غزة بلا نقود... أزمة سيولة مدمرة لما تبقى من مظاهر الحياة

غزة بلا نقود... أزمة سيولة مدمرة لما تبقى من مظاهر الحياة

17 مارس 2024
مكتب صرافة يواصل عمله في رفح وسط أزمة سيولة خانقة (عابد زقوت/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- غزة تعاني من أزمة نقدية حادة بسبب الحصار الإسرائيلي والحرب، مما أدى إلى تدمير البنوك ونقص شديد في السيولة النقدية، مؤثرًا على قدرة المواطنين على تغطية احتياجاتهم الأساسية.
- البنوك تحاول التكيف بتمديد صلاحية البطاقات المصرفية واستخدام التطبيقات الإلكترونية للتحويلات المالية، لكن الوصول إلى النقد محدود بسبب الدمار في البنية التحتية المصرفية.
- الاقتصاد في غزة انكمش بأكثر من 80% في الربع الأخير من 2023، مما زاد من معاناة المواطنين تحت خط الفقر وانعدام الأمن الغذائي، مشددًا على الحاجة إلى حلول عاجلة.

باتت غزة شبه فارغة من النقود في ظل تدمير وإغلاق معظم البنوك وفروعها وعدم إدخال أي عملات للقطاع منذ اندلاع عمليات طوفان الأقصى في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ويعاني قطاع غزة، الذي يعيش ذروة حرب إسرائيلية مدمرة للشهر السادس على التوالي، في أتون سلسلة من الأزمات المعيشية، لعل من أبرزها ما جرى أخيرًا في نقص السيولة النقدية المتوفرة لدى البنوك الفلسطينية العاملة في غزة.
ولا توجد سيولة نقدية كافية في القطاع لتغطية نفقات المواطنين الفلسطينيين واحتياجاتهم من السيولة المالية، سواء في ما يتعلق بعملتي الدولار الأميركي أو الشيكل الإسرائيلي، على اعتبار أن الفلسطينيين لا توجد لديهم عملة وطنية خاصة بهم.

منع دخول النقود
ومنذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، لم يجر إدخال أي أموال للقطاع نتيجة للحصار الإسرائيلي الذي تم تشديده بقرار من وزير الحرب يوآف غالانت، والذي تمثل في إغلاق المعابر ومنع إدخال شاحنات الغذاء والأدوية وقطع التيار الكهربائي.

وأغلقت البنوك العاملة في غزة أبوابها والكثير من الأفرع المحسوبة عليها في مناطق غزة وشمال القطاع، فيما تعمل هذه المؤسسات بشكلٍ جزئي في المناطق الوسطى ورفح، وتوقفت تماماً في مدينة خانيونس، جنوبي القطاع، وهو ما فاقم العجز في السيولة.

أرصدة مع وقف التنفيذ
يمتلك الآلاف من الفلسطينيين أرصدة في البنوك العاملة في القطاع، إلا أن الكثيرين منهم لا يستطيعون الحصول على أرصدتهم بحرية جراء عدم توفر السيولة الكافية لدى البنوك إضافة للشح الشديد في العملة الأميركية.
وبات الفلسطينيون في الأسابيع الأخيرة يميلون لاستخدام التطبيقات الإلكترونية الخاصة بالبنوك العاملة في غزة عبر تحويل الأرصدة في ما بينهم لسداد بعض التزاماتهم أو لتوفير بعض السيولة.
وأصبح الكثيرون يعتمدون على هذه التطبيقات، حيث يتم تحويل المبلغ المراد الحصول على سيولته النقدية مقابل نسبة مالية يحصل عليها الطرف الذي يمتلك الأموال تراوح ما بين 3% و10% من قيمة المبلغ، وهو أمر بات مرهقًا.
علاوة على ذلك، فإن عملة الدولار باتت شحيحة في السوق المحلي وتكاد تكون غير موجودة تقريباً، فيما يقوم الصرافون في الأسواق السوداء بصرفها بمبلغ مالي أعلى بمقدار 30 شيكلاً عن أسعار البورصة المالية للحصول على الدولار. (الدولار = 3.67 شيكلات إسرائيلية) في البورصة، أما في السوق السوداء فيصل سعر الدولار إلى 3.90 شيكلات.

أزمة التحويلات الخارجية
أما في ما يتعلق بالتحويلات الخارجية، فإن هناك أزمة أخرى في الحصول عليها، سواء بعملة الدولار الأميركي أو الدينار الأردني، ويضطر المعنيون لاستبدالها بالشيكل الإسرائيلي مقابل نسب مرتفعة، ما يتسبب في فقدان أصحاب هذه الأموال مبالغ مالية.
وتقدر دورة الحياة التجارية في قطاع غزة بنحو 3 مليارات دولار سنوياً، يتم تقسيمها على أيام العام، ما يجعل الخسائر المالية المباشرة للعدوان الجاري لا تقل عن 10 ملايين دولار يومياً، دون احتساب الأضرار والفرص الضائعة، وفقاً لتقديرات غير رسمية.

