صعوبات تواجه فتح الممر المائي... وتعطل 12% من التجارة العالمية

أزمة قناة السويس... صعوبات تواجه فتح الممر المائي وتعطل 12% من التجارة العالمية

26 مارس 2021
ملايين أطنان السلع تنقلها السفن يومياً عبر قناة السويس
+ الخط -

مع الإعلان عن تعليق عمل قناة السويس، أمس الخميس، بسبب جنوح واحدة من أكبر ناقلات الحاويات في العالم داخل الممر المائي، تصاعدت المخاوف بسبب تعطل أكثر من 180 سفينة تنتظر منذ 3 أيام ترقباً لإعادة فتح حركة الملاحة داخل القناة. وما يزيد المخاوف هو توقع امتداد تداعيات الحادث لفترة طويلة ستؤثر على نسبة كبيرة من حركة التجارة التي تمر عبر قناة السويس.
وأعلنت هيئة قناة السويس تعليق حركة الملاحة مؤقتًا، اليوم الخميس، وذلك لحين الانتهاء من أعمال تعويم سفينة الحاويات العملاقة الجانحة بالممر الملاحي منذ يوم الثلاثاء.

تكدس النفط والسلع
وبإغلاق القناة لليوم الثالث، تتكدس عشرات الملايين من براميل النفط الخام ومشتقاته وملايين الأطنان من السلع الحيوية الأخرى في البحر، وسط محاولات من السلطات المصرية حلها على مدار الأيام الثلاثة الماضية.
ويمر حوالي 12% من التجارة العالمية عبر قناة السويس، وتعد القناة طريقا رئيسيا يتدفق من خلاله النفط من منطقة الخليج العربي إلى أوروبا وأميركا الشمالية، وبالتالي أصيبت كل هذه التجارة بالشلل بعد إغلاق القناة.
ووفقًا لتقديرات شركة أبحاث السوق "كبلر" فإن ناقلات النفط المتوقفة الآن أمام القناة بالإضافة إلى تلك المتوقع وصولها في الأيام القادمة تحمل على متنها ما يقرب من 10% من الاستهلاك العالمي من النفط في اليوم.
وأكثر من 9% من النفط العالمي المنقول بحرًا، بما في ذلك النفط الخام والمنتجات البترولية المكررة، يمر عبر قناة السويس وخط أنابيب النفط "سوميد" الممتد من العين السخنة على خليج السويس إلى سيدي كرير على ساحل البحر المتوسط بالإسكندرية، وذلك وفقًا لتقديرات إدارة معلومات الطاقة الأميركية.

بداية القصة
بدأت الأزمة في الساعات الأولى من صباح الثلاثاء الماضي مع دخول ناقلة الحاويات العملاقة "إيفرغيفن" التي ترفع علم دولة بنما إلى المياه الهادئة لقناة السويس ضمن قافلة الشمال قادمة من الصين متجهة في طريقها إلى ميناء روتردام في هولندا. ولكن بشكل مفاجئ انحرف جسم السفينة البالغ طولها نحو 400 متر عن المجرى المائي وارتطمت بالقاع، قبل أن يتسبب جنوحها في سد مجرى القناة بالكامل وبالتبعية إعاقة حركة الملاحة داخل قناة السويس.
وأوضحت هيئة قناة السويس أن الحادث يعود بشكل أساسي إلى انعدام الرؤية الناتجة عن سوء الأحوال الجوية نظرا لمرور البلاد بعاصفة ترابية، بلغت معها سرعة الرياح 40 عقدة، ما أدى إلى فقدان القدرة على توجيه السفينة ومن ثم جنوحها.
ويبلغ طول السفينة الجانحة يبلغ 400 متر، وعرضها 59 مترا، فيما تبلغ حمولتها الإجمالية 224 ألف طن.

مشاكل فنية عديدة
قالت مصادر مصرية مطلعة على مجريات أزمة السفينة الجانحة جنوب قناة السويس "إيڤر غيڤن" إن أعمال تعويم السفينة تواجه مشاكل فنية عدة، ربما تطيل أمد الأعمال إلى أكثر من ثلاثة أيام.

وشرحت المصادر، لـ"العربي الجديد" أن ما تم حتى ظهر أمس الخميس، هو تخفيض حمولة السفينة بنقل أكثر من خمسين حاوية كبيرة، لتخفيف السفينة وتسهيل تعويمها، مع استمرار أعمال القطر بواسطة 8 قاطرات عملاقة، إلا أن السفينة حتى الآن لم تتحرك بالقدر المأمول، نظرا لانغماس غاطس السفينة وكاسح الثلوج الخاص بها في قاع وجانب القناة لعمق كبير.
وبالتزامن مع عمل القاطرات في السحب وتخفيف الحمولة، تعمل الكراكات والجرافات الصغيرة على تسليك الأجزاء المغمورة من السفينة في الصخور الرملية، بتؤدة، حتى لا تحدث أضرارا في جسم السفينة.
أما أصعب المشكلات بحسب المصادر؛ التي رفضت ذكر أسمائها، فأولها انخفاض مستوى المياه بشكل عام في القناة بسبب الأحوال الجوية وكذلك في هذه المنطقة تحديدا بسبب انسداد المجرى الملاحي بشكل جزئي من العمق، مما يؤثر بالسلب على إمكانية التعويم.
وثانيها محدودية قدرة القاطرات والسفن الصغيرة التي دفعت بها هيئة قناة السويس في المشاركة في تخفيض حمولة السفينة الجانحة، مما سيستغرق وقتا أطول لإنجاز هذه المهمة إذا استمر عجزها عن الحركة.
أما المشكلة الثالثة فهي عدم قدرة الهيئة والشركة المالكة للسفينة على إعادة الكهرباء لها بشكل كامل، مما يجعلها عاجزة تماما عن المساعدة في التعويم، وفشل التحكم في أقسام كاملة منها، حسب المصادر التي كشفت عن استعانة إدارة هيئة قناة السويس بقاطرة عملاقة من الأردن، للمساعدة في تعويم السفينة وأن القاطرة الأردنية وصلت في ساعة مبكرة من صباح الخميس، وبدأت مهام عملها فور وصولها.
وفي سياق متصل، أصدرت الشركة اليابانية المالكة للسفينة الجانحة بيانا عبر موقعها على الإنترنت، يؤكد أن الوضع "شديد الصعوبة".

