كابوس عقود الطاقة يؤرق أكثر من 4 ملايين شركة في بريطانيا

كابوس عقود الطاقة في بريطانيا...أكثر من 4 ملايين شركة مرغمة على دفع أسعار أعلى

01 مايو 2023
أكثر من مليون شركة معرضة للإفلاس بسبب تكاليف التشغيل المرتفعة (Getty)
+ الخط -

تحول تباطؤ أسعار الطاقة عالمياً في الأشهر الماضية إلى كابوس مزعج لملايين الشركات البريطانية والحكومة على حد سواء بدلاً من الشعور بالارتياح، إذ خانت التقديرات الجميع خلال أزمة الطاقة العام الماضي، لتنغمس أكثر من 4 ملايين شركة في إبرام عقود طويلة المدى للتزود بالطاقة بأسعار مرتفعة، مطمئنة حينها إلى حزمة دعم حكومية.

لكن هذه الشركات استيقظت مع حلول إبريل/ نيسان الماضي على انقضاء هذا الدعم وعدم تمديده، ما وضع نحو مليون شركة في مأزق خطير يصل إلى حد الإفلاس وخروجها من السوق، وسط ارتفاع تكاليف التشغيل بالمضي قدماً في دفع الأسعار المحددة في العقود لأشهر وربما سنوات، أو دفع رسوم جزائية حال فسحها.

وخلصت دراسة أجرتها غرفة التجارة البريطانية (BCC) واتحاد الشركات الصغيرة (FSB) إلى أن ما يصل إلى ربع الشركات الصغيرة في المملكة المتحدة، أي ما يزيد عن مليون شركة، تخضع لرسوم أسعار ثابتة للطاقة أعلى بكثير مما ينبغي دفعه.

وأضحت الشركات المقيدة بعقود طويلة الأجل ملزمة بدفع أسعار متضخمة بناءً على ذروة العام الماضي، وهو ما دفعها إلى المطالبة بتدخل رسمي من الدولة، في حين تجد الحكومة نفسها عاجزة عن حل هذه الإشكالية الكبرى، ليصفها خبراء اقتصاد بـ"فضيحة أخلاقية".

تواصلت "العربي الجديد" مع إدي أمسيروفيتش، باحث أول في معهد أكسفورد لدراسات الطاقة ومؤلف كتاب: "التداول واكتشاف أسعار النفط الخام: نمو وتطور أسواق النفط الدولية"، للتعليق على ما يمكن أن تقوم به الحكومة لمساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تكافح تحت وطأة عقود الطاقة طويلة الأجل، فقال إنّ هذه القضية باتت "تمثّل خطراً أخلاقياً هائلاً".

وأوضح أمسيروفيتش أنّ "هذه العقود الثابتة طويلة الأجل هي عقود طوعية جرت بموافقة أصحابها، ولم يكن من المتوقع حدوث مشكلة لو زادت أسعار السوق أكثر من السعر التعاقدي، لكن بعد أن باتت العقود الطوعية أكثر تكلفة، اندفعت الشركات لطلب المساعدة".

ورغم تشجيع الحكومة الشركات خلال أزمة الطاقة العام الماضي على إبرام عقود بأسعار ثابتة للطاقة مع المزودين لتفادي أي ارتفاعات سعرية مستقبلية، إلا أن أمسيروفيتش يرى أنه "يجب عليها ألا تفعل أي شيء" حالياً ما دامت هذه العقود طواعية.

في المقابل، اختلفت نظرة المجموعات التجارية التي تمثل ما يصل إلى أربعة ملايين شركة صغيرة، إذ دعت الحكومة إلى ضرورة تحرير الشركات من قيد عقود الطاقة ثابتة الثمن وإعادة التفاوض بشأنها مع المزودين.

كذلك، لفت كلّ من اتحاد الشركات الصغيرة وغرفة التجارة البريطانية إلى أن التلاعب بالأسعار في الصيف الماضي، من قبل الموردين ووسطائهم، ترك الشركات المتوسطة وصغار التجار مرتبطين بصفقات باهظة الكلفة.

ووصف ممثلو مُصنعي المعادن التي تعد من القطاعات المعتمدة بشكل كبيرعلى الطاقة، في رسالة إلى وزير الأعمال جرانت شابس، وضع عقود الطاقة بأنها أكبر "فضيحة بيع خاطئ".

وفي هذا الشأن، قالت يوبينا إن جي، من مكتب إعلام "اتحاد الشركات الصغيرة" (FSB)، لـ"العربي الجديد"، إنّهم أصدروا بياناً صحافياً، قالت فيه تينا ماكنزي، رئيسة السياسة في الاتحاد، في ردّها على انتهاء خطة دعم الطاقة الحكومية في الأول من إبريل/ نيسان، إنّهم وصلوا إلى حافة الهاوية التي كانوا يتحدثون عنها منذ أشهر.

وأوضحت ماكنزي أن "عشرات الآلاف من الشركات الصغيرة تواجه الآن الخطر الوجودي، حيث يتراجع دعم الطاقة الحكومي إلى حد كبير ويُستبدل بمخطط لا يقدم أي مساعدة تقريباً".

وأشارت إلى أنه لا يزال هناك متسع من الوقت لإنقاذ هذه الشركات وإعادة التفاوض بشأن عقود الطاقة الخاصة بها، مضيفة: "لقد وجدنا أن 24% من الشركات الصغيرة عالقة في عقود ثابتة، و28% منها تقول إنها قد تضطر إلى تقليص حجم أعمالها أو إغلاقها أو إعادة هيكلتها، وهذا يعادل 370 ألف شركة صغيرة، ناهيك عن الوظائف والمجتمعات التي تعتمد عليها".

