قلق غربي من تنامي قوة الصين الاقتصادية في الشرق الأوسط بعد حرب غزة

قلق غربي من تنامي قوة الصين الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط بعد حرب غزة

15 أكتوبر 2023
ناقلة نفط تمر عبر مضيق هرمز الإيراني (getty)
+ الخط -

السؤال الذي بات يقلق عددا من العواصم الغربية التي تدعم إسرائيل بلا تحفظ في حربها الإجرامية على قطاع غزة، ما هو الدور الذي ستلعبه بكين في الشرق الأوسط بعد الهجوم الإسرائيلي الوحشي الواسع على غزة رداً على عملية "طوفان الأقصى". وهل يعزز الصراع الفلسطيني الإسرائيلي النفوذ الصيني في منطقة الشرق الأوسط؟

محللون حاولوا الإجابة عن السؤال بقولهم إن الأزمة في الشرق الأوسط الناجمة عن عملية" طوفان الأقصى"، وما تبعها من تداعيات الهجوم الإسرائيلي على غزة باتت بمثابة اختبار كبير لطموحات الصين في بناء نفوذها الاقتصادي والسياسي في منطقة تتزايد معها تجارتها ومصالحها الاقتصادية، ولكن تهيمن عليها الولايات المتحدة أمنياً وبشكل تقليدي منذ سنوات طويلة.

وبحسب هؤلاء، فإن دعم الصين القوي للفلسطينيين يمكن أن يعزز مكانتها في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط ككل.

تعتمد الصين في الطاقة على واردات النفط والغاز القادمة من الشرق الأوسط، وهناك أهمية للممرات المائية خاصة مضيق هرمز

وتعتمد الصين في الطاقة على واردات النفط والغاز القادمة من الشرق الأوسط، وهناك أهمية للممرات المائية خاصة مضيق هرمز الذي يمر به نحو 17.5 مليون برميل نفط يومياً، وخليج العقبة وقناة السويس، والتي تشكل أهم الممرات لتجارة الصين مع أوروبا.

وفي عام 2021، استوردت الصين ما يقرب من 81 مليون طن متري من النفط الخام من الشرق الأوسط.

وفي الواقع، فإن غالبية واردات الصين من النفط تأتي من دول في المنطقة العربية، حيث وصلت تجارة الصين مع السعودية وحدها إلى 87.3 مليار دولار، وشكلت واردات الصين من النفط الخام 43.9 مليار دولار من هذا المبلغ.

كما تستفيد الصين من الخامات البترولية الرخيصة التي تحصل عليها من إيران التي تقع منذ سنوات تحت الحصار الأميركي وتعزز بالتالي تلقائياً مكانة الشركات الصينية في أسواق المحروقات في آسيا.

التجارة غير النفطية

على صعيد التجارة غير النفطية، ترى دراسة بجامعة جورج تاون الأميركية في واشنطن، أن الشرق الأوسط يتمتع بأهمية خاصة بالنسبة للشحن البحري في مبادرة الحزام والطريق (MSRI) بسبب اعتماد الصين على واردات الطاقة.

ووفقًا لتقرير الاستثمار في مبادرة الحزام والطريق الصينية لعام 2021، استهدفت غالبية المشاريع الاستثمارية الصينية في مبادرة الحزام والطريق في عام 2021 منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وفي عام 2022، وسعت دول الشرق الأوسط تعاونها مع الصين وحصلت على حوالي 23% من المشاركة الصينية في مبادرة الحزام والطريق، ارتفاعًا من 16.5% في العام 2021.

واستثمرت الصين في محطة بوابة البحر الأحمر، وهي مشروع مشترك بين موانئ الشحن الصينية "كوسكو" وصندوق الاستثمارات العامة في السعودية لتطوير وتشغيل محطة حاويات في ميناء جدة الإسلامي، في حين تشمل المشاريع الأخرى تلك الموجودة في منطقة السويس.

ويقول تقرير "جامعة جورج تاون"، إن العراق حصل على أكبر تمويل من مبادرة الحزام والطريق الصينية لمشاريع البنية التحتية في عام 2021، بقيمة 10.5 مليارات دولار في عقود البناء.

كما سعت الصين إلى استثمار 10 مليارات دولار في مشاريع البنية التحتية في إقليم كردستان الذي يتمتع بالحكم الذاتي في شمال العراق.

شراكة شاملة مع إيران

كان لاتفاقية "الشراكة الاستراتيجية الشاملة" بين إيران والصين أهمية كبيرة، والتي تقدر قيمتها بـ400 مليار دولار، أي ما يعادل 10 في المائة من إجمالي ميزانية الصين لمبادرة الحزام والطريق، وتنص على التطوير المشترك لميناء تشابهار ومحطة نفط جديدة بالقرب من إيران، وميناء جاسك جنوب مضيق هرمز.