فخ الخداع الرسمي
البيانات والتصريحات التي أدلى بها مسؤولو قناة السويس بصورة رسمية، وعلى رأسهم رئيس الهيئة الفريق أسامة ربيع، أسقطت المصريين في فخ الخديعة، بعدما صورت للمتابعين ظهر الأربعاء أن المشكلة في طريقها للحل، وأن السفن قد تحركت بالفعل بجانب السفينة الجانحة، باستخدام ما سمّته الهيئة "المجرى الملاحي القديم".
وسقطت في هذا الفخ أيضاً بعض وكالات الأنباء العالمية، ومنها وكالة "رويترز" وقنوات فضائية مصرية وعربية، نشرت نقلاً عن مسؤولي القناة نبأ تحويل خط سير السفن إلى مجرى آخر.
والحقيقة التي كانت ظاهرة للمتابعين المتخصصين، وحتى عبر المواقع المتخصصة في تتبع حركة النقل البحري العالمية، وأبرزها "العربي الجديد" في تقاريره عن الحادث أمس، أن المنطقة التي تعطلت فيها السفينة ليس لها بديل ملاحي، وهي ليست مزدوجة، وليست فيها تفريعات، وأن السفينة لم تبرح مكانها تقريباً منذ جنوحها لتربض بعرض القناة، متسببة في أضرار بالرصيفين الحجريين لمسافة خمسة أمتار تقريبا.
وبالتالي فإن البيان الأول للهيئة صباح أول من أمس، الذي ذكر أن حركة الملاحة انتظمت مرة أخرى من خلال مجرى القناة الأصلية (المجرى القديم)، وأنها لا تدخر جهداً لضمان انتظام الملاحة وخدمة حركة التجارة العالمية، "لا يعدو كونه ادعاء خادعاً بأن تقدماً قد تحقق"، وفق مصادر مصرية.

وعقب صدور ذلك البيان، سمحت هيئة القناة لوسائل الإعلام بتصوير مشاهد لمرور سفن قافلة الشمال القادمة من البحر المتوسط، دون الإشارة إلى تكدسها لاحقاً في منطقة البحيرات المرة بالإسماعيلية في انتظار تحريك حاملة الحاويات المعطوبة "إيڤر غيڤن".
لكن الهيئة في بيانها الصادر أمس عن تعليق الملاحة لحين انتهاء جهود التعويم، كشفت عدم صحة ما ذكرته سلفا، حيث لم تشر إطلاقا إلى المجرى القديم. وقالت إن "حركة الملاحة بالقناة شهدت أول من أمس، عبور 13 سفينة من بورسعيد ضمن قافلة الشمال" ثم اعترفت بأنه "كان من المستهدف إكمال مسيرتها في القناة وفقاً للتوقعات الخاصة بانتهاء إجراءات تعويم السفينة الجانحة، إلا أنه مع تواصل أعمال تعويم السفينة كان لا بد من التحرك وفق السيناريو البديل بالانتظار بمنطقة البحيرات الكبرى لحين استئناف حركة الملاحة بشكل كامل بعد تعويم السفينة".
ووفقاً لمصدر بمجلس الوزراء تحدث لـ"العربي الجديد" أمس بعد بيان الهيئة، فإن الهيئة ستجري تحقيقا حول ما إذا كانت السفينة قد دخلت القناة وهي تحمل وزنا أكبر من طاقتها، إذ تشير المعلومات إلى أن حمولة السفينة تبلغ أكثر من 224 ألف طن، أي بزيادة 4 آلاف طن تقريبا عن أقصى استيعاب مسجل لها، لكن ما زالت هذه الأمور قيد التحقيق.

خسائر بمليارات الدولارات
تسبب جنوح سفينة "إيفر غيفن" في قناة السويس المصرية في وقف حركة بحرية يومية بقيمة حوالي 9.6 مليارات دولار، وفقًا لحسابات تقديرية أجرتها مجلة "لويدز ليست". ويستند التقييم إلى تقدير قيمة حركة المرور المتجهة غربًا عند 5.1 مليارات دولار في اليوم، والمتجهة شرقًا بقيمة 4.5 مليارات دولار. أي أن حجم الحركة التجارية الذي تضرر خلال 3 أيام يبلغ نحو 28.8 مليار دولار، قابلة للزيادة في حالة تأخر تعويم السفينة الجانحة.
وتشير تقديرات المجلة إلى أن هناك حوالي 165 سفينة تنتظر عبور الممر المائي، في حين تظهر بيانات جمعتها "بلومبيرغ" أن العدد يبلغ 185 سفينة. وفشلت جهود القاطرات المبذولة لإزاحة السفينة الضخمة "إيفر غيفن" حتى الآن.