الاستثمارات غير المباشرة لديها، لم يتحدث الصندوق عما يضمن تحقيق الأثر الإيجابي لتلك القروض، خاصة مع غياب الشفافية والمحاسبة في الكثير من البلدان التي ينوي الصندوق إقراضها. 
وخلال العام الأخير، تمكن العديد من الدول الفقيرة، ومنها دول عربية، من اقتراض مليارات الدولارات من الصندوق ومن خلال أسواق السندات، بحجة توجيهها لتخفيف معاناة المواطنين من تبعات الجائحة، وتشير أغلب الأرقام الصادرة عن حكومات تلك الدول إلى أن النسبة الأكبر من تلك المبالغ لم يتم توجيهها لمساعدة المواطنين أو لتقديم خدمات الحماية الاجتماعية لهم.

ويقول جاكسون، من كابيتال إيكونوميكس، إن "توفير هذه التمويلات بالعملة الأجنبية لن يلغي الحاجة إلى إعادة هيكلة الديون التي وصلت إلى طريق لا يسمح باستمرارها على ما هي عليه مستقبلاً".
دعم الصادرات الأميركية
وعلى نحو متصل، أظهرت دراسة حديثة، صادرة عن مركز أبحاث السياسة والاقتصاد، أحد أهم المراكز البحثية في العاصمة الأميركية واشنطن، يوم الاثنين، أن تخصيص مبالغ إضافية كبيرة من حقوق السحب الخاصة للدول منخفضة ومتوسطة الدخل سيساعد على تنشيط الصادرات الأميركية، ويخلق ملايين الوظائف المرتبطة بالصناعات التصديرية، ويضع البلاد على طريق خلق المزيد منها خلال السنوات القادمة.  
ومستعينة ببيانات وزارة التجارة الأميركية، قدرت الدراسة الوظائف المفقودة المرتبطة بالصناعات التصديرية من جراء تراجع الطلب على الصادرات الأميركية في أعقاب أزمة الجائحة بما لا يقل عن 1.8 مليون وظيفة خلال عام 2020 وحده، ترتفع إلى 2.2 مليون وظيفة بأخذ أرقام العام الحالي في الاعتبار.
وفَصَّلت الدراسة أعداد الوظائف المفقودة في الولايات الأميركية المختلفة، مشيرة إلى أن 21 ولاية من الولايات الخمسين فقدت أكثر من عشرة آلاف وظيفة، كانت في مقدمتها ولاية تكساس التي فقدت 167 ألف وظيفة، وولاية ساوث كارولينا التي فقدت 68 ألف وظيفة، تمثل 3.1% من إجمالي الوظائف بها قبل ظهور الفيروس وانتشاره في البلاد. 

 

ورغم إعادة فتح الاقتصاد وحصول أكثر من 70% من الأميركيين البالغين على جرعتي المصل، ما زال الاقتصاد الأميركي يعاني حتى الآن من معدل بطالة يقترب من ضعف ما كان عليه قبل الجائحة. 
والعام الماضي، صوت مجلس النواب مرتين لصالح موافقة وزارة الخزانة الأميركية على إصدار صندوق النقد الدولي ما لا يقل عن 2 تريليون وحدة من حقوق السحب الخاصة (ما يعادل حوالي 2.8 تريليون دولار)، يتم منحها للدول الأكثر احتياجاً، إلا أن الجمهوريين، أصحاب الأغلبية وقتها في مجلس الشيوخ، رفضوا القرار، رغم عدم وجود كلفة تتحملها الحكومة الأميركية أو دافعو الضرائب من الأميركيين. 
واعتبر مارك ويزبروت، المدير المشارك بمركز أبحاث السياسة والاقتصاد، أن رفض الجمهوريين "هو في أغلب الأحوال مبني على سوء فهم لطبيعة حقوق السحب الخاصة، أو على معلومات غير دقيقة". 

المساهمون