إلى جانب ذلك، فإن الفترة ما بعد عام 2017 شهدت تقليصاً في السيولة النقدية الموجودة جراء الإجراءات التي اتخذتها السلطة الفلسطينية للضغط على خصمها السياسي حركة حماس، ما تسبب في تراجع السيولة الموجودة، وهو ما انعكس بالسلب على الحركة التجارية والقدرات الشرائية.
وفي محاذاة هذا الأمر، فإن القطاع ظل يعتمد في الفترة من 2018 وحتى أكتوبر/ تشرين الأول الماضي على السيولة النقدية التي تتوفر من خلال رواتب موظفي السلطة ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، إلى جانب المنحة القطرية التي كانت تدفع وتقدر بنحو 30 مليون دولار شهرياً.
ووفق تقديرات مؤسسات المجتمع المدني في القطاع، بلغ معدل الفقر قبل الحرب 64%، وهو أكثر بمرتين منه في الضفة الغربية، كما أن 33.8% من السكان يعيشون تحت خط الفقر المدقع، في الوقت الذي تعاني فيه 57% من الأسر الفلسطينية من انعدام الأمن الغذائي، أي ما يقارب 6 من كل 10 عائلات في القطاع.

تعطل الدورة الاقتصادية
من جانبه، يقول الصحافي والباحث في الشأن الاقتصادي محمد أبو جياب إن أسباب الأزمة ترجع إلى تعطل الدورة الاقتصادية وتوقف عمل النظام المصرفي والتجاري، بالإضافة إلى تأثير الحرب، والسحوبات الكبيرة من المواطنين والتجار من البنوك، وعدم قدرة النظام المصرفي على فتح فروعه في قطاع غزة، وبالتالي، فإن الدورة المالية غير مكتملة، وهناك سحوبات كبيرة بدون إيداع كاف.
وحسب تقرير سابق لفايننشال تايمز، اتخذت البنوك في غزة تدابير مثل: تمديد صلاحية البطاقات المصرفية التي كانت على وشك الانتهاء، لكن الوصول إلى النقد، عبر أجهزة الصراف الآلي، يعتمد في نهاية المطاف على الكهرباء والإنترنت التي يفتقدها قطاع غزة كليا أو جزئيا.
ويضيف أبو جياب، متحدثاً لـ"العربي الجديد"، أن القطاع التجاري معطل ولا يعمل، والدورة الاقتصادية تتم بين المواطنين أنفسهم، دون وصول الأموال إلى القطاع المصرفي كما في الوضع الطبيعي. وأوضح أيضاً أن الارتفاع الكبير للأسعار يؤدي إلى "تآكل سريع في السيولة النقدية وتآكل قيمة هذا المال".

حسب تقرير سابق لفايننشال تايمز، اتخذت البنوك في غزة تدابير مثل: تمديد صلاحية البطاقات المصرفية التي كانت على وشك الانتهاء


ووفق الصحافي والباحث في الشأن الاقتصادي، فإن توقف إدخال الأموال من خارج القطاع منذ بداية الأزمة يفاقم حدة نقص السيولة، علاوة على أن السيولة النقدية المتوفرة يتم تدويرها في السوق بنسق مغلق للغاية فقط.
وحسب تقرير حديث للبنك الدلي، انكمش اقتصاد غزة بأكثر من 80% في الربع الأخير من العام 2023، مشيراً إلى أن الحرب بين إسرائيل وحماس كانت لها عواقب "كارثية" على البنية التحتية في القطاع.
وأوضح البنك أنه بالإضافة إلى الخسائر البشرية الفادحة، فإن "جميع الأنشطة الاقتصادية تقريباً في غزة توقفت تماماً". وأضاف أنه "منذ بداية النزاع شهد الاقتصاد الفلسطيني إحدى أكبر الصدمات المسجلة في تاريخ الاقتصاد المعاصر".
كما أشار البنك الدولي إلى التقديرات الأولية الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء الفلسطيني الذي ذكر أن إجمالي الناتج المحلي في غزة "انخفض بأكثر من 80%"، من نحو 670 مليون دولار في الربع الثالث إلى 90 مليوناً فقط في الربع الأخير.

زيادة معاناة المواطنين
يؤكد الباحث الفلسطيني أبو جياب أن الأزمة الدائرة حالياً تتسبب في زيادة معاناة المواطنين وتفاقم مأساتهم، حيث إن الكثير من العائلات غير قادرة على شراء الطعام والشراب، وتصلها حوالات مالية "إغاثية" من أبنائها وأقاربها في الخارج، لكنها عاجزة عن تسلمها بسبب نقص السيولة.
ونتيجة للحرب الإسرائيلية وعمليات القصف، تعرضت الكثير من أجهزة الصراف الآلي التابعة للبنوك الفلسطينية والعاملة في غزة للدمار الكلي، فيما تعرضت مقار الكثير منها لأضرار شبه كلية أو جزئية بفعل القصف الجوي أو العمليات العسكرية البرية.

المساهمون