في الوقت الذي تتراجع فيه هيمنة الولايات المتحدة الطويلة الأمد على المنطقة، ينتاب القلق صناع السياسات الأوروبيين

وبالتالي أصبحت الصين لاعباً متزايد الأهمية في الشرق الأوسط في العقد الماضي. وفي حين أنها لا تزال وافدًا جديدًا نسبيًا إلى المنطقة العربية وتتسم بالحذر الشديد في نهجها تجاه التحديات السياسية والأمنية في المنطقة، فقد اضطرت البلاد إلى زيادة مشاركتها في الشرق الأوسط بسبب وجودها الاقتصادي المتنامي هناك.

وفي الوقت الذي تتراجع فيه هيمنة الولايات المتحدة الطويلة الأمد على المنطقة، ينتاب القلق صناع السياسات الأوروبيين على نحو متزايد من مستقبل البنية الأمنية في الشرق الأوسط والدور المحتمل الذي تلعبه الصين داخل هذه البنية.

وحتى الآن من غير المعروف الدور الذي يمكن أن تلعبه الصين في الحرب الإسرائيلية على غزة، ولكن وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، تحدث بقوة أكبر لصالح الفلسطينيين، قائلاً: "إن جوهر الأمر هو أن العدالة لم تتحقق للشعب الفلسطيني".

وقال وانغ خلال اتصال هاتفي مع أحد مستشاري الأمين العام للأمم المتحدة: "لقد أثبت هذا الصراع مرة أخرى بطريقة مأساوية للغاية أن الطريق إلى حل القضية الفلسطينية يكمن في استئناف محادثات السلام الحقيقية في أقرب وقت ممكن، وإعمال الحقوق المشروعة للأمة الفلسطينية"، وذلك وفق صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية.

من جانبه، اتصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أثناء سفره في الشرق الأوسط خلال عطلة نهاية الأسبوع، بوزير الخارجية الصيني وانغ، وطلب من بكين استخدام أي نفوذ لها في المنطقة لمنع الدول والجماعات الأخرى من دخول الصراع وتوسيعه، وفقًا لوزارة الخارجية الأميركية، وحسب ما ذكرته " واشنطن بوست".

مجلس العلاقات الخارجية الأوروبي: بكين لعبت الدور الرئيسي في ضم كل من السعودية ومصر والإمارات وإيران إلى مجموعة بريكس

في ذات الصدد، لاحظ تحليل في مجلس العلاقات الخارجية الأوروبي، أن بكين لعبت الدور الرئيسي في ضم كل من السعودية ومصر والإمارات وإيران إلى مجموعة بريكس في قمتها الأخيرة التي عقدت في جوهانسبورغ.

كما أن هناك تقاربا بين مشاريع مبادرة الحزام والطريق في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تقع على مفترق الطرق بين أفريقيا وآسيا وأوروبا.

ولاحظ التقرير، أن الصين كانت أكبر شريك تجاري لـ11 دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما في ذلك إيران وعشر دول عربية.

وحتى الآن وقعت الصين اتفاقيات مع 21 دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (بما في ذلك 18 دولة عربية) بشأن مشاريع مشتركة لمبادرة الحزام والطريق.

كما إن طموحات الصين المتزايدة لدمج منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مبادرة الحزام والطريق، لأسباب اقتصادية واستراتيجية أوسع، قادتها إلى زيادة مشاركتها بشكل كبير في المنطقة.

وقال مدير برنامج الصين في مركز ستيمسون، يون سون، وهو مركز أبحاث في واشنطن، إن دعم الدول العربية لفلسطين سيزداد مع اشتداد الحملة الإسرائيلية على قطاع غزة، وإن هذا يصب في مصلحة الصين لأنه سيزيد من دور الصين في منطقة الشرق الأوسط".

وفي مقابل التصريحات الصينية، فإن واشنطن تدعم بقوة إسرائيل، وأرسلت مجموعتين من حاملات الطائرات بعد الهجوم.

محللون: كيف يمكن لهذه الطموحات الناشئة للصين أن تتغلب على حالة عدم الاستقرار الناجمة عن الصراع بين إسرائيل وقطاع غزة؟

والآن يتساءل المحللون: كيف يمكن لهذه الطموحات الناشئة للصين أن تتغلب على حالة عدم الاستقرار الناجمة عن الصراع بين إسرائيل وقطاع غزة. 
في هذا الصدد، قال دبلوماسي كبير من ذوي الخبرة في الشرق الأوسط لصحيفة "فايننشيال تايمز": "صحيح أن الصين يمكنها التفاوض على شيء ما بين السعودية وإيران، لكن هذا لا يخلق أي ثقة كبيرة على الجانب الإسرائيلي".

وأضاف الدبلوماسي قائلا: "إسرائيل لن تتصرف بطريقة من شأنها تقويض المكانة الأميركية في المنطقة". 

المساهمون