وكانت مؤسسة أوفجيم (منظم الطاقة في بريطانيا) قد عبرت عن قلقها بشأن سلوك بعض وسطاء وموردي الطاقة حول كيفية تعاملهم مع الشركات.

وقالت في خطاب، وجهته إلى المستشار جيريمي هانت قبل وضع الميزانية في مارس/آذار الماضي، إن الشركات تكافح لدفع فواتير طاقة أعلى مما يمكن أن تفسّرها ظروف السوق، وفي كثير من الحالات، اضطرت إلى دفع ودائع أعلى بكثير ورسوم ثابتة.

على عكس المستهلكين من الأسر، فإن الأنشطة التجارية ليست مدعومة تقليدياً بسقف تنظيمي للأسعار، وعادة ما تكون أكثر عُرضة لأسعار الجُملة. ولا يُتوقع من مورّدي الأعمال التحوط من مشتريات الطاقة، وغالباً ما يشتري التجار الطاقة والغاز في الأسواق قصيرة الأجل نيابة عن العملاء الصناعيين الكبار.

وفي وقت سابق من العام الجاري، أكدت الحكومة البريطانية أن دعم أسعار الطاقة لا يمكن أن يستمر طويلاً نظراً للكلف الباهظة التي تتحملها.

وكشفت بيانات صادرة عن مكتب الإحصاءات الوطني، يوم الثلاثاء الماضي، أن دعم الحكومة فواتير الطاقة للمنازل والشركات تسبب في زيادة عجز الميزانية للسنة المالية 2022-2023 إلى رابع أعلى مستوى مسجل، إلا أنه جاء أقل من التوقعات.

وذكر مكتب الإحصاءات أن الاقتراض بلغ 139.2 مليار جنيه إسترليني في السنة المالية المنتهية في مارس/ آذار، بما يمثل 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي، ارتفاعا من 121.1 مليار جنيه في السنة المالية 2021-2022 أو ما يمثل 5.2% من الناتج المحلي الإجمالي.

وفي مارس/آذار الماضي، قال مكتب مسؤولية الميزانية، الذي تستخدم الحكومة توقعاته، إن الاقتراض في السنة المالية الماضية سيكون 152.4 مليار جنيه أو 6.1% من الناتج المحلي الإجمالي، قبل أن يتراجع إلى 5.1% في السنة المالية الحالية 2023-2024.

وتعليقاً على هذه البيانات، قال وزير الخزانة جيريمي هانت، وفق ما نقلت "رويترز"، إنّ بريطانيا اقترضت مبالغ "ضخمة" لدعم الاقتصاد خلال جائحة كورونا وصدمة أسعار الطاقة التي نتجت عن الغزو الروسي لأوكرانيا. وفي مارس/ آذار وحده، اقترضت الحكومة 21.5 مليار جنيه (26.9 مليار دولار).

وحاولت الحكومة حماية العائلات والشركات من أسوأ تداعيات ارتفاع أسعار الطاقة منذ قلّصت روسيا تدفق الغاز عبر خطوط الأنابيب إلى أوروبا، على خلفية العقوبات المفروضة على موسكو بسبب غزو أوكرانيا. وتركزت الجهود الحكومية لتقليص الأعباء عن كاهل الأسر.

وتعاني المملكة المتحدة من تضخم أعلى من هدف بنك إنكلترا البالغ 2%، نتيجة مجموعة من العوامل، بما في ذلك اضطرابات سلسلة التوريد بسبب تداعيات جائحة كورونا وارتفاع أسعار الطاقة وارتفاع أسعار السلع العالمية.

وارتفع مؤشر أسعار المستهلك 10.1% على أساس سنوي، مدفوعاً بأقوى زيادة في أسعار المواد الغذائية منذ أكثر من أربعة عقود، حسب ما قال مكتب الإحصاءات الوطنية في 19 إبريل/ نيسان الماضي، بينما كان خبراء الاقتصاد يتوقعون تباطؤ معدل التضخم إلى ما دون 10%.

وسجل معدل التضخم في فبراير/شباط الماضي زيادة غير متوقعة ليبلغ 10.4% على أساس سنوي مقابل 10.1% في يناير/كانون الثاني، بعد ارتفاع قياسي في أسعار البقالة بسبب نقص في الخضراوات.

في المقابل، كشفت بيانات جديدة عن الخسائر الناجمة عن ارتفاع أسعار الفائدة وفواتير الطاقة، وأظهرت أن عدد الشركات التي أشهرت إفلاسها في إنكلترا وويلز قفز إلى أعلى مستوى خلال أربع سنوات على الأقل. وارتفع إجمالي عدد الشركات المفلسة في المملكة المتحدة إلى 2457 خلال مارس/آذار الماضي، بزيادة 16% على أساس سنوي، حسب بيانات صادرة عن المؤسسة الحكومية المتخصصة بشؤون إعلان حالات الإفلاس في إبريل/ نيسان.

وتعني الأرقام الجديدة أن حالات إفلاس الشركات في الربع الأول من 2023 ظلت تدور حول المستويات المسجلة خلال الربع الأخير من 2022، والتي كانت الأعلى منذ عام 2009 إبان الأزمة المالية العالمية. وتشير الأرقام إلى أن ارتفاع تكاليف الاقتراض والطاقة يُحدث أضراراً جسيمة للأوضاع المالية في الشركات، ما قد يؤثر على الاقتصاد والتوظيف. ويتوقع خبراء مزيداً من حالات الإفلاس في المستقبل.

المساهمون