فوضى تجارة الجزائر: محاولات عقيمة لاحتواء الباعة الجائلين

فوضى تجارة الجزائر: محاولات عقيمة لاحتواء الباعة الجائلين

11 نوفمبر 2022
الحكومة تسعى إلى تنظيم الأسواق غير المرخصة (بلال بنسالم/Getty)
+ الخط -

 

لم تنجح الأسواق البديلة التي لجأت إليها الحكومة الجزائرية، في استقطاب الباعة الجائلين في مختلف مدن البلاد، حيث اعتبرت ملاذاً فاشلاً على اعتبار أن العديد من التجار الذين يلتحقون بها يغادرونها كي يعودوا لممارسة أنشطتهم في الشارع.
ويأتي ذلك، وسط تجدد حملات كبح ظاهرة الباعة العشوائيين الجائلين في الشوارع والساحات وعلى جنبات الأسواق والفضاءات العامة، من جهة، وارتفاع الأصوات المطالبة باحتوائهم لتفادي ارتفاع نسب البطالة من جهة أخرى.
وتشن فرق الشرطة والدرك في المدن الجزائرية، حملات تطهير دورية ضد الباعة العشوائيين في الأسواق والمساحات العمومية، لمنعهم من استخدام طاولات ونصب خيام صغيرة لبيع السلع من خضر وبعض الأغراض والأواني والقماش والألبسة.
وفي السياق، أكد عضو مجلس بلدية سيدي امحمد في العاصمة الجزائر، اليمين عبد الجبار، أن "رؤساء البلديات يتلقون تعليمات من وزارتي التجارة والداخلية بضرورة فض الأسواق العشوائية والحد من انتشار الباعة الجائلين، من خلال الاستعانة بقوات الشرطة والدرك، مع ضرورة تسجيل مشاريع إقامة "أسواق جوارية" (أسواق منظمة) لاحتواء الباعة غير الشرعيين، من خلال إحصائهم واستقبال طلبات الاستفادة من دكاكين صغيرة أو طاولات في الأسواق البلدية أو ما يعرف بـ "الأسواق الباريسية".
وأضاف نفس المتحدث لـ "العربي الجديد" أن "المشكل يكمن في رفض هؤلاء الشباب لولوج الأسواق المنظمة، بحجة ابتعادها عن التجمعات السكانية، أو خلوها من التهيئة الداخلية كالكهرباء أو الماء أو حتى الأمن وهي مبررات للبقاء في الشوارع، بالرغم من أن العملية مجانية".

وأعاد توسع ظاهرة البطالة، إحياء الأسواق العشوائية في مدن الجزائر، والتي لجأ إليها الكثير من الشباب لكسب بعض المال، وسط ارتياح المواطنين، في ظل الأسعار المقبولة التي تباع بها السلع في هذه الأسواق، مقارنة بتلك المعروضة عبر المحلات التجارية، الأمر الذي اعتبره تجار يمثل خطراً على أعمالهم.
من "الجزائر العاصمة" إلى "وهران" غربا و"عنابة" شرقا وغيرها من الولايات، لا ترى عين المتجول سوى باعة جائلين حوّلوا الشوارع إلى أسواق مفتوحة.
يقول باعة ممن يطلق عليهم في الجزائر "التجار الفوضويين" إن البطالة وظروف المعيشة دفعتهم إلى المخاطرة بشراء سلع من خضر وفواكه ومواد غذائية وغيرها لعرضها في نقاط بيع عشوائية، مضيفين أن أسعارهم لا تثقل كاهل المواطنين.
"العربي الجديد"، التقت الشاب فؤاد صاحب طاولة لبيع الفواكه في حي "بئر الخادم" الشعبي في العاصمة، الذي يقول إنه "وضع عدة طلبات عمل في وكالات التشغيل ولم يتلق أي رد وحاول عدة مرات مع البلدية من أجل الاستحواذ على محلٍ في الأسواق التجارية، إلا أن الأسواق لا تزال قيد البناء وتقع خارج الأحياء العمرانية الكبرى".
ويضيف أن "العربات المتجولة تعطي فرصة له من أجل كسب بعض المال حيث اقترض بعض النقود من أجل شراء الفواكه، وعرضها في سوق فوضوية".
وعلى طاولة مجاورة وقف الشاب عماد عارضاً بعض الأواني، قائلاً إنهم "لا يوفرون لنا عملاً ويمنعوننا من العمل، اليوم نحن بين نارين: البطالة، ومطاردة السلطات له ولأمثاله ممن يسترزقون عبر تجارة متنقلة وغير شرعية".
ويضيف نفس البائع لـ "العربي الجديد" أنه "يبيع الأواني منذ أزيد من تسعة أشهر، ويبحث عن لقمة عيشه بعد أن أنهى دراساته العليا في معهد المحاماة، وقضى أكثر من 4 سنوات كاملة في البحث عن عمل، ليقع اختياره على بيع الأواني كبائع متجول. ولم يقف مكتوف اليدين".

أعاد توسع ظاهرة البطالة، إحياء الأسواق العشوائية في مدن الجزائر، والتي لجأ إليها الكثير من الشباب لكسب بعض المال، وسط ارتياح المواطنين


وكانت السلطات الجزائرية قد عرضت على الباعة الجائلين سنة 2020، استخراج سجلاّت تجارية تسمح لهم بممارسة عملهم بشكل منتظم يضمن انخراطهم في الدورة الرسمية للاقتصاد المنظم، لكن العملية لم تلق إقبالا من قبل الباعة الموسميين والتجار المتجولين، الذين يتخوفون أن يكون ذلك مدخلا لمطالبتهم بدفع ضرائب في المستقبل.
وفي هذا السياق، يقول رئيس الجمعية الجزائرية للتجار والحرفيين لـ"العربي الجديد" الحاج الطاهر بولنوار، إن "عدد نقاط البيع العشوائية ارتفع بحوالي الربع في ظرف سنة في مختلف أنحاء الجزائر ".
ويضيف بولنوار في حديث مع "العربي الجديد" أن "الجمعية راسلت وزارة التجارة عدة مرات من أجل إيجاد حل لمشكلة الأسواق الفوضوية، إلا أنه لم يتم اتخاذ أي إجراءات"، مشيرا إلى استمرار غلق بعض الأسواق القديمة وعدم استغلالها بالرغم من حاجة المواطنين إليها بسبب البيروقراطية، وتداخل الصلاحيات بين الهيئات المحلية والمؤسسات العمومية وغياب التنسيق بين المصالح التجارية والهيئات المحلية.
ويشير إلى "ضرورة تسوية وضع المساحات الشاغرة، لإيجاد بديل للأسواق الفوضوية وتنظيم التجارة وحماية القدرة الشرائية للمتسوقين"، معتبرا أن التجارة الموازية أضحت تشكل خطرا كبيراً على الاقتصاد وتسبب خسارة للخزينة العمومية تفوق 250 مليون دولار سنوياً.
ويقول إن "السوق الموازية أصبحت وسيلة لتسويق نحو 80% من المواد المقلدة ومنتهية الصلاحية والسلع المهربة، وأضحت عقبة أمام مشاريع الاستثمار بانتشار المنافسة غير الشرعية التي تنفر المستثمرين المحليين والأجانب".